سحر المصري رحمها الله مع قضية فلسطين وهموم الأسرة
لعلّ أبرز القضايا التي تحتاج خدمُتها ونصرتُها إلى نَفَس طويل وعمل متواصل ودؤوب لا يقف عند حد، هي قضية فلسطين والمسجد الأقصى المبارك، بالإضافة إلى بناء أسرة مسلمة تتحمّل مسؤولية هذا الدين وإعادة مجده من جديد ومسؤولية قضايا الأمه ومنها هذه المسؤولية...
وفي هذا التحقيق نُلقي الضوء على جهود الداعية والكاتبة والمستشارة الأسرية سحر المصري رحمها الله في هذين المجالَيْن.. ودورها البارز من ناحية رفع مستوى الوعي بهذه القضايا التي كانت تشكل هاجساً في حسّ سحر نذرت نفسها ووقتها من أجلها.. آملين من الله أن يكون التحقيق نبراساً يضيء مسيرة العمل النسائي الإسلامي في مختلف المجالات...
وقائع مدهشة عن سحر المصري
المكانة الكبيرة التي كانت توليها الأخت سحر المصري رحمها الله في وجدانها لقضية فلسطين والقدس خصوصاً.. كيف تجلّت؟ يقول الأستاذ الأسير الفلسطيني السابق في سجون السلطة وسجون الاحتلال ساري عرابي: لا أذكر بالضبط متى عرفت الأخت سحر المصري، إن كان ذلك في العام 2003 أو في العام 2004، إذ إن كثرة اعتقالاتي لدى العدو في ذلك الحين، تجعل الشهور والسنوات في ذاكرتي متداخلة، ولكني على أي حال عرفتها في واحد من هذين العامين، في منتدى السقيفة على شبكة الإنترنت، والذي لم يَعُد قائمًا اليوم.
وقد اتسمت الأخت سحر رحمها الله، وقتها، وفيما رأيته فيها، بالنشاط العالي، والإخلاص الواضح، والتواضع الكبير، وهذه الصّفة الأخيرة تحديدًا، جعلتها غير قادرة على الانتباه الكافي لما تملكه من مواهب كامنة، ولاسيما موهبة الكتابة، التي بدأت تطوّرها وتُعنى بها بعد ذلك... ومن أكثر ما ميَّز الأستاذة سحر، بالإضافة لاهتماماتها الأخرى الدعوية والتربوية والأسرية؛ اهتمامها بالقضية الفلسطينية.
وإذا كان هذا الاهتمام متحقّقًا بمساهمتها في الفعاليات المناصرة للقضية الفلسطينية التي كانت تقيمها الهيئات المختلفة، داخل لبنان، فإنّ جزءًا أساسيًّا من نشاطها على شبكة الإنترنت، قد كرّسته للقضية الفلسطينية، بحبّ وتفان، لفلسطين، أرضًا ومقدساتٍ وشعبًا وجهادًا، وبذلك القدر العالي من التواضع الذي كان يتجلى في حبّ وتقدير كبيرين للمجاهدين الفلسطينيين، حتى كانت ترفعهم بحسن ظنّها، وتعلقها بالقضية وجهاد أهلها، إلى درجات هم لا يرون أنفسهم فيها.
إلا أن أهمّ ما يمكنني الحديث فيه، هو ما يتعلق بي شخصيًّا، فبعد معرفتي بالأخت سحر؛ اعتُقلت خمس مرّات، واحدة منها كانت مريرة طويلة لدى السلطة الفلسطينية، وطاردني الاحتلال مرّة، وقد وجدتُ منها رحمها الله، من الاهتمام والاتصال بأهلي، والسؤال عنّي، ما لم أجده من قريب ولا صديق ولا رفيق طريق!!
ثم لما اعتُقلت لدى السلطة ذلك الاعتقال القاسي، بَذَلَتْ كلّ ما في وسعها للاتصال بمؤسسات حقوق الإنسان العربية والدولية، وللترويج لقصتي إعلاميًّا، وكتبت عنّي مرارًا، وهو ما لم أجده من غيرها، حتى من رفاقي وإخواني الذين جمعتني بهم وَعْثاء الدرب الطويل.
وحين خَرَجتُ من سجن السلطة، متأخرًا في دراستي، لكثرة الاعتقالات، محاصرًا في رزقي ولقمة عيشي، سَعَت لأن تدبّر لي عملاً، وما انتبه لحاجتي أحدٌ يومها تقريبًا، سوى هذه الأخت التي تفصل بيننا المسافات الطوال، وحواجز العدوّ... ثم استكتبتني لمجلة إشراقات، وقد سَبَق وأن طَلَبَت منّي تسجيل جانب من قصتي في مجلة منبر الداعيات.
وكان آخر ما دار بيننا من حديث، قبل أن تدخل المستشفى دخولَها الأخير، أن أخبرتني بأنها تنوي الحديث مع إحدى الجامعات في لبنان، لفحص إمكانية أن أُكْمل الدكتوراه عن بُعد، لأن العدوّ يمنعني من السفر، ثمّ توفّاها الله قبل أن يَتم الأمر، وله الأمر من قبل ومن بعد...
وأعلم أخيرًا، أن هذه الكلمات قاصرة، وأعجز من أن تفي أختنا سحر رحمها الله حقّها، أو أن تقوم بمقام الوفاء لها، ولكنها ما أمكن في هذا المقام، ولها منّا الدعاء الواصب بالرحمة والمغفرة.
سحر.. المرأة التي عاشت لفلسطين والقدس
للقدس مكانة كبيرة في وجدان سحر المصري رحمها الله.. وعن جهودها في هذا المجال لا سيما مع (رابطة شباب من أجل القدس) يُخبرنا الأستاذ ياسين حمود (مدير عام مؤسسة القدس الدَّوْلية): قليلون من تكون حياتهم مراحل مطَّردة من الإنجازات، وأن تكون هذه الحياة رسالية في كل مفاصلها، وهكذا كانت الأستاذة الداعية المرشدة الأسرية سحر المصري، فهي المرأة التي عاشت لفلسطين والقدس، لم يكن حُبّها لهم حبًا فطريًا جِبِلّيًا فقط، بل كان شعورًا دافعًا للعمل والإبداع والتضحية والبذل في سبيل هذه القضية الأساسية في أمتنا، فكانت الأخت سحر رائدة من رواد العمل للقدس وأهلها، وهي من الرعيل الأول الذي شارك وأسهم بإنجاح برنامج سفراء لأجل القدس، وهي سفيرة للقدس قبل البرنامج وبعده، كما كانت خير ناشطة لقضاياها ومعاناتها، وقد كان حرصها على نشر المعلومة المقدسية وتثقيف من حولها بقضايا القدس سِمَة رائعة فيها، وانعكاسًا لحُرقة قلبها على هذه المدينة المقدسة، فلم تكن تترك فرصة إلا وتذكّر بالقدس وباقي أجزاء فلسطين ومعاناتها تحت الاحتلال.
إن كل مَن عَمِل مع الأستاذة سحر رحمها الله لمس فيها خصلتين رائعتين، الأولى بأنها داعية دائمة لا تفتر، والثانية شجاعتها في قول الحق وبيانه، وهي صفات تجلت في مشاركتها في مختلف الأنشطة التي تنظمها (رابطة شباب لأجل القدس)، كما شاركت بملتقيات القدس الشبابية السنوية التي كانت تنظمها الرابطة، وبرز دورها بين الأخوات، فكانت نعم الناصح والموجِّه والحاني مع ما لديها من مشاغل وأعمال ولجانٍ دعوية أخرى.
الأخت سحر رحمها الله نموذج للمرأة المثقفة الواعية لقضايا أمتها، وهذه الثقافة النوعية التي نطلب أن تكون موجودة في كل بيت وأسرة، وصلت بها لدرجة عالية من الفهم والتضلُّع حتى شاركت بتصحيح امتحانات خريجي برنامج (سفراء لأجل القدس) وكانت متميزة في هذا المجال، فحُقّ لها أن تكون "المقدسية" وهي القريبة للقدس بالقلب والروح.
وكانت داعيتنا المقدسية نموذجًا متألّقًا من الدماثة وحُسْن الخلق، فتستطيع إيصال ما يجري في القدس وقضيتها لكل شريحة تواصلت معها، وهي إرادة مهمة لتحويل القضية المقدسية وما يقوم به الاحتلال فيها لحالة معاشة وهمّ دائم، حملته الأستاذة سحر مع ما ينوء به كاهلُها من همومٍ ومشاغل.
كان للأخت سحر مساهمة مميزة في حملات خيرية تُعنى بدعم المقدسيين وتثبيت وجودهم في أرضهم، فقد شاركت مع مؤسسة القدس الدولية عام 2014 بحملة (ازرع شجرة لك في القدس)، وكان لها دور رائد في نشر فكرة الحملة داخل لبنان،و في أوساط كثيرٍ من الإخوات في الخارج مما انعكس إقبالًا كبيرًا على الحملة وعلى فكرة دعم مزارعي القدس. وفي عام 2015 شاركت ممثلةً القسم النسائي في جمعية الاتحاد الإسلامي بحملة (رابط بمالك في الأقصى) التي نفذتها جمعية وقف القدس للرعاية والتنمية، وكانت عضوًا في اللجنة التحضيرية للحملة، وقد بذلت جهوداً كبيرة لإنجاح الحملة، وخصوصًا في نشر فكرتها و إيصال رسالتها للعديد من المنظمات والهيئات النسائية في لبنان والخارج، وكانت مِقْدامة في تسويق الحملة لدى شرائح نسائية جديدة بعيدة عن العمل المقدسي، ولكن غَيْرتُها الدافعة للعمل دقت أبوابهم وأدخلت لهم القدس بأدب الأخت سحر وشجاعتها الدمثة النادرة، وكان تواصلها خلال الحملة دؤوبًا كما كانت تتابع كل جديد، وخلال فترة التحضيرات كانت تعمل رحمها الله حتى أوقات متأخرة من الليل. وبقيت رحمها الله تتواصل مع الإخوة في المؤسسات المقدسية حتى مع بداية مرضها.
لقد أثّرَتْ رحمها الله بكل من تواصل معها، وشعروا بأن قضية القدس كانت تسري في عروقها، وكانت على أُهبة الاستعداد لبذل الجهود في الوقت والمال والنفس، وكانت أسمى أمنيّاتها أن تُرزق الشهادة على عتبات المسجد الأقصى المبارك، ونسأل الله أن يرزقها أجر الشهداء وأن يحشرها مع النبيين والصديقين، وأن يجزيها عن القدس وأهلها ومقدَّساتها خير الجزاء.
مع سحر المصري في اهتماماتها
بشؤون الأسرة
وحول اهتمام سحر بموضوع الأسرة وحرقتها لتأسيس أسرة مسلمة سعيدة والإضافات التي تركتها في مجال الإرشاد الأُسْري تقول الدكتورة عبلة بساط جمعة: من الصعب أن أتحدث عن سحر.. كنت دائماً أظنّ بأنّ سحر سوف تَرْثيني يوماً وليس العكس.. فسبحان الله! ونحمده على ما أراد.. قلبي آلمني منذ اليوم الأول الذي أخبرتني فيه سحر بأنّ الطبيب شخّص مرضها... كلماتها كانت ثابتة راضية وشاكرة.. ولكن قلبي أنا انكسر!
كنتُ قد اتخذتُ قراري بالاعتزال والسفر خارج لبنان... وأدركتُ تماماً أنّ سحر تأثرت ولكن بروحها الطيبة وابتسامتها تمنت لي التوفيق... وبأسلوبها الجميل أقنعتني أنّ نسجّل للإذاعة موسمين: (مش عالهوا)... (دردشة وحوار)، البرنامجان كانا يَخْرجان من القلب... والكيمياء التي كانت بيني وبين سحر شَعَر بها الجميع، وحتى إذا اختلفت آراؤنا أو حتى قناعاتنا تجاه موضوع ما كانت المودة تغلف كل المواقف..
سحر تقول: إنني علّمتها الإيجابية، ولكن درس الصبر الذي علّمتنا إياه يفوق عشرات المرات..
ابنتي سحر أنْ أتحدث عن حرصك واندفاعك لخدمة العائلة المسلمة لا يزيد شيئاً عن الذي كان واضحاً من خلال تحضيرك للحلقات، ومن خلال الأسئلة التي حرصتِ على إعدادها التي كانت تُعبر عن معاناة البيت المسلم، ومعاناة الزوجة لنطرح حلولاً تساعد على تماسك العائلة واستمراريتها...
حتى العناوين التي كنتِ تختارينها للبرنامج أو للحلقة كانت دائماً معبِّرة وتختزل مفاهيم كبيرة ولها دلالة عن الفكرة التي تريدين إيصالها...
الإرث الذي تركتِهِ سحر، من تسجيلات وكتابات وحتى جُمَل كلّه معبّر، وأعتقد أننا كلما بحثنا وتعمّقنا سوف نتفاجأ بعمق الفكرة وأهميتها... ألمي لم يتوقَّفْ فقد وصلني خبر وفاتك.. أدعو الله أنْ يجمعنا في جنّته كما جمعنا في دنياه..
سحرالمصري... نموذج لافت
سحر المصري: الباحثة الحقة، والداعية الفاعلة، والطالبة النجيبة والمسلمة التي كان الإسلام مبتدؤها ومنتهاها:
كلمات افتتح بها الدكتور عبد الرحمن ذاكر الهاشمي (طبيب واستشاري علم النفس التربوي والعلاج النفسي) حديثه عن جهود الأخت سحر وكفايتها في مجال الإرشاد الأُسْري ثم تابع: (الإسلام في لبنان) فَقَدَ أحد (أهم) أركان الدعوة فيه، وليس في هذا (مبالغة)، لكن النفوس التي عرفت (سحر المصري) حقاً، تعرف أن (الدعوة الحقيقية) بعيدة عن مجالس (اللغو) يومها، لم يهوِّنْ على نفسي الخبر، بعد الإيمان بالله، سوى حسن ظنّي بالأُنس الذي كانت تحياه نفس الأخت سحر المصري في حياتها خصوصا في آخر مرة التقيتُها، وكانت قد تعرَّضتْ للعلاج الكيمياوي قبلها بأيام، بالكاد تُطيق المشي ومع هذا، كانت، كعادتها، تفيض على نفسها وعلى من حولها بنفس البراءة والرحابة والعَفْوية يومها.. مرت الصور والخواطر مروراً سريعاً، منذ أن التقيتُها أول مرة منذ قرابة 12 عاماً، وحتى الشهور الأخيرة قبيل وفاتها رحمات الله عليها..
كان أول عهدي بها يوم حَضَرَتْ حلقة في بيت من بيوت طرابلس الشام كان عنوان الحلقة (قد أتخلَّف، فأسبق الجميع)، وهي مجموعة فوائد (نفسية) من حديث (المخلَّفين الثلاثة عن غزوة تبوك) كان وجودها لافتاً: بخمارها، ودفترها وقلمها، وكتابة الفوائد، والمتابعة المميَّزة الهادئة... لكن لم يكن شيء أكثر من هذا يومها، وبعد شهور اتصلت بي (سحر/ أم مريم) كمستشيرة في أمر (أُسْري، تربوي، شخصي) لكنها كانت استشارة مختلفة تعرّفتُ يومها على (مراجِعة / مستشيرة) ليست كغيرها من المراجعات والمستشيرات! لِمَ هذا الاختلاف والتميز؟!!
لم تكن الاستشارة (شخصية) فقط، بل كانت (أُسْرية، إسلامية، تربوية، عَقَدية، فكرية) حدثتني (سحر) يومها عن تجربتها الأُسْرية والتربوية والشخصية، والدعوية والفكرية... ذكرتني سحر (تقريباً) بمعظم ما قلته في الحلقة التي حَضَرَتْها هي، لتؤكِّد أنها كانت (تُنصت) ولم تكن (تملأ) الوقت فقط! رأيت في (سحر) المسلمة (الصادقة) التي تبحث عن (المسلمة) في رُكام (الاختلاف المعرفي) في البيئة المحيطة، وفي هذا كله أيضاً رأيت شخصية غنية بالمهارات الاجتماعية والنفسية خصوصاً ما يتعلق بـ (لتعارفوا)، حيث التقبُّل الإنساني غير المشروط، خلفيّتها الغنية بمعارف مختلفة: أدبية، وإسلامية، ودعوية، وطائفية، وعلمية، ومذهبية، ومعرفية، وغير ذلك، كان ظاهراً أمامي أن (صاحبة الخمار) تتجاوز بخمارها قشرة النفوس من حولها، لتتعارف النفوس التي تحت تلك الأَكَمات ولعلّ هذا ما جعل الكثيرات ممن تعاملن معها، مقبلات عليها، رغم (لباسها الشرعي) الذي ربما لا تقبله كثير منهن في استشارتها، كانت سحر تبثّ همّ (الأنثى المسلمة) في عالم اليوم، وفي لبنان تحديداً مرت الأيام والشهور فكان أن بدأت الاستشارة بتجربة شخصية، ثم لم تلبث أنْ استحالت إلى (مشروع أُسْري / تربوي)، وهنا بدأت (سحر) بنفسها: أولاً استشارتني في أمر (الدراسة) في (جامعة غير إسلامية) وفي تخصُّص (ليس تخصصها الأولي) وخاضت التجربة في تميز وخلال التجربة، وبعدها، خرجت (سحر) لتنقل ما لديها فوراً، إلى ساحة (الدعوة الإسلامية). كان ظاهراً، جداً، أن همّ (الأسرة / الأنثى المسلمة) يشغل نفس (سحر) ويكاد يؤرق مضجعها، ولم تلبث بعدها أن أصبحت ركناً من أهم أركان العمل الأسري / التربوي في الساحة اللبنانية، ولعل اقترانها بالشيخ حسن قاطرجي، أمكن لها في الساحة الدعوية، فكان داعما لها في بيئة (صعبة المزاج) عندما كانت تدعوني لإلقاء محاضرة أو المشاركة في حلقة أو دورة تدريبية كانت أكثر من نفس في (سحر): فهي المنسقة المشغولة بتنظيم الأمور، وهي الطالبة التي لا تريد أن يفوتها شيء من المادة، ثم هي الناقدة التي تريد للمادة أن تكون على خير صورة نافعة في حياة الجمهور...
وأحسب أن (سحر المصري) أصبحت علامة فارقة في العمل الأُسْري فهناك ما هو (قبل) سحر المصري، وهناك ما هو (بعد) سحر المصري.. باختصار سحر المصري رحمها الله حُجة لنفسها أمام الله وحٌجة علينا جميعاً أمام الله، وأمام أنفسنا.. اللهم ارحمها، وارحمنا بعدها.
سحر... في عيوني
وعلّقت الأستاذة مها منير فتحة (رئيسة لجنة إصلاح ذات البين) على موضوع اهتمام سحر بالأسرة وقضايا المرأة خصوصاً وأنهما عَمِلتا معاً ضمن (لجنة إصلاح البين) والتقََتا في بعض المؤتمرات والندوات قائلة: تعرَّفت على الحبيبة سحر منذ سنوات عدة في مدينة طرابلس، حيث كنت ألقي محاضرة في مبنى الأوقاف وكانت سحر رحمها الله من ضمن سيدات الأوقاف اللواتي كن ينظمن محاضرات دورية لبث الوعي والارشاد في أهلنا في مدينة طرابلس الحبيبة، التي أحببتُها أكثر لأنها أنجبت أخوات رائعات كـ سحر المصري.
تكرّرت لقاءتنا وفي المحاضرة الأخيرة في مبنى الأوقاف كانت حبيبتي سحر موجودة بين الأخوات المنظمات.. تزوجت سحر وانتقلت إلى بيروت وأصبحنا نلتقي أكثر، ولقد ضمني معها (التجمع اللبناني للحفاظ على الأسرة)، وكانت رحمها الله تشترك في التجمع باسم (جمعية مودة) التي تُعنى بشؤون الأسرة، كانت هي القلب النابض في تجُّمعنا، وكان حضورها معنا يُضفي على الاجتماع جوّاً من المودة والمرح، سبحان الله كان لديها روح تُشِعَ بالأمل وتؤنس كل من يجالسها.
منذ سنتين سافرنا معاً إلى تركيا حيث أعلنا تأسيس (الرابطة العالمية للقيادات النسائية) في أثناء انعقاد مخيم (إعدادات القيادات الاجتماعية)، الذي يشرف عليه الدكتور الشيخ جاسم المطوع، وكان من ضمن الوفد اللبناني المشارك في المخيم شابان من جمعية الاتحاد الإسلامي يمثّلون الجمعية، وصودف حضور سحر أثناء عرض الشابين لمشروعهما، راقَبَتْهما بعيون ناقدة ثم بعد الانتهاء تكلّمتْ معهما بكل حَزْم حول الأخطاء التي وقعا بها... في هذه الحادثة رأيت في سَحَر الوجه الآخر لها، فهي كانت تَنْشُد الاتقان وتدعو الآخرين للإتقان والإخلاص في العمل للوصول إلى الكمال التي لم تَقْبل دونه في استنبول، وفي نفس الرحلة التي جمعتني بها كنا قد تواعدنا أن نصلي معاً في مسجد السلطان محمد الفاتح، وبعدها نترافق لزيارة إحدى الجمعيات التركية في منطقة الفاتح، التي تستقطب الأجانب من الدول ذات الأقليات المسلمة وتستضيفهم وتعلّمهم على حسابها، انتهت الصلاة وانتظرنا في الشارع حتى تنضم سحر وزميلتها لزيارة الجمعية، انتظرنا طويلاً ولكنها تأخرت، وعند وصولها وسؤالنا لها عن سبب التأخير قالت: بعد انتهاء صلاة الجمعة، كان هناك مظاهرة تنديداً لما حصل من ظلم وتنكيل في مجزرة رابعة في مصر، فوَجَدَت أنه من الواجب نصرة المظلوم فوقفت مع المتظاهرين تأييداً لهم.
هذا غَيْض من فيض سِحْر الشخصية التي تحب المرح، والتي لم تُرَ إلا متبسمة تَنْشد الإتقان، وتقوم بعملها بإخلاص، ولا ترضى الدنيّة في دينها، دخلت الجامعة قبل مرضها الأخير ولم ترض إلا أن تحتل المرتبة الأولى، قالت لي في آخر زيارة لها قبل وفاتها وكان المرض قد أَنْهكها: إنها اتمّت الدراسة ولم يبق لها سوى البحث، واذا شفاها الله من مرضها ستُكمل. كانت مفعمة بالحياة، ومع ذلك لا تخشى الموت، قالت لي قبل وفاتها: أن الشيخ حسن لا يسمح لي بتربية القطط في المنزل، وفي الجنة سأطلبها وسأطلب من ربي أن يكون لي قرود... هذا الكلام وهي مريضة وتبتسم وهي تشع بالأمل وتنشر السرور حول كل من يجالسها.
ماذا أقول لكِ يا سحر... أجد فيها روح السيدة عائشة أم المؤمنين، تجمع الذكاء مع الطفولة، والمرح مع الإتقان... رحمكِ الله، إننا نفتقدك بيننا، هناك أشياء كثيرة كنا نخطّط أن نقوم بها معاً، تغمدك الله برحمته وجمعنا معك في جنان الخلد.
هكذا رحلت سحر المصري في عزّ طاقتها وشبابها عن عمر يقارب الثامنة والأربعين, قضتْ الشطر الأكبر منه في طاعة الله.. وفي بذل الوقت والجهد خدمة للإسلام وقضاياه.. فكانت أنموذجا حيّاُ للمرأة المسلمة التي عرفت قيمة وقتها وكان لها دورها في خدمة قضايا الأمة..
آملين من الله أن نكون بهذه السطور قد وَفَيْنا قسطاً يسيراً متواضعاً حقّها علينا، كما ندعوه تعالى أن يجمعنا بها في مستقر رحمته.. شاكرين ضيوفنا ومثمِّنين مشاركتهم.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة