الزواج قسمة ونصيب
وهكذا تمضي الأيام بنا سراعاً لتأخذ معها صدى رنين جرس المدرسة.. فتترك بقايا ضحكات من أيام الطفولة عالقة في جدار القلب ترده إلى صوابه كلما اشتدَّ عليه الدهر...
ثم تستعجل بنا ثانية لتنقلنا إلى حرم الجامعة، فما نلبث أن نبدأ بالحلم ونحن مفعمون بالأمل ومثقلون بالمبادئ والقضايا التي نتبناها كشباب واعٍ ومثقف.... وتنتهي فترة الجامعة لتلفظنا في الحياة كحملٍ ثقيلٍ وعدد زائد...
نُشرِّق ونُغرِّب.. نسعى ونجتهد، وربما نترجَّى أحدَهم للحصول على فرصة عمل، أو تدريب في سوق العمل، ولكن... للأسف...!
تجتمع نساء الحي زائرات أو بالأحرى واعظات تقول إحداهن: (يا بنتي الوحدة مالا غير زوجها وولادها). وتهمس في أذني أخرى: (بكرا لتعلقي شهادتك بالمطبخ). وأنا أنظر إليهن ولسان حالي يقول: ماذا فعلت لهن!!
ومن هنا نبدأ..
الخُطَّاب كُثر ومن كل الأشكال والألوان، وكالعادة نستقبل الخاطب وأهله؛ فتبدأ الأم باستعراض مواصفات ابنها الخارقة؛ التي ربما هو لا يعرفها عن نفسه، أنظر بطرْف خفيٍّ إلى الشاب المسكين الذي ربما كان مثلي قد أُرغم على المجيء لأقرأ بين قسماته العجز والتِّيه...
ربما يحدث ويحدث كثيراً أن تنجح تلك الصفقة وتتوج أجمل قصة حب وزواج وبناء عائلة نموذجية..
ولكن في الغالب الأعم ما يحدث هو أن تخسر تلك الصفقة، لا شيء يذكر؛ فقط لشكلها أو مستوى جمالها....
تقول لي أخرى وقد مضى على زواجها عدة سنوات وكل ما في حياتها ينمُّ بالسعادة والهناء: (لا تتزوجي إلا عن حُب).
أبتسم وتشعُّ عيناي لبريق تلك الكلمة.. نعم هذا ما أريد (الحُب).
وُفِّقتُ بعملٍ في شركة لا بأس بها؛ شباب وشابات في مقتبل العمر، جوٌّ منفتح وعلاقات كثيرة غير متناهية..
أسأل إحدى زميلاتي: ما الذي يربطك بفلان؟ فتقول وفرحة عامرة تغمرها وكأنها فازت بجائزة نوبل: (منحب بعض كتييير).
تعتليني دهشة واستغراب وأشعر بدوار في معدتي وثقل في لساني...
يا الله، كيف لعلاقة مفتوحة وأحاديث كثيرة ولعب وهزل وسهرات وملاطفات ومغازلات أن تتم دون عقد أو خطبة!!
أهذا ما يسمى بالحب الذي نحيى للبحث عنه؟!!
أإذا أردتُ أن أتزوج عن حبٍّ تحررت من مبادئي وأخلاقي وعقائدي الدينية!!... وجعلت من قلبي الغالي شريعة ماء يسقي كل مارٍّ ليتركني وراءه أعالج الجفاف والعطش!!
أذلك هو الحب المنشود؟؟ علاقة تجريبية غير محددة الملامح، مضيعة للوقت وفساد للأخلاق!
كلُّ ما نسعى إليه نحن بنات المجتمع العربي؛ الوعي الكافي في قضايا الخطبة والزواج، هو حلٌّ وسط بدون عرض للفتاة على أنها سلعة فتهرق كرامتها ويقلل من شأنها، وبدون أن تقع فريسة حبٍّ مزيف يعلقها بحبائل الأوهام ويسفك حياءها ويطفئ بريق قلبها.
إنه الزواج قسمة ونصيب إن توسطت...
والحب بحث وتنقيب إن تعففت وصدقت..
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن