اقتلوا الطبيب
كتب بواسطة جمان عكل
التاريخ:
فى : قصص
2331 مشاهدة
ذهبتْ إلى الطبيب تشكو تشقّق كفّيها لدرجة خروج الدمّ بشكل متكرّر منهما. قال لها الطبيب:
* لا تقلقي.. هذه أكزيما عاديّة وشائعة بين ربّات البيوت. ويمكنكِ التخلّص منها إذا طبّقتِ ما أقول.
وأعطاها قائمة من الإرشادات ومرهمًا طبّيًا، وانصرفتْ.
....
بعد أسبوعٍ عادتْ إليه:
- يا دكتور، هذا المرهم لم ينفع شيئًا، انظر يديّ.. يا ويلي.. بعد غدٍ حفل زفاف ابن قريبة لي، كيف سأذهب ويداي بهذا المنظر؟
سألها الطبيبب بهدوء:
* كم مرّة وضعتِ من المرهم؟
- آآ يعني .. مثلما قلتَ لي.
* يعني كم مرّة في اليوم؟
- لا يعني مو كل يوم.. لا لا .. هذا فيه كورتيزون يؤذي! ما بصير كل يوم أحط منّه.. وأنت سيّد العارفين!!
* ما دمتُ أنا سيّد العارفين، فاستمعي لي الله يرضى عليكِ.. الكورتيزون على الجلد لا يؤثّر شيئًا على جسمكِ بهذه الكمّيات البسيطة جدًّا. لا بدّ أن تضعيه كلّ يوم مرّتين، وألا يقرب جلدكَ الماء إلا للضرورة، وجفّفي كفّيكِ بعد ذلك جيّدًا ورطّبيهما. وابتعدي عن موادّ التنظيف بكافّة أشكالها..
- اووووه كل هذا يا دكتور؟! وكيف سأشتغل شغل بيتي؟
* يا ستّي.. البسي قفّازات! وهذا حكيتُه من المرّة الماضية..
- طيب خلاص أمرك.. لا تعصّب!
* !!!
....
بعد أسبوعين، ما إن وطأتْ قدمها غرفة الطبيب، حتى بادرها بالسؤال بابتسامة:
* أهلا وسهلا.. طمّني كيف حال يديكِ؟
جلستْ قالبةً شفتها ترامقه بنظرات ازدراء لحظات، فانقلب مزاج الطبيب..
* بصراحة يا دكتور، أنا جيت لعندك من المرّة الأولى لأنّي سمعت عنّك إنّك ممتاز، ورجعت المرّة الثانية وقلت يلا أمرنا لله، الرجل شكله يخاف الله ولو إنّه لا يفهم كثيرا بصنعته..
رفع الطبيب حاجبيه استنكارًا، وفتح فمه وقبل أن يردّ عاجلتْه:
* لا تاخد على خاطرك، بس القصد إنّك لا تفحص كلّ مرضاك بالتساوي..
- أيوا.. طيّب هاتي لاشوف ايديكِ..
تردّدتْ، ثمّ مدّت يديها، فإذا كفّاها كما هما، كأوّل مرّة جاءت فيها!
قطّب الطبيب وقال لها:
- أنا لا أفهم ما تريدين، يا أمّي..
بحدّة قالتْ:
* أختك!
رغم كونها تكبره بعشرين عامًا على الأقلّ، لكن لا مشكلة..
اغتصب الطبيب ابتسامةً وقال:
- حاضر.. يا أختي.. أنتِ جئتِ إليّ، شخّصتُ حالتكِ وأعطيتكِ دواءً وإرشداتٍ وكلّ ما في جعبتي حول هذا الموضوع، ماذا تريدين منّي بعد؟
ارتجفتْ شفتاها وانفلتَتْ بالكلام كرشّاش:
* شوف دكتور.. أوّل شي أنا ما بحب حدا يعصّب علي، أنا جاييتك مريضة بدّك تراعيني وتداريني.. وداخلة بفلوسي إيوا.. ثاني شي، دواك لم ينفع، وهذا معناه أنّ تشخصيك غلط. يعني لأنّك دكتور ومتعلّم ما بتغلط؟ غلطات الدكاترة معروفة.. بقى الله يرضى عليك أعِد الفحص، بتحليل دم، وبعده التشخيص. ماذا تخسر؟
سكت الطبيب ووجم، ومرّت لحظات وهو يحدّق فيها، ثمّ سحب من مكتبه ورقة وكتب فيها شيئًا، وناولها إيّاها وهو يقول بجمود:
- أعتذر عن معالجتكِ بعد الآن، هذا عنوان طبيبٍ آخر أعرفه علّه يساعدكِ.
بحلقتْ في وجهه وهتفت وهي تشهق وتضرب على صدرها:
* يوه.. تقليعة؟!
لم يردّ، بل نهض من خلف مكتبه وفتح الباب ونادى للممرّضة وهمس لها: تصرّفي معها وأخرجيها من هنا بأيّة طريقة.
خرجتْ بعد عاصفةٍ في العيادة.
....
في اجتماع نسائيّ مع صديقاتها من كافّة الطبقات المجتمعيّة والعلميّة، جلستْ تحكي:
* يخرب بيته إلهي، الله لا يوجّه له الخير وين ما راح.. الله يقطع رزقه! قلّعني وجاب الممرضة تشحطني لبرّة.. الحقير الوقح!
تعلّق واحدة:
يا ويلهم من الله الدكاترة.. كل واحد أنفه في السما ولا يراعون الناس..
الثانية:
روحي اشتكي عليه عند إدارة المركز، يطردونه ويوظّفون غيره، الدكاترة (على قفا مين يشيل)! ماذا يحسب نفسه؟!
الثالثة:
يا جماعة طولوا بالكم.. جرّبي الطبيب الثاني، ربّما هو لا يفهم في كلّ الأمراض لا تظلميه..
الرابعة:
ماذا؟؟ نظلمه؟؟! حبيبتي، عايش فوق الريح ولا يرى الناس (التعبانة الكحيانة)..
والخامسة والسادسة والسابعة، ثار المجلس وتناثرت الأفكار والاقتراحات والأحكام في القضيّة الغيابيّة التي رُفعتْ على الطبيب بغير قاضٍ ولا محكمة، وبعد ساعتين، تكلّمتْ إحداهنّ، وكانتْ لها كلمة مسموعة في هذا المجلس لثقة النساء بها، وقالتْ:
في هذه المسألة لا يوجد سوى حلٌّ واحد، ولكنّه ليس في متناول اليد دفعةً واحدة. أنا آتي لكِ بخبر هذا الطبيب: أصله وفصله وعيلته وزوجته وأولاده وراتبه، وأقلب الدنيا على راسه. وسينتهي إمّا مجنونًا أو منتحرًا.
هدأ الجمع، وسادت الابتسامات، وتمّ توزيع قطع الحلوى احتفاءً بالقرار المبارك، وانتقلن بالحديث إلى طبقات البودينغ ونوعيّاته.
....
هذا هو شكل (العقل الجَمعيّ) على الفيسبوك، حين يحاول شخصٌ ما أن يؤدّي دوره الإنسانيّ الأخلاقيّ الذي أقسم على أدائه تحت وطأة كلّ الظروف، يتّحد أعضاء هذا العقل المتضارب تحت فكرة واحدة:
اقتلوا الطبيب!
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن