الإسلام والذوبان في الغرب
انهارت قيم الغرب عندما ذرف الدموع على مجزرة شارلي إبيدو وتفجيرات لندن، دون أن يحرك ساكنا لشعب حلب الذي اختلط خبزه بدمائه، ويفاضل بين الموت في قعر بيته والموت في الطرقات حيث لا مهرب من قصف الطائرات الروسية والسورية، ولا يعرف طعم الفرحة والنصر إلا عند انتشال طفل من تحت الأنقاض حيا.
الذين أرادوا لنا الذوبان في الغرب، ودفعوا بالمجتمعات الإسلامية والعربية نحو هاوية التغريب، فشلوا طوال عقود في تقديم شيء إلى هذه الأمة سوى المهاترات والتنظير والتصنيف، دون بذل أي حلول عملية لانتشال الأمة من واقعها المر.
تبيّن فشل هذا الاتجاه بعدما أغرق المجتمعات في التقليد الأعمى والتبعية، والسبب كما بين المفكر الإسلامي أنور الجندي رحمه الله: "لم يكن أسلوبهم هو أسلوب البناء على الأساس الصحيح، مع الانتفاع بخيرات الآخرين وتجاربهم، ولكن كانت تبعيتهم قد حالت دون تبيُّنِ أي وجه للمنابع الأصيلة الأولى التي هي مصدر وجودهم وكيانهم، ومن هنا فقد قاسوا الأمور بمقاييس وافدة حجبت عنهم الرؤية الحقيقية وجوهر الأشياء والطريق الأصيل".
الفكر الإسلامي يواجه اليوم معركة شرسة لتحرير العقل العربي والإسلامي من استعباد الثقافة الغربية، وإقرار حق مراجعة القيم الغربية وفق ثقافتنا الإسلامية وقواعدها، تلك القواعد الثابتة التي لازمت الانفتاح على الحضارات الأخرى على مر العصور، فحافظت على هويتنا.
ما تعانيه أمتنا من تخلف لا يبرر الهرولة وراء الغرب، فتخلُّفنا عن ركب الأمم لم يكن بترك استنساخ تجاربهم وقِيمهم، وإنما أوتينا من النأي عن تعاليم الإسلام في نسخته الأولى أيام الرعيل الأول، والذي يؤكد على مهمة الاستخلاف، والأخذ بأسباب القوة والحضارة.
هذا الواقع المر من التخلف والتراجع لا يعني أننا نفقد الأدوات والمقومات، فهي عناصر ثابتة في مكون الحضارة الإسلامية، تستمد بقاءها من المنهج الرباني، وفي أي زمان ومكان، تعاطى فيه المسلمون مع تلك المقومات، سلكوا بقوة درب النهوض والتقدم.
ونختم بتلك المقولة الجامعة لأنور الجندي، والتي تؤكد على هذا المعنى، إذ يقول: "فكْرُنا الجديد والمتجدد إنما يستمد نُمُوَّه من جذوره، وهو في نفس الوقت مفتوح على الفكر العالمي والبشري".
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة