من قال إن مواقع التواصل فقدت دورها؟
كتب بواسطة ياسر الزعاترة
التاريخ:
فى : المقالات العامة
1364 مشاهدة
في أجواء الثورة المصرية التي تمثل أيقونة الثورات، رغم إجهاضها، قيل إن تلك الثورة كانت ثورة الفيس بوك أو مواقع التواصل، رغم عجز الأخيرة عن حمايتها من الإجهاض.
في ظل التطورات التالية للانقلاب، بدا أن الحديث عن تأثير تلك المواقع قد تراجع، وأصيب الناس ببعض اليأس، رغم أن استخدامها لا يزال قائما، بل يتصاعد على نحو أكبر، بانضمام آخرين إليها ممن كانوا يعزفون عنها، وجاء دورها في إحباط الانقلاب بتركيا ليعيد إليها بعض الوهج.
لا تندلع الثورات وتنجح بسبب الغضب الشعبي وحسب، فلا بد إلى جانب ذلك من ظروف موضوعية مواتية، ومثال الثورة السورية أكبر دليل، فهنا ثمة نظام يعاني من عزلة شعبية هائلة، ليس بسبب دكتاتوريته وفساده فحسب، بل بسبب هيمنة أقلية طائفية عليه في زمن انفجار الهويات، وحيث يصعب أن ينحاز الناس إلى حزب أو قيادة من غير طائفتهم أو عرقهم حتى لو كان ناجحا، فضلا أن يكون دكتاتورا وفاسدا أو فاشلا. ولك أن تتذكر أن حكومة حزب العدالة والتنمية قد سجلت نجاحات مذهلة بشهادة العالم أجمع، ومع ذلك لم تحصل في أحسن أحوالها عما يزيد على نصف أصوات الناس. وهذا الانفجار في الهويات لا ينحصر هنا في المشرق وحسب، بل يشمل الغرب أيضا.
لكي تندلع الثورات وتنجح لا بد لها من ظروف موضوعية محلية تتعلق بقوة الدولة وأجهزتها، وأخرى إقليمية ودولية مناسبة، وفي سوريا مثلا رأينا أن كل ذلك الغضب على النظام لم يؤد إلى إنهائه حتى الآن بسبب يُتم الثورة، وانحياز أكثر العالم ضدها، وتأثير وجود الكيان الصهيوني في السياق.
لكن الحديث عن مواقع التواصل وتأثيرها لا ينحصر ابتداءً وانتهاءً بإطلاق الثورات وتأمين نجاحها فحسب، إذ إن هناك ما هو دون ذلك، إن كان بمراكمة الرفض وصولا إلى الهدف الأكبر، أو كان بتحقيق إنجازات جزئية أو مرحلية تتعلق بمواجهة الفساد والظلم، وتجاهل إرادة المجتمع وثقافته.
قبل شهور أطاحت مواقع التواصل بوزير من العيار الثقيل في مصر، أي أحد أركان النظام، وذلك على خلفية إساءته لمقام النبي عليه الصلاة والسلام. ولم يكن هذا هو المثال الوحيد، إذ تتوافر أمثلة أخرى في دول عديدة لا يتسع المجال لذكرها هنا (ليست مطابقة بالضرورة).
سيقول البعض إن مواقع التواصل لا تصنع ثورات، ولا تفرض تغييرا، وإنه لا بد من نزول الناس إلى الشوارع، والرد يتلخص في سؤال: من قال إن هناك تناقضا بين الأمرين؟ فالأولى تدفع نحو الثانية، أي تدفع الناس للنزول، ثم تحمي من ينزلون أيضا، وما جرى في مصر أثناء الثورة دليل على ذلك. وقد رأينا هذه المعادلة في تركيا، حيث أسقطت مواقع التواصل، وثورة التكنولوجيا الانقلاب، وأسهمت بنزول الناس إلى الشوارع، فكان ذلك الإنجاز العظيم، وقد ذهبت صحيفة أميركية إلى أن السر وراء فشل الانقلاب، هو عدم إدراك مدبريه لهذه المعادلة، ولو قطعوا الاتصالات وشبكة الإنترنت، لكان لهم ما أرادوا.
المصيبة التي نواجهها هذه الأيام، تتمثل في سيطرة رجال الأعمال المنحازين غالبا للأوضاع القائمة على منابر التأثير الإعلامي، لكن الحقيقة هي أن مواقع التواصل تبقى أكثر تأثيرا، وهي تواجه تلك المنابر، أو تحُد من تأثيرها في أقل تقدير.
في ضوء ذلك ينبغي القول إن أحدا لا ينبغي أن يقلل من شأن مواقع التواصل، بل يجب أن يشجّعها العلماء والمفكرون والدعاة، ويرشّدوها في آن، بحيث تبقى منبر مراقبة وتأثير في المجتمعات، في ذات الوقت الذي تراكم فيها العمل والفعل، وصولا إلى تحقيق روح الربيع العربي ممثلة في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.;
المصدر : العرب القطرية
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة