بروفيسور الانتاج الزراعي ورئيس المركز الإسلامي في اليابان
صور من حياة الصحابة
إن المخيمات والندوات التي تقيمها الندوة العالمية للشباب الإسلامي وغيرها من المؤسسات الدعوية لتربية وتوجيه الشباب في العقيدة الصحيحة والعبادات والأخلاق الإسلامية الفاضلة لها جذور في سيرة الرسول وصحابته الكرام.
فقد ذكر البخاري في صحيحه الرواية التالية [38]: ﴿ حدَّثنا مُسَدَّد حدثنا إسماعِيلُ حدثنا أيوبُ عنْ أبي قِلابَةَ عنْ سُلَيْمانَ مالِكِ بنِ الحُوَيْرثِ قال أتينا النبي ونَحْنُ شَببةٌ مُتَقَارِبونَ فأقَمْنا عِندَهُ عِشْرينَ لَيلَةْ فَظَنَّ أنَّا اشتقنا أهْلَنا وَسألَنا عمَّن تَرَكْنا في أهلِنا فأخْبَرْنَاهُ وكانَ رقِيقًا رحِيمًا فقال ارْجِعوا إلى أهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهمْ ومُرُوهم وصَلَّوا كما رَأيْتُمُونِي أُصلِّي وإذا حَضَرتِ الصِّلاةُ فَلْيُؤذِّنْ لَكُمْ أحَدُكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمُّكُمْ أكْبَرُكمْ ﴾
إن هذه الرِّواية تظهر أن مجموعة من الشباب ربما من تبوك، من أبها من الدوادمي من حضرموت، من الأحساء لا ندري ... جاؤوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ومكثوا في ضيافته عشرين ليلة. ومن شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم ولأن غيابهم قد يثير قلق الأهل، بدأ يسألهم عن أحوال أهلهم بطريقة تظهر الرقة والرحمة والشفقة التي يحظى بها من يجتمع بالرسول الأكرم ..
فنصحهم أن يعودوا إلى أهلهم ويعلموهم ما تعلموه من الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب منهم أن يقيموا الصلاة في أهلهم بنفس الطريقة التي رأوها من صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم ونصحهم أنه إذا حضرت الصلاة في قومهم أن يتقدم أحدهم ويرفع الأذان ثم يتقدمهم أكبرهم سنِّا –رغم أنهم كلهم شباب– يتقدم ليؤمهم في الصلاة.
هذا أحد النماذج الرائعة التي ربى بها النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم صحابته –رضوان الله عليهم– مما أهلهم لحمل الرسالة السماوية إلى الدنيا.
لقد وضع الأستاذ عادل بن أحمد باناعمة كتيبًا أسماه دعوة إلى الفرح .. ذكر فيه أن حياة الجيل الأول لم تكن كلها جادة ومليئة بالهموم بل فيها فترات لا بأس بها من الفرح والهناءة. فلقد ذكر من سيرة الصحابة الكرام الرواية التالية:
وقد ذكر البخاري في صحيحه [ 2349]: عن سهل بن سعد أنه قال: ( إنَّا كنَّا نفرح بيوم الجمعة، كانت لنا عجوز تأخذ من أصول سِلْقٍ لنـــا ،كنَّا نغرسه في أربعائنا، فتجعلُهُ في قِدر لها، فتجعل فيه حبات من شعير لا أعلم إلا أنَّه قال: ليس فيه شحم ولا وَدَك، فإذا صلّيْنا الجمعة زرناها فقربته لنا، فكنا نفرح بيوم الجمعة من أجل ذلك، وما كنا نتغدَّى ولا نقيل إلا بعد الجمعة ).
وتظهر هذه الرواية:
1. أن مجموعة من الصحابة كانوا ينتظرون بلهفة في كل جمعةٍ بعد الصلاة وجبة (دسمة ) من الغداء تعدها إحدى العجائز من سكان الحارة في المدينة المنورة.
2. الوجبة مكونة من سيقان نبات السلق تضعه في قدر من الماء وتغليه مع حبات من الشعير (الشعير النبوي يختلف عن الشعير العادي، حيث إنه إذا فُركت السنابل تخرج حبات الشعير مثل القمح دون الغلاف الخشن الذي عليه –صالح السامرائي). ولا تضع عليه شحمًا وودكًا والودك هو السمن المستخرج من شحم الغنم وغيرها.
3. يخرج الصحابي - راوي الحديث وهو سهل بن سعد - مع رفقائه بعد كل جمعة إلى هذه السيدة العجوز وكلهم فرح لتناول هذه الوجبة الفخمة.
4. يقول الصحابي الجليل سعد: " إن عادتنا في المجتمع المدني ألا نتغدى ولا نقيل ولا ننام نومة القيلولة .. إلا أننا بعد هذه الأكلة الدسمة نتغدى ونقتال بعض الوقت.
5. كان الصحابة الكرام يتقاسمون ساعات اليوم. فمثلاً سيدنا عمر كان يتفق مع صحابي زميل له فيخرج عمر لشغله المعيشي أما زميله فيصاحب الرسول صلى الله عليه وسلم في النصف الأول من النهار ليتعلم ما يراه من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم اليومية.
فإذا حان وقت الظهر رجع عمر وأخبره زميله بما شاهده من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في النصف الأول من النهار. أما في النصف الثاني فدور عمر هو البقاء في مصاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم وملاحظة ما يراه، وزميله يذهب لشغله، ويجتمعان وقت المغرب فيخبر عمر صاحبه بما كان قد رآه في النصف الثاني من النهار.
وهكذا حرص الصحابة الكرام على الاستفادة من كل لحظة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فاستوعبوا بذلك رسالة الإسلام كاملة ونقلوها إلى الدنيا.
جزى الله العلي القدير نبينا الأكرم عليه أفضل الصلاة والسلام عنا كل خير فقد أدى الأمانة وبلغ الرسالة ورضي الله عن صحابته الكرام الذين أخلصوا في دينهم وأطاعوا الله ورسوله ونوروا الدنيا بنور الإسلام.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن