طالب ثانوي مهتم بشؤون المسلمين | لبنان
تقدّم الغرب
كثرت كتابات المفكِّرين حول إشكاليَّة: "لماذا تقدَّم الغرب وتأخَّر الشرق؟"
ظنَّ الكثيرون أنَّ تقدُّم الغرب كان مجرَّد تقدُّمٍ تكنولوجي، وهذه من الأخطاء الشائعة التي وقع فيها مَن حاول حلَّ إشكالية التقدم الغربي، والصحيح أنَّ تقدم الغرب هو تقدم في شتى المجالات التكنولوجية والعلمية، وفي العلوم الإنسانية من تاريخ واقتصاد وتربية وعلوم الاجتماع والسياسة... فالغرب قد انتقل من مرحلة فكرية معينة إلى مرحلة أخرى ضمن تحوُّل وتقدُّم شامل في منظومته الثقافية والمعرفية والتصوريَّة، فكانت التكنولوجيا والاختراع العلمي من أدوات التقدم الغربي والأساس الذي قامت عليه حضارة الغرب.
كذلك من الخطأ أن يقال: المجتمعُ الغربي فارغ من القيم. وهذا من النظرات السطحية للمجتمع الغربي ولمنظوماته الثقافية، وقد تكون هذه النظرة لإقناع النفس بأن الغرب في طور السقوط! لكنَّ الغرب في الحقيقة يتمتع بقِيَمه المنسجمة مع منظوماته الثقافية والمعرفية القائمة على فلسفته الخاصة. والخطير في الأمر أن التقدم الغربي على صعيد العلوم الإنسانية قد انعكس بشكل مؤثِّر جدّاً على قيمنا ومنظوماتنا؛ بل استطاع الوصول إلى قلب منظومتنا الفقهية الإسلامية التي تأثَّرت بالحداثة.
فتقدُّم الغرب كان تقدُّماً شاملاً، وسأذكر بعجالة أهمَّ عامل ساعد الغربيين في تقدُّمهم...
فمِن الأمور المهمة التي تعتبر من أساسيات النهضة والتقدم: كثرة الإنتاج الفكري والعلمي، بالإضافة إلى إنتاج أعداد كثيرة من المفكرين في مجالات العلوم الإنسانية والتجريبية، ومنهم مَن قدَّم نظريات كلية شاملة، واعتُبر مذهباً لمن خلفه. وقد اتسم هذا العامل النهضوي بالاستمرارية والتتابع في الإنتاج الفكري العلمي.
وكان الشرق الإسلامي يعيش حالة تخلُّف في العلوم الإنسانية أثناء بناء الغرب لمنظومته، مع أنَّ التاريخ ذكر العديد من علماء المسلمين ممن تفرَّغوا للاكتشاف العلمي، لكنَّ المشكلة تكمن في أحادية هذه المشاريع، وعدم وجود مشروع نهضوي كامل تكون فيه هذه الاكتشافات والنظريات العلمية من عوامل نجاحه.
إنَّ تقدُّم أمّة من الأمم مرتبط بشمولية منظومتها المعرفية، وبتلونها بشتى الألوان، وليس بلون العلم والتكنولوجيا فقط.
ولن يستطيع المسلمون أن يتقدموا وهم في حالة افتقار للعلوم الإنسانية، فلا بدَّ من نهضة شاملة على مستوىً عالٍ من الوعي المعرفي والحضاري وفهم مسارات التاريخ والمجتمع.
ولا بدَّ من قراءة علمية منصِفة لتاريخ الحضارات؛ والغرب خاصة، فالقراءة العلمية للتاريخ، تساعدنا في فهم الواقع الحاليِّ والتمركز الأممي والحضاريِّ للشعوب.
ومن المهمِّ جدّاً مطالعة الفكر والشرع بنظرة أصوليَّة عميقة، وهكذا حتى نصل مرحلة (الإبداع والتجديد المعرفي) الذي يقتضي المطالعة المتواصلة والتفكير العميق وتقليب النظر، والمراجعة الدائمة للأفكار لتطويرها وتنقيتها من القصور والخلل.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن