كاتبة سوريّة وإعلامية، في مصر، مشرفة على موقع (إنسان جديد)
في القمامة!!
الأمر ذاته يتكرر في كل مرة أدخل فيها مطعماً أو حفلاً يُقدَّم فيه الطعام، كل مرة أرى تصرفات ظاهرها الرقي والفخامة وحقيقتها التكلف والبطر والإساءة لنعم الله
تأتي إحداهن إلى المائدة المفتوحة فتضع من طبقها من كل أنواع الطعام سواء أكانت وحدها أو مع عائلتها ، وترجع لمكانها فتذوق من الطبق قطعتين أو ثلاثة، ويأكل أولادها بعض اللقيمات ، ويتركون الباقي ليكون مصيره إلى القمامة.
يأتي النادل ليضع أمامها الوجبة فتوافق، ثم تمسك شوكتها لتذوق من طرف الطبق لقمتين أو ثلاثة ثم تعبر عن شبعها أو عدم قدرتها على تناول الوجبة لأنها تقوم بنظام حمية (دايت)، فتترك الطبق بما فيه ليكون مصيره أيضاً إلى القمامة
أنظر إلى سلات القمامة التي يجرها عمال النظافة في المطاعم، فيكتوي قلبي لمنظر الطعام المرمي داخلها : (الوجبات فوق المقبلات فوق الفواكه فوق الحلويات)!!
قلت لإحداهنّ مرة أمام مائدة مفتوحة وقد وضع طفلها الصغير في طبقه كميات كبيرة: هذا كثير لا أعتقد أن ابنك سيأكل كل هذا، فأجابتني دون تردد: طالما أنني دفعت ثمن الوجبة فليضع في طبقه ما يشاء، هذا حقه
حقه أن يأكل حاجته، لا أن يكون السبب في رمي ضعف حاجته في القمامة!!
تذكرت عندها ما قالته لي صديقتي عن مطعم ياباني دخلته في كندا :
في هذا المطعم كل قطعة طعام تزيد في الطبق يدفع الزبون ثمنها الضعف بحسب نوعها، الأمر الذي يجعل الزبائن يرجعون أطباقهم فارغة تماماً ولا يشترون أصلا إلا بمقدار حاجتهم
كما تذكرت أيضاً ما أخبرتني به صديقة أخرى أنها في حفل زفاف ابنها وضعت على كل طاولة علبة كبيرة فارغة ، وكتبت عليها للمدعوات: رجاء قبل تناول طعام العشاء إن كانت الكمية كبيرة نرجو أن تضعي هنا الفائض عن حاجتك ، فسنقوم بتوجيهه للمحتاجين.
طرق كثيرة يمكن أن نضبط بها كيفية تناولنا للطعام في الدعوات ، بحيث نجمع بين تلبية الدعوة وبين الحفاظ على النعمة، وعدم التفريط بها، فالتفريط أمر مؤلم للغاية ، وخصوصاً في شهر كانت العبادة فيه الامتناع عن الطعام والشراب لوقت محدد، فإذا بنا نتعامل مع هذه العبادة على أنها تجويع وتحفيز للأكل أكثر ، ولهدر نعمة الطعام أكثر,,,
فقد أشارت إحدى الدراسات الاقتصادية [1] إلى أن الاستهلاك في شهر رمضان في الدول العربية يزيد بنسبة 40% عن باقي شهور السنة، على الرغم من أن كمية كبيرة من الأطعمة التي يتم استهلاكها لا يُستفاد منها، وإنما توضع للعرض فقط، وأحياناً للتفاخر، ولكي تكون الموائد عامرة ليس أكثر.
كما تشير هذه الدراسات إلى ارتفاع معدل استهلاك المواطنين في العالم العربي للمواد الغذائية واللحوم والدواجن خلال هذا الشهر.. فعلى سبيل المثال يزيد معدل استهلاك الدواجن بنسبة 100%، واللحوم الحمراء بنسبة 50% رغم ارتفاع الأسعار..
كما تزيد نسبة معدلات الاستهلاك على منتجات السكر والدقيق والزيوت والسمن بنسبة تتراوح ما بين 40%-30%.
وتشير بعض الدراسات أيضاً أن 45% من الوجبات التي يتم إعدادها في رمضان في بعض الدول الإسلامية الغنية تذهب إلى صناديق القمامة.!!
فكيف يكون الحال هكذا وهناك ملايين الجائعين من أخوة وأشقاء لنا يكادون يملؤون الأرض شرقاً وغرباً ، ولا يملكون أبسط أساسيات الحياة، ولربما مات بعضهم أو كثيرٌ منهم جوعاً، وقد وجهنا عليه الصلاة والسلام لهذا الأمر بعبارة مباشرة فقال: (من كان عنده فضل زاد؛ فليعد به على من لا زاد له) رواه أبو داود
رمضان يستنهض فينا الهمم لنتمثل أمر الله تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31 ولنلتزم بالاقتصاد والعطاء ، فالعطاء كلمة السر للسعادة وقود سريع للارتقاء
(1) [1] مجلة الوقت العدد 219- الأربعاء 5 رمضان 1427 هـ – 27 سبتمبر 2006
المصدر : مجلة الوقت
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن