الفرد محور التربية ونقطة الدائرة
إنّ الفرد في الإسلام هو مركز الدائرة في التربية الإسلاميّة، ومحور وجودها وحركتها، وكما لا يصلح الجسد إلاّ بصلاح القلب، فكذلك لا صلاح للمجتمع إلّا بتركيز الجهود على صلاح نشأة الفرد منذ طفولته الأولى، والحرص على بناء شخصيّته وسلامة نشأته، وحسن استقامته وتكوينه.
وفي التأكيد على ذلك يقول الأستاذ أبو الحسن علي الحسني الندويّ رحمه الله: "إنّي أرى رجالًا في البلاد العربيّة والإسلاميّة وغيرها؛ يبدون كبارًا في العقل والتفكير والتجربة، ولكنّي أستغرب أنَّ "تفكيرهم قاصر غير ناضج".
«يتكلَّمون عن المشكلات حديث رجل لم يتعمّق، ولم يرسخ، يتحدَّثون عن مشكلات السياسة والاجتماع، ويعتقدون أنه إذا جاء الحزب الفلانيّ أو زال ذهبت المشكلة، فإذا جاء أو ذهب واجهتنا المشكلات نفسها، بل ما هو أكبر منها، وكثيرًا ما نواجه مشكلات أخرى لا عهد لنا بها من قبل، ثمّ نجرّب حزبًا آخر؛ فإذا هو شرٌّ من الأوَّل، ولا نزال نجرِّب وننتقل من سيء إلى أسوأ، فإلى متى تُجرى التجارب على هذا الإنسان المسكين؟! وإلى متى نفحص ونشرِّح، ثمَّ نرجع من غير طائل؟!))
إنَّ الأنبياء هم الذين يمنحوننا العلم اليقيني، وهم الذين يقدِّمون لهذا الإنسان التشخيص الصحيح لأمراضه وعلله، وأسبابها ومواطنها، وهم الذين يعطوننا العلاج الشافي.. إنَّ المسألة مسألة النفوس، وما دمنا معرِضين عن هذه الحقيقة، فسوف نبقى نعاني مشكلة بعد مشكلة، ألم يقل الحقُّ تبارك وتعالى: (إنَّ اللهَ لا يُغيرُ ما بِقَوْمٍ حتّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم) [الرعد:11].
"الأزمة أزمة رجال، فأين الرجال؟ أين الرجال الأكفاء الذين يحملون المسؤولية بحقّ، ويؤدُّون الأمانة بصدق، ويتجرَّدون عن أهوائهم وأنانيّاتهم؟ وإنّ كثيرًا من الناس يحرصون على الحكومات، ويعتقدون أنَّ صلاحها هو المفتاح لحلِّ أزماتنا الراهنة، ولكنَّ الحكومة يسيِّرها الرجال، فمَن هم هؤلاء الرجال؟ ومَن الذي يهيّئهم لهذه المهمّة الكبيرة؟ ". (من كتاب: "إلى الإسلام من جديد " ص (162-166) بتصرف يسير).
إنَّ الرجال لا يصنعهم إلا الرجال، ولا يهيّئهم لهذه المهمّة الكبيرة إلَّا أن يتربُّوا على أيدي الرجال الربّانيّين، فيربُّونهم على مائدة الإسلام، ويصنعونهم على عينه، ويُنهلونهم من معينه، ومن معينه فحَسْب، فيكونون بذلك على طراز الجيل الأوَّل ممن تخرَّجوا في مدرسة محمّد [، فكانوا قادة العالم وسادة الدنيا، تغيَّرت الدنيا كلّها من حولهم، ولم يتغيَّروا، وأقبلت عليهم الدنيا كلها بفتنة المال والجاه، والعزِّ والسلطان فلم يطغوا، ولم يبغوا، وإنما أعرضوا عنها، وقالوا لها كما قال أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه:
« يا دنيا غُرّي غيري! غُرّي غيري!»، بذلوها لله، وجعلوها في مرضاة الله، ولم ينحرفوا عن الغاية التي تربّوا عليها، ونذروا أرواحهم لبلوغها..
وإنَّ العالم لم يفسد إلَّا عندما فسد الأفراد، وفُقد هذا الطراز من الرجال، الذين تربّوا في مدرسة محمّد [، وإنّه لا يصلح آخر هذه الأمّة إلّا بما صلح به أولها.
إنّنا لا نكون مبالغين، ولا مغالين إذا قلنا: إنّ كلّ مشكلات الأمّة التي تعاني منها في كلّ ميدان من الميادين؛ تعود إلى فقد التربية أو الخلل في التربية منذ النشأة الأولى، ولا ينفع التقويم غالبًا عند الكبر، بعدما يشتدُّ عود المرء، وتملكه عاداته، وتتحدَّد اتّجاهات حياته..
وإنّ العجب كلّ العجب، أن ترى بعد ذلك مَن يبحث عن حلّ مشكلات الأمّة في غير هذا الميدان، ويتناسى نقطة البدء ومحور القضيّة، أو يعلقها على أمور فرعيّة أو مؤامرات خارجيّة..
فلا بدَّ لنا من التربية، ولا معدل لنا عنها.. ولا بدَّ للتربية أن تبدأ مع الإنسان منذ الطفولة ولا تتجاوزها، فالفرد محور التربية ونقطة الدائرة في الإصلاح الاجتماعيّ، ولكنّنا لا نقف عنده، ولا نقتصر عليه، بل نتدرّج معه في جميع أطواره، حتّى نبلغ به الإصلاح الاجتماعيّ المنشود..
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة