* ماجستير دراسات إسلامية من كلية الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى- بيروت
* مدير دار الفاروق للحفظ والتلاوة.
*إمام وخطيب مسجد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه - صيدا - عين الحلوة.
تتوالى القرون والأجيال، وتستمرُّ مسيرة الإسلام في المسير إلى الأمام، رغم صنوف الابتلاء والإيذاء، ويكشف لنا القرآن الكريم هذه الحقيقة كي نستعدَّ لها، فيقول جلَّ جلاله: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} .
وها هي الأمَّة اليوم _ كما أسلافها من قبل _ تتعرَّض للأذى والعدوان من أعداء الإسلام؛ الذين يعتدون على مقدَّرات الأمَّة بالتَّدمير والنَّهب، وعلى أبناء الأمَّة بالتقتيل والتشريد، وعلى دِين الأمَّة ورموزها بالتَّشويه والطعن، وعلى مقدَّساتها بالإهانة والتدنيس.
أمام هذه الهجمة الجديدة علينا أن لانستسلم، بل علينا أن نقاومها بالصبر والثبات على الحق، واللجوء إلى الأحَد الصّمد: { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. وبالتقوى ؛ فهي أقوى العدّة على العدو، وخير الزاد ليوم المعَاد، والحذر من المعاصي؛ فهي أخطر علينا من عدوِّنا الذي لن نغلبه بالعدد والعدة فقط؛ إنما بهذا الدِّين: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَالله مَعَ الصَّابِرِينَ} .
وبالوحدة والجهاد، لقوله تعالى: {إِنَّ الله يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} .
ومع تعدُّد ميادين المواجهة مع الطغاة والمعتدين _ من بلاد الرافدَيْن إلى بلاد الشام _ تبقى انتفاضة أرض الرباط في فلسطين وبيت المقدس بالذَّات محافظةً على توهجها، رغم مرور حوالي 69 عاماً من النكبة، ما زالت الانتفاضة مستمرَّة ومتجدِّدة. ورغم المؤامرات الكبرى لتصفية القضية الفلسطينية ما زالت هذه القضية في صدارة قضايا المنطقة والعالَم، بل هي محور الصراع الإقليمي والدولي، كما دلَّت على ذلك ثورات التحرّر العربية، التي كان من أهم أسبابها تقاعس الأنظمة الحاكمة عن مواجهة الصلف الصهيوني ضد إخوانهم في القدس وغزة والضفّة.
والمتابع للأحداث العالمية والتي كان آخرها الانتخابات الأمريكية وفوز ترامب، ومحاولاته نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وصلوات الحاخام مائير هاير عقب خطاب ترامب الذي جدَّد مقولة أسياده: "شُلَّت يميني إن نسيتُكِ يا أورشليم" يدرك أنَّ الصراع حول القدس وفلسطين في تصاعد.
واليوم يخوض أهلنا في داخل الأرض المحتلَّة معركة وجود للحفاظ على أرضهم ومقدَّساتهم، وهم لا يبخلون بالتضحيات الجِسام لمنع العدو الصهيوني من تحقيق أهدافه، ويُبرهنون كلَّ لحظة أنهم شعب عزيز لا يركع إلا لله، وصابر لا يبالي بالآلام، ومبدع في كل المجالات، وأنه جُزء من أمَّته العربية والإسلامية لا يرضى بالتهويد أو التهميش أو الذوبان، وأنه يستحق أن يكون له وطن حرٌّ خالٍ من الاحتلال الصهيوني؛ شعاره: "الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، وفلسطين بلدنا، والقدس لنا لنا لنا"!!
في الأمس القريب شهد العالم ذلك الفارس البطل فادي قنبر ابن جبل المكبر _ حيث وقف الفاروق عمر عند فتح القدس _ يدوس بشاحنته جنود وضباط لواء النخبة (جولاني)، مُعلناً أنَّ سلاح الإيمان والاستشهاد يَقهر الجيش الذي لا يُقهر!! وأنَّ شباب فلسطين العُزَّل أقوى من الأنظمة المتخاذلة وترسانتها الصدئة وجيوشها الجبانة؛ إلَّا في مواجهة شعوبها وإبادة الأحرار في أوطانها.
أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامة
فتخاء تنفر من صفير الصافر
كما برهن فادي _ وهو اسم على مسمى _ أنَّ فلسطين أغلى من أرواحنا وأهلنا وأموالنا، وأننا للقدس فداء، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.
وعلى نفس الطريق يمضي آلاف الشهداء والمجاهدين وليس آخرهم شهيد القلم والبندقية البطل باسل الأعرج من بيت لحم مهد سيدنا عيسى بن مريم عليهما السلام ، والقائد القسامي مازن الفقها الذي دوَّخ الاحتلال.
ومن قريب كان هناك إضراب وحِداد في فلسطين المحتلة عام (1948م)؛ لأنَّ الصهاينة هدموا قرية أم الحيران في النّقب الطاهر، هدموها كلها حجراً حجراً، وزعموا أنَّها أُقيمت بطريقة غير شرعية، وأقاموا عليها مستوطنة حيران.
كيف يصبح المواطن العربي الفلسطيني صاحب الأرض العربية الفلسطينية منذ فجر التاريخ غير شرعي، أمَّا المستوطنون الذين جاؤوا بالأمس القريب من الآفاق شرعيين!!
إنَّ الذي زيَّفوه كـــــــلَّه كَـــــــذِبُ
ما لليهود بدار أهلــــــــــها عرب
هذي فلسطينُ دارُ العُرْبِ ما بَقيتْ
ما فارقوا أرضَها يوماً ولا ذهبُوا
هم عائدون فَزُولوا عن أماكنهِـــمْ
فالأرضُ مِن تحتِكم تَغلي وتَضطربُ
نتنياهو يتبجَّح بأنه هدم ألف منزل عام 2016م، ويهدِّد بتوسيع رقعة الهدم؛ رغم أن المجتمع الدولي قد نسف المزاعم المؤسسة للكيان الصهيوني، فأعلن في مؤتمر باريس مؤخَّراً: أنه لا شرعية للاستيطان. كما أعلنت وكالة اليونيسكو الأممية _ بعد تحقيقات علمية وقانونية _ بأنَّ المسجد الأقصى المبارك هو للمسلمين وحدهم، وليس لليهود أيّ حق فيه.
وعُربان يرقصون مع الحاخامات في أعيادهم، والفلسطينيون منقسمون بين الضفة وغزة، وفي عاصمة الشتات (مخيم عين الحلوة) يستمر العبث الأمني؛ كي ننسى حقَّنا في جهاد المحتل والعودة لأرضنا.
ألسنا امتداداً لأهلنا في فلسطين، الصامدين خلف الشريط المحتل، في صفد وعكا وحيفا ويافا والناصرة والنقب والقدس؟؟ كم تبعد عنَّا فلسطين؟؟.. 167 كلم فقط، يعني حوالي ساعتين، لذلك يحرص اليهود أن يُبعدونا عنها، ويُشغلونا ببعضنا كي لا نفكر بالمقاومة والعودة، ولكننا سنبقى نردِّد: لا عودة عن حقِّ العودة، لا حياد عن الجهاد.
ونهتف مع أهلنا في فلسطين؛ صيحة شيخ الأقصى رائد صلاح: باقون ما بقي الزعتر والزيتون.
وكلنا ثقة بوعد الله القائل لنا:{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ الله عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا الله} .
وختاماً : هاهو رجب الخير يحل علينا حاملاً معه ذكرى الإسراء والمعراج الباهرة، التي أكدت على ارتباط الإسلام بفلسطين، والمسجد الحرام بالمسجد الأقصى، والأرض بالسماء، و موكب الرسل بخاتم الأنبياء..
فلا تلومونا على هذا الحب لفلسطين والأقصى، ولا تعجبوا من تضحيات أهلنا هناك، فمن دمائهم ستشرق شمس الحرية والانتصار _ بإذن الله _ .
يا قدسُ هذا زمانُ الليلِ فاصطبري
فالصّبحُ مِن رَحِمِ الظلماءِ مَسراهُ
يا قدسُ لا تَقْنََطي فالحقُّ منتصرٌ
وصاحبُ الحقِّ منصور ليس يرده الله
ما دامَ في القلبِ عهدٌ قد حفظناه
وفي اليمينِ كتابٌ ما تركناه ُ
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
* ماجستير دراسات إسلامية من كلية الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى- بيروت
* مدير دار الفاروق للحفظ والتلاوة.
*إمام وخطيب مسجد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه - صيدا - عين الحلوة.
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن