بكالوريُس كيمياء
دستور ربي
عتمة وظلمة تُظِلُّ دروبَنا، فتُخيف أنفسنا وأحلامنا، وتنحرُ أمانينا، وتقاعسُنا عن العمل، فهل من نور يُقذف في مصابيحَ _ خلقها اللهُ نوَّارة _ كي نبصر ونعرف السبيل، ونمضي في تحقيق المستحيل؟
وحدة ووحشة تنتعل مُهَجَنا؛ لتذبحَ فيها أجمل الصفات، وتقدِّمَها قرباناً للتخلف والرجعية، فتنسيَها بِرَّ الوالدين وحسن الجوار، وجميل التعارف بين الشعوب والقبائل، وسمو تبادل الأفكار والمهارات، لا عالم المظاهر الباهت _ عالم الموضة الزائف _ فهل من يد بيضاء مباركة تنجينا من بؤرة الكآبة والانهزام النفسي، والانكباب على التقليد الأعمى، دون أيِّ جهد أو إبداع، لنعيد لِذاتنا الكرامة الإنسانية، فنحظى بالحُبِّ والسلام وإعمار الأرض؟
همٌّ وغمٌّ, عجزٌ وكسلٌ، جبنٌ وبخلٌ، تعصبٌ وعنصريةٌ، وانحلال في الأعصاب، وحِدَّة في الأخلاق، كلها أوهام شيطانية حقَّقت ذاتها متربِّعة على عرش نفوسنا الضعيفة التي تعجز أن تطيق ذاتها وتتحكَّم بنفسها، فازددنا عطشاً وجفافاً وشحّاً، فهل من راوٍ يعيد النضرة والربيع لأنْفُسٍ خريفيَّة هرِمة؟
كيف لا ودستور ربي يُحقُّ الحق، ويُبطل الباطل، فيشرع لنا الحياة وينظِّمها؛ إنه القرآن الكريم.
في البداية علينا أن ندرك أنَّ سوء الوضع النفسي ما هو إلا وليد وهْنٍ وضعف إيمان، وجهل فادح في أمور الدِّين والعقيدة. لذا فإننا بحاجة ماسَّة إلى كتاب نقرأه أو نسمعه، فنستلهم منه الوصايا والأوامر والنواهي، فنمتثل لتنفيذها طوعاً، ونفقه ونأخذ العبرة من الأمثال التي ضربها الله للناس في القرآن، فنستخلص أنه:
-لا يستوي الأعمى والأصم، والسميع والبصير.
-لا يستوي الذين يعلمون، والذين لا يعلمون.
-لا يستوي الذين يعملون، والذين لا يعملون.
-لا يستوي الأحياء، والأموات.
وكيف لنا أن ننال رضى الله ونحن لا نحادثه ولا نرجوه، ولا تقشعرُّ جلودنا لمحكَم آياته؟! بالقرآن نتحدَّث مع الذَّات الإلهية، فنترفَّع عن الدَّنايا وحظوظ النَّفْس، وتزيد الحسنات فنكسب رضى الله ومحبته، وكيف لعبد أحبَّه سيده أن يشقيَه أو يعذِّبه؟ لا.. بل إن ابتلاه بأمرٍ؛ فهو ليطهِّرَه ويجزيَه بصبره ورضاه الجنة، وكفى بها جزاءً موفوراً، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا قال: ((مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. لَا أَقُولُ: (الم) حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلاَمٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ)) أخرجه الترمذي. وقد قال الله تعالى فيه: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله)، وقال أيضاً: (ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق). هو الشفاء؛ إذ قال تعالى: (وَنُنَزِّل مِنْ الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة لِلْمُؤْمِنِينَ).
هو حافظ لألسنتنا من الغيبة والنميمة، إذ إنَّه مَن يتلفَّظ بآياته الكريمة الجليلة ويُوقن معانيها، تَأْبَ نفسُه أن تعصي مولاها الذي أكرمها بكتاب يزيل عنها غبار التعب والشقاء، بل تنشغل في ترتيله وحفظه وتعلُّمه وتعليمه.
هو يُحيي القلوب، فلا يجعلها تنزف عشقاً وغراماً حراماً لأشخاص ربما خانوه في لمحة نظر، وكم من هؤلاء الأشخاص قد أفسدوا على عائلات _ تنعم بالاستقرار والأمان بحسن العلاقة الزوجية وحسن المعاملة مع الأولاد _ أمرَها فشتَّتوها، بل عشقاً لجنة عرضها السماوات والأرض أُعدَّت للمتقين، وفيها ما تشتهيه الأنفُس وتلذُّ الأعين، ولا مرض فيها ولا موت.
هو شفيع لنا يوم لا تنفع الشفاعة؛ إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعاً لِأَصْحَابِهِ)).
هو مسكن للنَّفْس لِتموج في أبواب الخير والنفع العام، لا لتعبث في المقاهي أمام النراجيل وفي مشاهدة الأفلام الساقطة، فيحاربون الله وينتهكون حرماته، هو يُذكِّر بالله كي يُجمِّل الحياة بأعيننا، بعكس ما يفهمه الآخرون أنه قاطع للملذَّات بل هو مهذِّب لها، وعندما يذكِّرنا بالموت فما هو إلا محفِّز قويٌّ للعمل الدؤوب وحُسن المعاملة وتحقيق النجاحات لتعمَّ الفائدة على الأُمَّة كلها.
وما أحوجنا في مثل هذه الأيام العصيبة الكئيبة إلى قراءة القرآن وتدبُّر آياته، واحترام معلميه وتقديرهم، إذ إنَّ أهل القرآن هُم أهل الله وخاصته. وأحسبها على سبيل التجربة والتذكير بموعظة الله _ لننعم بأمر الله تعالى ونجد النتيجة الرائعة _ أن نبدأ يومنا بقراءة صفحات من كتابه عزَّ وجلَّ ونختمه بذلك، فو الله سنشعر برضى وأُنس واستقرار نفسيٍّ ما بعده عسر بإذن الله.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة