شجار الأولاد
العالم قاسٍ ومخيف بالنسبة لك، تفكر في اليوم مائة مرة كيف سيمكنك حماية طفلك، هل فعلًا سيمكنك تغيير العالم ليصبح مكانًا أفضل له؟
لكنك عاجلًا أو آجلاً ستكتشف عدم استطاعتك تغيير العالم كله من أجل طفلك، لكن باستطاعتك تربية طفلك كي يقف في وجه أذى هذا العالم.
البدايات الجديدة
في بداية السنة الدراسية، وكعادة أي فصل جديد، يحاول الأطفال المختلفون الاندماج معًا وعقد صداقات مع أقرانهم، ستجد طفلًا أو أكثر قد يخفق في الاندماج مع الآخرين، وبدلًا من التعرف على زملائه بطريقة محببة يبدأ في ضربهم أو دفعهم أو أي من أشكال العنف تجاههم، لأسباب نفسية كثيرة حديثنا ليس عنها اليوم، لكن عن الطرف الآخر، الواقع عليه العنف، كيف يتصرف الطفل الذي يُضْرَبُ؟ ولنفترض افتراضًا أكثر سوءًا:
كيف يتصرف الطفل الذي يتعرض لاعتداء من أحد أقرانه أو من الأكبر سنًا منه؟
اتصلت بي والدة أحد الأطفال لتخبرني أن طفلها يشتكي من عنف أحد زملائه ضده، لذلك فقد نصحته بــ(اضربه زي ما ضربك)، عدا البنات، حيث لا يجوز له أن يضرب بنتًا!
أحد الأصدقاء كان يحادثني عن ولده ذي السنوات الثلاث، وشكواه أنه يضرب الأطفال أثناء تعامله معهم، وأنه حين وُبِّخَ أصبح على العكس، يتقبل الضرب بصمت، ووسط خوفٍ من الأب والأم أصبحا يخبرانه أن يرد الضرب بالضرب كي لا يكون ضعيفًا.
قامت زميلتي بشد طفلها من ملابسه مجبرةً إياه على أن يضرب صديقه حين جاءها مشتكيًا من الضرب الواقع عليه.
(اضربه زي ما ضربك)
ثقافة (اضربه مثلما ضربك) من أكثر الثقافات المخيفة والمؤذية للطفل، فأنت أولًا تسمح له بالعنف وتستحسنه كخيار أول، فيشعر طفلك أن هذا فعل مرحب به ومبارك من الراشدين، فهل تتخيل كيف يكون الحال عندما يلجأ طفلك لهذا الخيار في حل كل مشاكله في حياته كلها؟
هذا أصلًا على افتراض أن طفلك استطاع تنفيذ نصيحتك! أعني أنك تفترض أن طفلك قادرٌ على ضرب المعتدي، ماذا لو أن المعتدي طفل أكبر أو أقوى؟ لن يستطيع طفلك ضربه، وماذا لو كان طفلك ضعيفًا بدنيًا؟
قد تعتقد أنك بترسيخك لمبدأ (اضرب من يضربك) تحمي طفلك من الضعف، بينما الواقع أنك لم تقدم له استراتيجية حقيقية لتحقيق وجوده، فأصبح الحمل عليه أثقل، والمطلوب منه أصعب، فالاستراتيجية الوحيدة التي ينصحه بها الكبار رد الاعتداء باعتداء مماثل، فماذا لو لم يستطع الرد؟ هو الآن (ضعيف) لأنه وقع تحت اعتداء ولم يستطع الرد، فهو (فاشل) بمعنى آخر، وأنت بنجاح تُدمر حياته منذ البدايات، وتُنشئ طفلًا مُعقدًا نفسيًا.
فما هو التصرف الصحيح لحماية طفلي وتنشئته قويًا في وجه الاعتداءات عليه؟
1. لا تربه كضحية
الطفل الضحية المعرض للاعتداء هو طفل غير واثق، متردد، صوته منخفض، باختصار هو طفلٌ مُرَوَّضٌ (يسمع الكلام) فقط.
فإذا كانت طريقة تربيتك لطفلك تعتمد على الثواب الفوري بالحلوى مثلًا، أو بالعقاب البدني/ التهديد، وإذا استطعت أن تكسّر برّية طفلك، وأصبحت لا تسمع منه كلمة (لأ)، يؤسفني أن أخبرك أنك قد ألغيت عقله، ربيته ضحية، سيكون سهلًا تعويضه ببعض الحلوى بعد تعرضه للاعتداء، وسيكون فريسة ذاعنة أمام التهديدات والضرب.
الطفل الواثق ذو الصوت العالي والتعبير الواثق عن نفسه، الذي لديه مساحة حرية ونقاش في المنزل، هو طفل يمتلك أموره، وهذه النوعية مخيفة للمُعتدين، لا أحد يريد أن يتورط مع طفل مثل هذا.
2. الاندماج ضمن مجموعة
المعتدي يعتمد على شعور الضحية أنه وحيد ودون دعم، وجود طفلك ضمن مجموعة أصدقاء قوية يعتمد عليهم يحميه من الاعتداء، لذلك كي توفر الحماية لطفلك عليك أولا ترسيخ قيم التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، وتدريبه على تكوين صداقات واسعة، وثانيًا عليه أن يعرف أنك تدعمه ولا تخيفه.
عدد كبير من الأطفال قد يمتنع عن ذكر الاعتداء الواقع عليه خوفًا من رد فعل الراشدين؛ لظنه أنه ارتكب خطأ ما سيعاقب عليه.
3. اخلق وعي طفلك
حتى يعرف طفلك كيف يدافع عن نفسه عليه أن يعرف كيف يتعرف على الاعتداء. إذا كنت تربي طفلك عن طريق العقاب البدني فكيف سيتشكل وعي الطفل حول الإيذاء البدني؟ إذا كنت تسمح بإجبار طفلك على التلامس والقبلات رغم إرادته فكيف سيعرف أن ما يفعله المعتدي هو اعتداء جنسي؟
حتى تربي طفلًا قويًا عليك أن تشكل وعيه حول حقوقه، وحقوق جسده، وما يحق للناس لمسه، وما لا يحق لهم، وكيف من حقه أن يعترض على أي تصرف لأنه لم يشعر براحة معه.
4. أعد تعريف (نقل الكلام/الفتنة)
في إطار تربية الطفل السلوكية يُخْبَرُ أن نقل الكلام فعلٌ مشين، لا يجوز.. في بعض الأوقات قد يختلط الأمر على طفلك، ويظن أنه حين يخبر المعلم عن الطفل الأكبر الذي اعتاد ضربه، أو حين يخبر الوالدين عن الشخص الذي اعتدى عليه، فإن ذلك من ضمن نقل الكلام غير المرغوب فيه، لذلك عليك أن تعيد تعريف نقل الكلام، وأن يفهم طفلك أن طلب المساعدة -حين تعجز عنها- من الكبار مهم وضروري.
5. الرد بشكل حازم
يحتاج طفلك أن يتعلم كيف يرد بشكل حازم على ما لا يحب أن يفعله، حين يجبره أحدهم على ممارسة (لعبة) لا يحبها عليه أن يتعلم كيف يرفض ذلك بشكل قاطع، كيف يقف في وجه الآخرين ويخبرهم (لأ) بشكل واضح.
6. استخدام لغة بسيطة غير عاطفية
على طفلك تعلم الرد على المعتدي بلغة بسيطة حازمة -كما ذكرنا- وغير عاطفية، لا يشوبها الخوف ولا التردد، الثقة التي يتحدث بها طفلك هي ما ستضمن خوف المعتدي وتراجعه، كي لا يتسبب بمشاكل مع طفل واثق من نفسه مثل طفلك.
7. استخدام لغة الجسد
أن يحافظ على اتصاله البصري بينه وبين المعتدي، وأن يحافظ على نبرة صوت هادئة، وأن يقترب مسافة كافية من المعتدي دليلا على عدم الخوف، وعلم طفلك أن الأسلوب العاطفي غير اللفظي، مثل النظر بعيدًا، رفع الصوت، تقلص الظهر، قد يعطي المعتدي رسائل بأنه ضحية يسهل الاعتداء عليها.
8. مراقبة منفذ الخروج
بعض الأطفال قد يركز على الهرب من الاعتداء دون حسابات جيدة، علم طفلك كيف ينظر بعينيه قبل الركض حول أقرب (باب/مخرج/ راشد) يستطيع الهرب منه/ إليه.
ماذا لو وقع الاعتداء فعلًا رغم ما سبق؟
1. الصراخ بحزم وقوة شديدين في وجه المعتدي، ودع طفلك يقترب من وجه المعتدي أثناء هذا، مما سيلفت الانتباه من حوله، ومما سيمثل تحذيرًا قويًّا للمعتدي أن طفلك لن يصمت على محاولة الاعتداء، وأن على المعتدي التفكير في عواقب هذا، فطفلك ليس ضعيفًا ولا خانعًا، ولن يصمت، في معظم حالات الاعتداءات الطفولية يخاف المعتدي من لفت الأنظار ووصول الأمر للكبار، وثانيا يبدأ في حساب العواقب، ويقصر الشر.
2. إذا لم يبتعد بالصوت، وتطاول المعتدي على طفلك بضربه، فعلى طفلك رد الاعتداء بشكل هادئ مُسيطر، كأن يدفع المعتدي بيديه في كتفيه بقوة كبيرة، مما قد يوقع المعتدي، وسيمثل موقف (المعتدي على الأرض/طفلك واقفًا) تنبيهًا كافيًا لموازين القوى الجديدة، مما سيجبر المعتدي على الانصراف دون استكمال اعتدائه، ودون أن يكون طفلك قد دخل في تشابك بالأيدي فعلًا.
3. إذا لم يرتدع بالدفع والسقوط، وبدأ في الاشتباك بالأيدي مع طفلك، هنا على الطفل أن يتعلم كيف يدافع عن نفسه بقوة وحسم ودون تردد (الدفاع عن النفس وليس الاعتداء على الآخرين)، وتعليمه يكون بالتدريبات الرياضية وإشراكه في ألعاب القوى، وهي أساسية لصحة طفلك الجسدية، ولإكسابه القوة بما يكفي للدفاع عن نفسه ولتنفيث الطاقات… إلخ.
هذه الخطوات لازمة وثابتة، كان المعتدي ضعيفًا أو قويًا، كان أكبر من طفلك أو أصغر منه.. لا يجب على طفلك تجنب البدء بالاشتباك بالأيدي لأن من أمامه أضعف منه، بل عليه تعلم تجنب العراك أولًا، بالخطوات المذكورة هنا، ومن ثم يتدرج فعله وفقًا لتدرج اعتداء الآخر عليه.
الطفل القوي الواثق يستطيع بسهولة الدفاع عن نفسه، والتدخل برد الضرب أيضًا حين الحاجة، لذلك أثناء تربيتك عليك أن تثق أن بين يديك تربية طفل خانع/ ضحية محتملة، أو طفل قوي واثق عنيد غير مروّض ويصعب الاعتداء عليه.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة