متخصّصة في مناهج تعليم اللغة العربية، كاتبة في مجال التربية | باريس
إقرأ
تُعَدُّ القراءة منذ القدم أهمَّ ما يميِّز الإنسان عن غيره، بل هي من أهمِّ المعايير التي تقاس بها المجتمعات تقدُّماً وتخلُّفاً. وليست القراءة مجرَّد معرفة للقراءة؛ بل هي عين المعرفة وغذاء العقل ونور يَعرف به الإنسانُ نفسَه.
ومن ثمراتها: يعرف محيطه؛ فيتفاعل معه بصورة واعية أخذاً وعطاءً، قَبولاً ورفضاً. وهي السَّبيل الأوَّل لتوسيع المدارك وتطوير المعلومات وكسب الثَّقافة والدَّافع إلى الإبداع.
أوَّل أمر في أوَّل سورة نزلت من القرآن هو القراءة، وذُكِرت والعلم خمس مرَّات في ذات السُّورة لأهمِّيَّتهما في حياة الإنسان. وقد أورد القرآن الكريم العلم في محكم آياته زهاء سبع مئة وخمسين مرَّة. أدرك المسلمون الأوائل أهمِّية القراءة فطلبوا العلم في كلِّ مكان من المهد إلى اللَّحد، وأعطَوا القراءة حقَّها من العناية والرِّعاية، فأصبحوا سادة الأمم.
لمَّا قرأت أمَّة "اقرأ" أبدعت وأنتجت حضارة، ولمَّا غُيِّبت القراءة من حياتها هوت.
نسبة الأمِّيَّة اليوم في الوطن العربيِّ عالية، في حين أنَّ أعلى نسب القراءة _ وبالتَّحديد فنَّ القراءة _ توجد في الدُّول المتقدِّمة وأساساً الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة.
فمشكلة بلاد العرب اليوم تكمُن أساساً في تخلِّيهم عن تعاليم دينهم.
• نقرأ لنعرفَ ما نقرأ، وينعكس ذلك على سلوكنا..
الكتاب هو الأفكار والأحداث الَّتي بداخله، والكتاب الجيِّد هو الَّذي يجعلنا نفكِّر بطريقة أفضل. و القراءة هي الَّتي تضيف إلى القارئ خبرةَ كلِّ شخص قرأ له. فالكتب النَّافعة تغذِّي عقل الإنسان وتُعِدُّه لحسن التَّصرُّف في المواقف المختلفة.
ولذا فإنَّ قراءة المسلمين بغية تربية النَّفس بالهَدي القرآنيِّ والنَّبويِّ حتميَّة ومُهمَّة لتدارك ما نحن فيه من تداعٍ، ولتكون مواقفنا راسخة لا تهتزُّ لأيِّ خبر جاء به فاسق. فهذه التَّربية تغرس فينا أصولاً ثابتةً لا تتزحزح، وتزرع في قلوب شبابنا بصيرة لا تُستَدرَج، وتمكِّننا من التَّحلِّي بالهدوء في المواقف الصَّعبة، وتبعد عنَّا الغضب؛ فلا ننساق إلى أصحاب الأهواء والتَّيَّارات الخاطئة..
• نقرأ لنجدِّد ونطوِّر ونواكب المستجدَّات..
والقراءة هي أيضاً مهارة فهمِ النَّصِّ واستيعابِه وحسنِ التَّعبير عنه والإفادةِ منه في الكتابة والتَّأليف والإبداع، فلا بدَّ أن نقرأ لنتقن مهارات القراءة المتعدِّدة، ومنها التَّعوُّد على سرعتها؛ خاصَّة في عصر تنشر المعلومات فيه بكثافة هائلة.
يحتاج الفرد اليوم أن يعيش التَّثقيف الذَّاتيَّ والتَّكوين المستمرَّ مدى الحياة أكثر من أيِّ عصر آخر؛ لم يَعُدْ بإمكان المؤسَّسات التَّعليميَّة فيه أن تقدِّم للدَّارسين أكثر من مفاتيح للعلم ومبادئه وطرقه. ثمَّ إنَّ بعض المعلومات كثيراً ما يبدو زيفُها بعد فترة من ظهورها، فكم من نظريَّة كانت تُدَرَّس وتحوَّل الاهتمامُ عنها، وكم من دواء كان يُستخدم وسُحب من السُّوق. وعلاج كلّ هذا دوام المطالعة ومتابعة ما يحدث باستمرار..
• نقرأ لنعالج أمراضنا..
يمتلك الكتاب _ إذا لاءم الاحتياج _ قدرات كبيرة تساعد على شفاء الأمراض؛ وأوَّلُها الجهل، وتُسهم في حفظ الصِّحَّة العقليَّة والنَّفسيَّة والاجتماعيَّة. والمسلمون بين أيديهم ما يفتح آفاقاً لا نهاية لها قبل الموت وبعده.. إنَّه كتاب اللَّه الشَّافي من كلِّ الأمراض.. يصلنا بعالم الغيب الَّذي سيسعد فيه مَن قرأ كلام اللَّه وأحسن، وانعكست قراءته على أفعاله، فاستفاد وأفاد.. تلك هي القراءة الحافظة من الضَّياع، المنقذة من أسقام الانحراف عن النَّهج السويِّ بحجَّة مواكبة العصر.
إنَّ الاستفادة من المستجدَّات لا تتناقض مع الهدي القرآنيِّ، بل هي المؤدِّي إلى التَّقدُّم والرُّقيِّ إنْ أتقنَّا فنَّ القراءة واحترمنا المحكم من القرآن ولم نتجاوز ثوابته..
• نقرأ لنرغِّب أبناءنا في القراءة..
الطِّفل أملُ كلِّ أمَّة وعمادُها في صنع المستقبل، علاقته بالقراءة هي المفتاح الطَّبيعيُّ للتَّعلُّم، ومن هنا تبرز أهمِّيَّة القراءة للأطفال. ولِيعلمَ الآباءُ والأمَّهاتُ أنَّ الأطفال الَّذين يشعرون بمتعة الاستماع إلى القصص هم القرَّاء الجيِّدون في المستقبل، وهم المتفوِّقون في الدِّراسة..!
والقراءة بهذا المفهوم لا تقف عند الأهداف الصَّغيرة المحدودة أو هدف الحصول على عمل يقتات منه، بل هي أمر قطعيٌّ للاستفادة من كلِّ أوعية العلم الورقيَّة والرَّقميَّة. وهي فنٌّ أساسه معرفة ما يجب أن يُقرَأ ومتى؟.. وما يجب أن يُترَك، واغتنام ما هو مفيد لسموِّ الإنسان. ولمَّا سُئل الفيلسوف الفرنسيُّ فولتير عمَّن سيقود العالم؟ فأجاب: (أولئك الَّذين يعرفون كيف يقرؤون).
فالنَّهضة تبدأ من "اقرأ"، والعلوُّ تابع لها.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة