النازحون السوريون في لبنان
ذبح.. تقتيل.. تعذيب.. تنكيل.. اعتقال.. أسر.. اغتصاب، وإذلال على مرأى ومسمع العالم أجمع الذي لم يحرك ساكناً لنجدة ونصرة أطفال ونساء وشيوخ وشباب سوريا الذين لا ذنب لهم إلا أنهم طالبوا بالحرية.. حتى لم يبقَ أمامهم بعد أن اقتربت ثورتهم من إتمام عامها الثاني إلا الفرار من وطنهم بحثاً عن وطن آخر يؤويهم، ليفاجئوا بموت من نوع آخر مغلّف بالذل؛ حيث أن الظروف الاقتصادية والسياسية لكل بلدٍ حالت دون رعايتهم بشكلٍ جيّد وجعلت المساعدات المقدمة لهم لا ترقى إلى المستوى المطلوب..
أعداد اللاجئين
يبلغ العدد الإجمالي للاجئين السوريين إلى خارج الأراضي السورية حسب آخر إحصائية للشبكة السورية لحقوق الإنسان 547 ألف لاجئ، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 710 آلاف شخص بنهاية العام الحالي حسب ما ذكر المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة للاجئين في عمان بالأردن رون ريدموند.. وهم يتوزعون على البلدان المجاورة على النحو التالي:الأردن: 295 ألف نازح- تركيا: 130 ألف نازح- لبنان: 87 ألف نازح- العراق: 35 ألف نازح.
بداية كانت لنا وقفة مع الأخت ليندا عثمان الموظفة في صندوق التكافل الإسلامي في لبنان، حيث عرضت لنا طرفاً من معاناة إخواننا وأخواتنا النازحين وأوضاعهم واحتياجاتهم: " الوضع المعيشي للنازحين صعب جداً فإذا نظرنا للأولويات فهناك عدد كبير يهمه بالدرجة الأولى إيجاد مسكن.. ومن المواقف المؤثرِّة ما أخبرتني به إحدى النازحات التي أتت تطلب المساعدة وبدت متعبة جداً؛ فأخبرتني أنهم نزحوا إلى لبنان حيث عاشوا في إسطبل أو ما يشبه الكراج، ولقد رأيت بأم عيني آثار لدغة الحشرات وعض الجرذان على جسمها وجسم ابنتها. لذا أكبر همّ عند النازحين هو البحث عن عمل ولو بساعات طويلة من أجل تأمين أجرة السكن، وأحياناً يضطر البعض للسكن مع عائلة أخرى ليتقاسموا أجرة المنزل الذي قد يتجاوز قاطنيه ثلاث عائلات، ولقد أخبرتني إحدى النازحات إنها تسكن وابنها مع عمال سورين، أحدهم من عائلتها أنها تبقى مستيقظة طوال الليل ولا تنام إلا عند ذهابهم للعمل صباحاً.. أما الناحية التعليمية فحدثي ولا حرج عن معاناتهم (تأمين مدرسة مناسبة – الكتب والقرطاسية – المواصلات – اختلاف المناهج).. أما الوضع الصحي فهناك حالات مرضية صعبة تحتاج لإجراء عمليات جراحية أو تأمين دواء للمرضى المصابين بأمراض مزمنة، هذا غير حالات الولادة. ثم يأتي بعد ذلك حاجاتهم إلى المواد الغذائية والأدوات الكهربائية وكذلك الملابس والفرش والحرامات خاصة مع قدوم فصل الشتاء... ولا ننسى القرطاسية وحليب الأطفال والحفاضات فهذه بنظر البعض أمور تافهة، ولكنها تُعتبر همّاً كبيراً بالنسبة للنازحين المحرومين من أبسط الاحتياجات خاصة من عنده أكثر من ولد".
ولتسليط الضوء أكثر على معاناة إخواننا النازحين ومعاناتهم في لبنان وكيفية تفاعل الدولة رسمياً وشعبياً مع هذا الملف أجرت المجلة لقاء مع الأمين العام لائتلاف الجمعيات الخيرية لإغاثة النازحين السوريين في لبنان الشيخ زيد بكار زكريا.
فإلى الحوار:
بداية: كيف تقومون التفاعل مع ملف إخواننا النازحين رسمياً وشعبياً؟أما الموقف الرسمي فمعلوم الانقسام السياسي الذي يعيشه لبنان والذي تزامن مع الأزمة السورية، ولذلك كان موقف الدولة تجاه أزمة النازحين خجولا في البداية ثم تحركوا قليلا ثم توقفوا، ويتحركون قليلا بين فترة وأخرى لكنه تفاعل أقل وأقل من المستوى المطلوب وهم إلى التوقف أقرب من العمل.
أما شعبيا فهو جيد لكن ما باليد حيلة، فمعظم الشعب اللبناني متعاطف مع النازحين بل إنه مع بداية نزوح السوريين إلى المناطق الحدودية في عكار قام أهالي وادي خالد باستقبالهم وأسكنوهم بيوتهم وجلس أصحاب البيوت خارجها في مشهد يذكرك بالمهاجرين والأنصار رضوان الله عليهم وهذا هو خلق المسلم، وهذا ما لمسناه من غالبية الأهالي، لكن المشكلة أن اللبناني نفسه يعيش في أزمة اقتصادية خانقة لم يستطع معها أن يقوم بالواجب الإنساني والديني الكامل تجاه هؤلاء النازحين، ومع ذلك فهم مشكورون على هذه العواطف والمساهمات التي قدموها إذ أن إيواء اللاجئين والنازحين هو واجب الدولة والمنظمات الأممية الإنسانية.
ما أبرز الإنجازات التي حققها ائتلاف الجمعيات الخيرية لإغاثة النازحين السوريين في لبنان؟كان من أهم ما حققه الإئتلاف هو تنسيق الجهود الإغاثية بين الجمعيات حتى لا تتكرر الأسماء وذلك عبر إحصاء دقيق موحد، وتنسيق التوزيعات حتى لا تتكرر المساعدات أو نوعيتها على القرى ذاتها أو على الأسماء نفسها.
وقد قام الإئتلاف بعون الله سبحانه وتعالى وفضله بجهود جبارة وساهم بتقديم مساعدات بلغت الملايين من الدولارات ، وشملت الجوانب التالية :
أولا : السكن ومستلزماته :
تم توزيع أكثر من ( 120000 ) بطانية وشرشف . تم توزيع (100000 ) فرشة. تم توزيع ( 500 ) مدفأة في المناطق الباردة . تم توزيع ( 1500 ) سجادة بمعدل واحدة لكل عائلة في المناطق التي لم تستلم مدفأة. المساهمة في دفع بدل إيجارات الشقق والبيوت والمخازن التي تأوي النازحين والتي تقدر بحوالي ( 400000 ) دولار. تم توزيع ( 100000 ) حصة من مستلزمات النظافة. تم توزيع (60000) قطعة ثياب لجميع الفئات والأعمار. تم توزيع (1000) قارورة غاز. تم توزيع (5000) حصير. تم توزيع أواني ومستلزمات منزلية بقيمة (200000) دولار.ثانياً : الطعـــــــــــــــام :
تم توزيع أكثر من ( 200000 ) حصة غذائية. تم توزيع حصص من الخضار واللحوم والتي تقدر بـ( 44500 ) حصة . وكذلك قد تم توزيع لحوم الأضاحي في عيد الأضحى بما يقارب 200000 دولارا بمعدل 2,50 كلغ لكل عائلة. تم توزيع ( 500000 ) ربطة خبز .ثالثا : الطـــبابة والاستشفاء :
قام الإئتلاف بتسيير عيادات نقالة إلى مناطق النزوح الكثيفة خلال يومين في الاسبوع لتأمين الدواء المزمن وحالات المرض الطارئ للإخوة اللاجئين ، حيث تبلغ كلفة كل طلعة حوالي 1000 دولار وذلك منذ بداية الأزمة إلى الآن . معالجة المرضى النازحين وذلك في المستوصفات والمستشفيات. تقديم الدواء للنازحين . متابعة شؤون الجرحى بعد خروجهم من المستشفيات بتأمين اللازم لهم من دواء واحتياجات طبية . لقد قمنا ولله الحمد بتغطية 800 حالة ولادة طبيعية وقيصرية، علما بأن أكثر حالات الولادة كانت قيصيرية حيث أصيبت الأم بنوبات عصبية نتيجة الرعب الذي يحول دون حصول الولادة الطبيعية. حملة تطعيم ( تلقيح ) للأطفال السوريين بالتعاون مع وزارة الصحة العامة، حيث لقح حوالي 2000 طفل وقد تطوع لتطعيمهم 9 أطباء و12 ممرض من أطباء الإئتلاف. تم شراء أدوية مزمنة وعلاجية بقيمة 320000 دولارا. تم إجراء عشرات العمليات الجراحية المختلفة وتأمين الدواء والعلاج لهم، وقد بلغت حوالي 1600000 دولار.رابعاً : الجانب التعليمي :
ادخال الطلاب النازحين في المدارس اللبنانية الرسمية بعد الضغط الذي مارسه الائتلاف على الدولة من أجل إلحاقهم بالمدارس حتى لا يضيع عليهم العام الدراسي، وقامت جمعية التربية الإسلامية بإعداد برنامج خاص لتدريس النازحين في المدارس التابعة لها وشمل الآلاف من الطلاب والطالبات..
خامسا : المساعدات النقدية :
توزيع مبالغ نقدية تقدر بحوالي 750 ألف دولار للنازحين لشراء الحاجيات الخاصة.
نتيجة مشاهداتكم الدائمة لأوضاع النازحين لخصوا لنا معاناة إخواننا وأخواتنا.. أوضاعهم المعيشية والحياتية؟ التعليمية؟ النفسية؟ وما هي أبرز احتياجاتهم؟
أول ما يحتاجه النازح عند وصوله المأوى والمسكن ثم ما يتبع ذلك من فراش وطعام وشراب وعلاج، وبعد تأمين ذلك تبقى الحاجة ملحة إلى العلاج النفسي وتأمين الدراسة له، لكن الإمكانيات تحول دون توفير كل هذه الاحتياجات بسبب قلة الموارد وكثرة أعداد النازحين المتدفقين.
ومع ذلك تبقى قضية السكن والعلاج هما الحاجتان الأبرز، ولو كانت الدولة تسمح بإقامة مراكز للإيواء لعالجت قضية السكن.
هل من احتياجات معينة للنازحين يقف أمامها ائتلاف الجمعيات الخيرية عاجزاً؟أكرر... من أصعب الأمور تأمين المسكن وإيجارات البيوت، وتأمين العلاج والاستشفاء.
كما نعاني من قضية إدخال المساعدات العينية المتبرع بها من الخارج لأنها بحاجة إلى موافقة حكومية لإدخالها عبر المطار أو الميناء، وإن كنا قد استطعنا الآن إدخال بعض هذه المساعدات عبر هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية التابعة لدار الفتوى.
الأطفال والنساء الفئة الأكثر تضرراً في الحروب والثورات لو تحدثونا عن أوضاعهم في ظل ضعف الرعاية النفسية والدعم الاجتماعي لهم؟
يقف المسلم عاجزا عن الكلام أمام المشاهد التي يراها للأطفال والنساء النازحين الذين فروا بأنفسهم مخلفين وراءهم كل شيء في سوريا لا يملكون إلا ثيابهم التي يلبسونها، فتقف المرأة عاجزة عن الكلام والمطالبة وهي تريد أن تؤمن احتياجات أطفالها، ولذلك حرصنا في الإئتلاف أن نصل إليهم قبل أن يصلوا إلينا للحفاظ على كرامتهم وماء وجوههم، ولذلك فإن لهم الأولوية في الرعاية والإغاثة.
ما أبرز ما تعانيه هذه الفئة لا سيما النساء في ظل غياب أو موت أو سجن المعيل؟
إنهم يعانون من كل شيء، فعندما يوجد الرجل مع الأسرة فهو الذي يسعى وهو الذي يطالب وهو الذي يبحث، ولكن مع غياب المعيل تبقى المرأة عاجزة عن فعل شيء في بلد لا تعرف فيه أحد، فتعيش فترة من الخوف والقلق حتى تجد من يأويها، ومما نلاحظه هنا أن معظم النساء الحوامل اللاتي يأتين هربا من بطش النظام فإنهن ينجبن بواسطة العمليات القيصرية وليس بولادة طبيعية، وسبب ذلك هو الخوف والحالة النفسية.
حلول عملية من شأنها أن تُسهم في رفع المعاناة عن إخواننا النازحين السوريين على صعيد الأفراد؟ الجمعيات والمؤسسات الأهلية والإسلامية؟ على الصعيد الرسمي؟الحلول المناسبة:
1 ـ ضبط الإحصاء وتسجيل النازحين عبر قاعدة بيانات موحدة على صعيد لبنان.
2 ـ إعطاء كل نازح بطاقة عليها رقم خاص.
3 ـ إعطاء كل نازح دفتر فيه جدول لتسجيل المساعدات التي تسلم لكل نازح.
4 ـ فتح مكاتب على الحدود اللبنانية وفي سائر المناطق لاستقبال النازحين.
5 ـ تأمين بنايات وشقق وبيوت جاهزة للنازحين.
6 ـ توزيع حصص غذائية ومستلزمات نظافة شهرية.
7 ـ تأمين الفرش والبطانيات والثياب لكل نازح عند وصوله.
8 ـ اعتماد مستوصفات ومستشفيات ومراكز طبية للعلاج ليتوجه النازح إليها.
9 ـ اعتماد صيدليات لصرف الدواء للنازح.
10ـ عقد دورات قرآنية وشرعية لتعليم النازحين أمور دينهم.
11 ـ عقد دورات في الدعم النفسي لتحسين المستوى النفسي لدى النازحين.
12ـ تأمين فرص عمل لمن يتقن مهنة من هؤلاء النازحين حتى لا يبقى عالة على أحد.
13 ـ أن تسمح الدولة باستقبال الهبات والمساعدات الخارجية دون قيود.
14 ـ إعطاء النازح مصروف شهري لشراء الاحتياجات الخاصة.
ختاماً نشكر الشيخ زيد بكار زكريا على هذا الحوار مثمنين الجهود التي تقوم بها المؤسسات والهيئات الإغاثية الخاصة والرسمية لمساعدة إخواننا النازحين وإن كانت لا ترقى إلى المستوى المطلوب الذي أشار إليه الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الشريف: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" لافتين النظر إلى أن مأساة إخواننا اللاجئين السوريين تمثّل اختباراً حقيقياً لنخوة كل واحد منا لذا لا بدّ من وقفة جادة نتعلم فيها روح التعاون والمواساة والتكافل متأسين بالأنصار الذين شرعوا أبوابهم وبذلوا كل ما يملكون لاحتضان إخوة لهم في الدين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة