انتصار القدس
الكلام عن (الانتصار) في ظُلمة الهزائم والانهيارات والمصائب والّليل البهيم المخيّم على كل فضاءاتنا الثقافية والعسكرية والسياسية والاقتصادية في بلاد العرب والمسلمين: قد يبدو من قبيل لغة العنتريات أو إِبَر التخدير!!
ولكن إذا وَعَيْنا أنّ ما ينزل بنا وببلادنا هو بسبب ما اقترفَتْه أيدينا بحسب قانون الله الذي كشفته هذه الآية: {وما أصابكم من مُصيبة فبما كسَبَتْ أيديكم} وخاصة أيدي نُخَبنا _ ولا يُستثنى منهم العلماء المقصِّرون _ وأيدي حكّام بلادنا، وإذا وَعَيْنا أيضاً أن (الانتصار) الذي حققه أهل القدس بعد حصار الصهاينة للمسجد الأقصى يوم الجمعة في 21 تمّوز (هذا الصيف) وجريمة ارتكابهم وضع بوّابات إلكترونية على مداخله لتفتيش كل الداخلين إليه من المصلين وتركيب كاميرات مراقبة، ثم ما أبداه أولئك المقدسيون الشرفاء_ الأحرار حقاً والعمالقة صدقاً _ من استعداد للتضحيات من أجل مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم طيِّبةً بها نفوسُهم وهاطلةً بالدموع عيونُهم ثم توحُّدُهم التامّ وراء موقف قياداتهم في طلبها عدم دخول أيّ فلسطيني إلى المسجد حتى تُزيل السلطات المحتلة كل البوابات وترفع الكاميرات، وأنضباطُهم المذهل ورَكْلُهم التفلسفَ _ الذي وراءه غالباً الإعجاب بالرأي _والفُرقةَ والجدلَ العقيم: الأمراض الثلاثة التي فتكت ليس بجسد أمّتنا فحسب بل أيضاً بعقولها الإسلامية! فكان عامّة المقدسيّين المؤمنين الصادقين أوعى وأذكى وأصدق من كثير من النخب القيادية في ساحاتنا الإسلامية.
إن ما حقّقه أهل القدس بعد أسبوعين تماماً، (أي الجمعة 4 آب)، من تلك الإجراءات الاحتلالية الظالمة: بإرغام الحكومة الصهيونية على التراجع عن قراراتها التي اتخذتها في ساعة سُبات ونزاع وحروب وإجراءات شقاق تُفُسِّح بلاد العرب وتزرع البغضاء بين شعوبها: هو علامة شرف وعزّ فارقة في سياقنا الذليل المعاصر!
ثم الذي لا بد أن يُسجَّل تقديراً ومطالبة: هو التقدير لموقف (نصارى القدس) ومرجعياتهم الدينية المشرِّف في وحدة موقفهم مع المسلمين ورفضهم لحصار المسجد الأقصى مما يُعطي نموذجاً ودرساً لنصارى العالم فيما هو خيرٌ لهم... بدل استمرار كثير من حكوماتهم في الغرب في تدليع الكيان الصهيوني ودعمه ضمن شراكة هجينة لا يُفسّرها إلا الحقد على الإسلام وإرادة تدميره!
أما المطالبة فهي أن يأخذ علماء الأمّة دورهم الطبيعي في الوعي والقرار وتصدُّر التضحية كما رأينا من الشيخ د. عكرمة صبري ومن مفتي القدس الشيخ محمود حسين، خاصة مع تتالي خسارتنا لنخبة من علماء الأمّة وصالحيها الذين فُجعنا بوفاتهم رحمهم الله طيلة العقدين الماضيَيْن.
ولكَمْ تأثرتُ من كلمات سطَّرَتها يَراع (نورا الصفدي) زوجة الشهيد الفلسطيني باسل الصفدي عبقري البرمجيات وأحد روّاد الثورة على الظلم الذي أُعدم قبل أيام في السجون السورية على صفحتها بعد تبلُّغها خبر إعدام زوجها وتأكّد يقيني بقراءتي لها أن شُعلة أيقونة الفداء في أمّتنا لا تنطفئ، قالت: (تَغُصّ الكلمات في فمي وأنا أعلن..... تأكيدي لخبر صدور حكم إعدام بحق زوجي باسل وتنفيذه... نهاية تليق ببطلٍ مثله، شكراً لكم فبفضلكم كنتُ عروسَ الثورة وبفضلكم أصبحتُ أرملة.. يا خسارة سوريا، يا خسارة فلسطين، يا خسارتي)!
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة