الدول تكبر وتصغر بمن يحكمها وليس بحجمها
من أهم إفرازات الأزمة الخليجية أنها أثبتت حقيقة أن حجم الدول يقاس بمن يحكمها وليس بمساحاتها أوعدد سكانها، فالأزمة الخليجية الحالية وكل تداعياتها اليومية أثبتت أن كلا من السعودية ومصر والامارات التي كان ينظر لها علي أنها دول كبرى وفاعلة في العالم العربي وأن كلا من مصر والسعودية تقودان العالم العربي بالثقل السكاني والمكانة الجغرافية والمرجعية الدينية وموقع الحرمين الشريفين لكن هذه الدول أصبحت بمن يحكمها من أصغر دول العالم قدرا وقيمة.
ولأن الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان يتعامل مع رئيس الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي من البداية باحتقار وتجاهل، فقد توجه في خطابه أكثر من مرة إلى خادم الحرمين أن تكون تصرفاته على قدر لقبه والدولة التي يحكمها لكن التصرفات كانت ولازالت تصغر كل يوم وقد ذهبت نداءات أردوغان وغيره أدراج الرياح وكان التصرف الصبياني للسيسي وقد جمعهم على ظهر سيارة يستعرض بهم القاعدة العسكرية التي أنشأها علي حدود ليبيا بدلا من إنشائها على حدود فلسطين حتى يحررها من اليهود، كان هذا المشهد مخزيا إلى حد بعيد تماما مثل الذين يرقصون بالسيوف التي صنعت للقتال.
فالحاكم هو الذي يستطيع بعقله وحكمته وحسن سريرته وانتمائه لوطنه وأمته ومشروعه في البناء والتعمير وليس في الحرب والتخريب من أن يجعل بلاده كبيرة أو صغيرة.
ولازلت أذكر في حواراتي التليفزيونية مع رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم حينما كنت أناقشه في الأدوار الكبيرة التي بدأت قطر تقوم بها بعد تولي الشيخ حمد بن خليفة الحكم في العام 1995 وأنها دولة صغيرة، فكان جوابه الدائم أن الدول ليست بكبرها أو صغرها وإنما بزعامتها وتأثيرها، وهكذا كانت قطر حينما امتلكت عناصر الزعامة والتأثير من البداية فاجتمع عليها كل من ناوأها واستخدموا كل الأدوات للنيل منها طيلة عشرين عاما ولما عجزوا قرروا أن يتصرفوا تصرفات الصغار بعدما عجزوا أن يكونوا كبارا، لكن قطر استطاعت مرة أخرى أن تدهش العام بأسلوب معالجتها للأزمة وردودها على من ناوؤوها فلم ترد علي التصرفات الصبيانية إلا بسلوكيات الرجال، ولم ترد على سوء الأدب إلا بدروس في الأدب والاحترام، وتركت الصغائر والدسائس وركزت في القضايا الكبرى والحوار الهادئ الهادف، فاحترمها العالم كله بزعاماته ووسائل إعلامه ومفكريه، ويكفي أن يستعرض الإنسان كبريات الصحف ووسائل الاعلام العالمية وتصريحات كبار السياسيين ليعرف من الكبير ومن الصغير في هذه الأزمة، من الذين يصنع المجد ويسطر صفحات التاريخ، ومن يحرص على تكريس الهزيمة والبقاء في مستنقع التاريخ ومزبلته.
لقد امتلكت دول الحصار كل أدوات صناعة المجد وتسطير صفحات التاريخ ومقومات الريادة والسيادة من جغرافيا وتاريخ وشعوب ومال وسلطة لكنهم افتقدوا القيادة والزعامة الكبيرة فصارت أعمالهم أعمال الصغار وتصرفاتهم تصرفات الأطفال فسقطوا في مستنقع الخزي والعار.
المصدر : الوطن القطرية
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة