معنّفٌ أنا
تُعتبر المدرسة إحدى المؤسسات التي يوكِل إليها المجتمع مسؤوليَّة تحويل أهدافه وفق معايير تربويَّة إلى عادات سلوكيَّة؛ تؤمِّن النمو المتكامل والسَّليم للتلاميذ وإعدادهم للمستقبل. ومن خلال المدرسة أيضاً يتشكَّل وعي الطِّفل ويكتسب المهارات والقدرات المتعدِّدة. من هنا يلاحَظ الدَّور المهم والأساسي للمدرسة في التأثير على حياة الطفل، وذلك من خلال الإجراءات والخطوات العديدة التي يتمّ اعتمادها داخل حرم هذه المؤسسات التربويَّة.
إنَّ للمدرسة دَوراً فعَّالاً في حماية الطفل من العنف، إلَّا أننا وللأسف نلحظ الكثير من البيئات التَّعليميَّة لا تكترث لحماية هؤلاء الأطفال؛ بل تعرِّضهم للعنف، وأيّ عنف هذا! إنَّه أبشع أنواع العنف الذي يمكن أن يؤذي طفلاً ما زال في مستهلِّ عطائه وأوج ابتكاراته؛ التي قد تُذهل شعوباً، وتنهض بأمم، وتغيِّر مسار مجتمعات.
إنَّ العنف هو نقيضٌ للتَّربية، فهو يعمل على تهميش الآخر ليحدَّ من قيمته الإنسانيَّة، وبالتالي يزيده شعوراً بعدم الثِّقة. ويأخد العنف المدرسي أشكالاً متعدِّدة ويظهر بشتَّى الطُّرق، كالضَّرب الذي يُعتبر من أبشع وأقسى أنواع العنف ضد الطفل. فقد ميَّز الله الإنسان عن الحيوان برَهافة ورِقَّة أحاسيسه، ومنحه عقلاً ليحلل ويفكِّر ويغيِّر. فمتى تساوى الإنسان بالحيوان، ولم يراعِ جسده وأحاسيسه؛ فقدَ صفة الإنسانيَّة، وولَّت قيمته، وتدهورت صورته القويَّة.
ومن أنواع العنف التي يتعرض لها الطفل في المدرسة أيضاً العنف الكلامي والتحقير؛ الذي يقلِّص لدى الطَّالب الثِّقة بالنفْس، ويحمله على المزيد من العنف وقلَّة الاكتراث للكلام.
ولا يخفى أيضاً التخويف والتهديد الذي يتعرض له الطلاب في المدارس، وهو من أخطر أنواع التعنيف التي تُمارَس بحقهم، فتسبِّب لهم عُقَداً نفسيَّة، وتُعيق تقدُّمَهم وتحصيلهم العلمي.
ورغم أن العديد من الدُّول قد حظَّرت العنف ضد الأطفال في المدارس؛ إلَّا أنَّ الكثيرين لا يلتزمون بالقوانين التي ترعى الطفل، وتسعى إلى حمايته من العنف. إنَّ ممارسة العنف في المدارس يعيق قابليَّة المدرسة لتحقيق أهدافها وغاياتها في بيئة سليمة آمنة. ولا تقتصر مظاهر العنف المدرسي على ما سبق ذكره فقط؛ بل إنما يشمل حتى ظاهرة الأبنية غير الملائمة والملاعب والصُّفوف والوسائل التعليميّة والتحديات المدرسيَّة وأوزان الحقيبة المدرسيَّة وغيرها من الوسائل التي تحول دون تطور وتقدم الطفل.
لقد أصبحنا في زمن يتربَّص العنف بمعظم معالم الحياة ليتحوَّل فعله إلى أمر طبيعي، فينتقل هذا الفعل ليمارَس بحقِّ الطِّفل، ويصل إلى صروح تعليمية مؤتمَنة على تنمية شخصيَّة التَِّلميذ النَّفسيَّة كما الفكريَّة؛ حيث يكرَّس كمفهوم تربوي، وهذا أمر خارج عن القوانين والأعراف.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة