داعية، مسؤول فرع جمعية الاتحاد الإسلامي في البقاع وعضو هيئة علماء المسلمين في لبنان
الغراس المبارك
((لَا يَزَالُ الله يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ)) حديث نبوي رواه ابن ماجه عن الصحابي عِنَبَة الْخَوْلَانِيّ رضي الله عنه.
بنظرة تحليل لهذه البشارة النبوية؛ نجدها من جانبين: تشريف، وتكليف. أو لنَقل: أمَل، وعمل.
وسنتعرّض في إشراقتنا هذه إلى 10 غَرسات في حقول لبنان الدَّعوية، تفتّقت بَراعِمُها وزَهراتُها مع بَدْءِ دِفْءِ فصل الربيع في شهر آذار 2016م، نَقْبَس منها تشريف الأمل، الذي يُحَمِّلُنا تكليف العمل، إذا أردنا أن نُرزَق منها بركة الثمر.
الغَرْس الأول: لقد لَمَعَ هذا الحديث النبوي في ذاكرتي عندما تلقيت البشارة بِنَيْل الفتى مؤمن وليد القَبّوط الْمَرتبةَ السادسة في الخطابة على مستوى البلاد العربية في مسابقة أُجرِيَتْ في مصر، كان تأهَّل لها بعد أن أَحْرزَ المرتبة الأولى على ثانويات لبنان. والرابط بين هذا الخبر والحديث واضح للقارئ، لكنني أَزيده وضوحاً ببيان أن هذا الشاب الفائز هو ابن الأخ الشيخ وليد القبوط رحمه الله؛ إمام وخطيب مسجد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في حَيّ السُّلّم (ضاحية بيروت)، الذي توفي في ريعان الشباب سنة2011م، وكانت القصيدة التي ألقاها "مؤمن" في مجلس العزاء إحدى علامات اكتشاف والده لموهبته ورعايته له.
ولا شَكّ أن تلك الرعاية استمرت عند والدته، والمَحَاضِن التي يشارك فيها؛ كَمؤسسات جمعية الاتحاد الإسلامي؛ مِثل: "المنتدى الطلابي" بلقاءاته الشبابية ونشاطاته التربوية، و "عالَم الفرقان" حيث يشارك "مؤمن" في رعاية الفِتيان الذين يَصْغرونه.
غِرَاس: وفي الصَّددِ نفسِه طَفَتْ على سَطح الإعلام الفضائي ووسائل التواصل الاجتماعي صُور وقصة الأسرة القرآنية في طرابلس ذات الغِرَاس الأربعة؛ فقد تَلَقَّى الأولاد القرآن مِن أُمِّهم، وهي حَفِظَته على أبيهم الشيخ جمال صادق! فالبنت الكبرى زينب أتمَّت حفظ القرآن في عمر 6 سنين، وكلٌّ مِن مصعب وزهراء خَتَم في عُمْر 5 سنين، أما حمزة فحفظ القرآن كاملًا وعمره 4 سنين!!!
ليس هذا وَحده ما جَعل أَحد المهتمين يؤسس لهم صفحة بعنوان: "معجزة العالَم في طرابلس" على الفايسبوك -الذي لا وقت لهذه الأسرة للانشغال به -فقد أضاف الفتيان الأربعة إلى حِفظِهم كتاب الله حِفْظَهم: عَدَدَ أجزاء القرآن وآياته وكلماته وحروفه وسجداته ووقفاته اللطيفة... وغير ذلك مما له صلة بعلوم القرآن.
كما حفظوا أحاديث مختصر صحيح البخاري، وعِدةَ قصائد ومنظومات تقارب5000 بيت شعر! مثل: متن الشاطبية ومتن الدُّرَّة المضِيئة في القراءات، والجَزَرية وتُحفة الأطفال في التجويد، وكِفاية الغُلام في الفقه، والبَيقُونية في مصطلح الحديث، وأَلْفِية ابنِ مالك في النحو، والرَّحَبِيّة في الميراث... وغيرها في التوحيد والوعظ والسلوك والأبواب المتنوعة.
وقد أَجْرتْ مَجلتُنا مقابلةً حولهم السنة الماضية في عددها (205 الصادر في ج2/ 1436هـ).
غِرَاس أخرى: أقِيمَ لهم حَفل تَكريم المُبْدِعين في بلدة الرفيد بالبقاع برعاية الأمين العام للجماعة الإسلامية الأستاذ عزام الأيوبي، تخلَّلتْه كلمة سماحة مفتي راشيا الشيخ د. أحمد اللَّدَن.
وهؤلاء تَنوَّعتْ جوانبُ إبداعهم:
. فالطالب أحمد حسن فرحات: مِن مدرسة الروافد حاز الجائزة الأولى على مستوى العالَم في مسابقة الحساب الذهني السريع في أمريكا.
. والفتى مؤمن يوسف الجنَّاني: اخْتِيْرَ عن لبنان في مسابقة "صَوتُك كَنْز" التي تنظمها" قناة طيور الجنة" الفضائية.
. والشابّة المهندسة حنان جهاد فرحات: -وهي طالبة في كلية الشريعة -أَحرزتْ جائزة "أفضل كاتب ناشئ" في مسابقة وزارة الثقافة في لبنان.
. والشاب عبيدة طلال فَرَج: نال الحزام الأسود في بطولة الرجال للتايكواندو في لبنان، مما يؤهله للمشاركة في منتخب لبنان.
الغَرْس العاشر: وهو الأخير في مقالنا هذا بسبب محدودية مساحته -وإن كانت بُيوتُنا ومجتمعاتنا مَلْأى بأمثال هذا الغِرَاس المبارك - هو:
البُلبل ياسين محمد رجب (مِن سوريا) ابن إمام أحد مساجد بلدة القرعون البقاعية: الذي أَبهرتْ موهبةُ صوتِه لجنةَ التحكيم؛ في الإنشاد، كما في التلاوة، وفي تنوُّع القُرَّاء الذين يُحَاكي مقاماتِهم وأَلحانَهم، وأَكَّدوا عليه أن يَشكر ربَّه على تلك الموهبة وألّا يجعلها إلا فيما يرضي الله ليكون غَرساً مباركاً. وهو أحد التلاميذ الـ2409 الذين شاركوا مع "عالم الفرقان" في "مسابقة عَلَّمَني حبيبي [" لِحِفظ الأحاديث.
وفي الختام: سأُسلط الضوء على الجانب الثاني المفهوم مِن حديث الغِرَاس المبارك الذي افتتحتُ به المقال: "تَكليف العَمل" عبر نموذج مِن السيرة النبوية:
لَمّا هاجر رسولُ الله [ إلى المدينة أَحضروا إليه زيد ابن ثابت رضي الله عنه، وهو ابن 11 سنة، فقرأ القرآن في حضرته. يقول زيد:
(فَأُعْجِبَ بِي. فَقَالُوا: يَا رَسُول اللهِ، هَذَا غُلَامٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ مَعَهُ مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ بِضْعَ عَشْرَةَ سُورَةً. فَأَعْجَبَ ذَلِكَ النَّبِيّ َ[! وَقَالَ: "يَا زَيْدُ تَعَلَّمْ لي ِكِتَاب يَهُودَ؛ فَإِنِّي وَاللهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي". قَالَ زَيْدٌ: فَتَعَلَّمْتُ كِتَابَهُمْ مَا مَرَّتْ بِي خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى حَذَقْتُهُ؛ وَكُنْتُ أَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، وَأُجِيبُ عَنْهُ) رواه الإمام أحمد.
ففي هذه القصة: اكتشاف الصحابة موهبة حُسن الحفظ التي حَباها الله للفتى زيد بن ثابت، واختبار رسول الله[ له، وترشيحه طاقته للتطوير في "دورة تأهيلية سريعة"، وتفوّقه فيها، واستثماره بتعيينه أمينَ سرّ خاص ومترجمًا وكاتبًا. فكان زيد بن ثابت غَرْسًا يستعمله الله في طاعته؛ بجمع القرآن والكتابة والترجمة وتقسيم المواريث والفتوى...
وهكذا علينا اتّباع هذه الخطوات مع غِراسنا ليكون مباركًا وإشراقةَ أمل للعمل الإيجابي.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة