الإسراف والتبذير في الأفراح والمناسبات.. الأسباب والعلاج
دعا الإسلام إلى التيسير في إقامة المناسبات و#الزواج على وجه الخصوص وحث عليه، ودلنا على أن التيسير سبب جالب للبركة والمودة التي تحافظ على أواصر العلاقة بين أفراد المجتمع قال -صلى الله وعليه وسلم- لرجل أراد أن يتزوج: "التمس ولو خاتماً من حديد" (متفق عليه)، لكن مظاهر #الإسراف والتبذير في الأفراح والأتراح باتت تغزو معظم المجتمعات العربية بشكل لافت وأصبحت معظم المناسبات في هذه الأيام يلحقها الكثير من الإسراف وسوء التدبير حيث يتعامل الناس بصورة مبالغ فيها من ناحية صرف الأموال على حسب المظاهر حتى لو كانوا فقراء.
ولقد ذم الله الإسراف في كثير من الآيات القرآنية، ونهى عن القيام بها، ومن ذلك قوله تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً} [الفرقان: 67]
كما قال عز وجل: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأنفال:31].
وتنتشر ظاهرة الإسراف في المناسبات العامة والخاصة في معظم المجتمعات العربية وقطاع غزة على وجه الخصوص بالرغم من الحصار الشديد وانتشار البطالة وارتفاع نسبة الفقر، ففي حفلات الزواج تتمثل هذه الظاهرة في النقوط للعروسين لأكثر من زواج في اليوم الواحد إلى جانب قصور وصالات الأفراح باهظة التكاليف مع العشاء أو الغداء الفاخر بكميات كبيرة، لا يأكل الناس منها إلا كميات قليلة، ثم يذهب معظم ذلك الطعام إلى صناديق القمامة، عدا عن إقامة الحفلات الغنائية والموسيقية الباذخة التي تتباهي بها بعض الأسر لإرضاء رغباتهم.
هذه الظواهر وغيرها لاقت انتقاد العديد من الدعاة والمختصين في الجانب الاجتماعي حيث أكدو لـ"بصائر" أن انتشار ظاهرة البذخ والإسراف في المناسبات هو سلوك غير مرغوب وأمر خارج إطار الشرع لم يدع إليه الدين الإسلامي الحنيف بل نهى عنه.
رامز العرقان: تعتبر المصاريف المبالغة في تكاليف الزواج أمراً خارج إطار الشرع لم يدع إليه الدين الإسلامي الحنيف بل نهى عنه
في البداية قال الشيخ الداعية رامز العرقان: إن الشريعة الإسلامية حرصت على تيسير الزواج ولو كان التباهي بالأموال مكرمة لسبقنا إليها رسول الله وصحابته الكرام.
وأشار العرقان إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج بعض أصحابه بخاتم من حديد وزوج بعضهم بما يحفظ من كتاب الله المجيد حيث قال له: "زوجتك بما معك من القرآن" (متفق عليه)، وبذلك تعتبر المصاريف المبالغة في تكاليف الزواج أمراً خارج إطار الشرع لم يدع إليه الدين الإسلامي الحنيف بل نهى عنه.
وانتقد العرقان استفحال هذه الظاهرة في المجتمعات العربية بقوله: لقد تحولت مناسبة الزواج إلى عدد من المناسبات، وهذا الأمر دخيل وخطير بأنه مسؤول عن تأخر الزواج وعما يسمى بعنوسة البنات.
وعن الحكم الشرعي أضاف العرقان: إن الإسراف محرم والشريعة تحرم الإسراف، حيث قال تعالى: {ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}، وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم من الإسراف في المهور حتى قال: "كأنكم تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل" (صحيح مسلم).
د. عبد الرحمن الجمل: نصوص الإسلام حثت على الحد المقبول في الزواج وليس المبالغة، حيث تضخمت مصاريف الزواج بشكل زاد عن اللزوم
من جانبه أكد الدكتور عبد الرحمن الجمل رئيس جمعية دار القرآن الكريم والسنة بغزة أن الإسلام دين حياة في الأفراح والأتراح يقدر الإنسان ويحرص على أن يسعد بزواجه متى أراد الزواج لا أن يشقى.
وقال: الإسلام ليس فيه تضييق على الأفراد لا على المرأة ولا على الرجل، وانما هو حريص على أن يفرح كل منهما، وأن تقام الوليمة التي ينبغي أن تكون معتدلة بدون إسراف ولا تبذير، مشيراً إلى أن الفكرة الرئيسية في الزواج عقد بين الاثنين ليكونا سكناً لبعضهما البعض، والسكن والبركة أمران مطلوبان في الزواج، وتأتي البركة بتقليل التكاليف والتيسير في الزواج الذي يعد سبباً في دوام العلاقة.
وأضاف: نصوص الإسلام حثت على الحد المقبول في الزواج وليس المبالغة، حيث تضخمت مصاريف الزواج بشكل زاد عن اللزوم، فكل فعالية جديدة تزيد من التكاليف.
وبين الجمل أن تأخر سن الزواج يرجع في أحيان كثيرة إلى صعوبة أمور وتكاليف الزواج، وانفتاح المجتمع الذي لا ينبغي أن يكون سبباً في رفع تكاليف الزواج.
وتابع: اعلموا أن الإسراف كله واحد وهو محرم، لأن الله قال: {ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}، وقال أيضا: {ولا تبذر تبذيرا* إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} [الإسراء:27،26]، ناصحاً الأسر بتقوى الله والتعقل في إقامة المناسبات، مشيراً إلى أن ما يقام ليست حفلات بل فوضى تنتشر في المجتمع وتتزايد يوماً بعد يوم.
د. فضل أبو هين: حفلات الزفاف الجماعي تمثل الخيار الأنسب والأوفر للشباب المقبلين على الزواج، إذ إنها تفي بكل متطلبات العروسين من مشاركة عدد كبير من المدعوين، عدا عن الزخم الإعلامي، والاحتفال الرسمي
وبالانتقال إلى الجانب الاجتماعي قال الدكتور فضل أبو هين أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى بغزة: أنّ "المجتمع يمثل أحد الأسباب الرئيسية التي تقف وراء اندفاع الناس نحو التباهي والتفاخر في الأمور المتعلقة بالزفاف وإقامة المناسبات وما يحصل فيها من إسراف وتبذير، وذلك بسكوته على مثل هذا الاندفاع الأمر الذي يغري مزيداً من الناس بالتورط في الدخول في تلك الدوامة، إما إرضاءً لأسرة العروس أو العريس، أو إرضاءً للمجتمع من خلال اتخاذهم من حفلات الزفاف مقياساً للمستوى الاجتماعي والمادي للأسر.
وأضاف: التباهي شائع في كثير من المجتمعات العربية والسبب يعود غالباً إلى أن هناك كثيراً من الناس يعتقدون أن مستوى حفل الزفاف هو الذي يُظهر المستوى الاقتصادي والاجتماعية للعائلة. لذا، يلجؤون إلى التصرف ببذخ وإسراف على أمل أن يترك ذلك انطباعاً جيِّداً عنهم لدى الآخرين.
ويطرح الدكتور أبو هين فكرة "إقامة حفلات الزفاف الجماعية باعتبارها أحد الحلول التي أثبتت نجاحها في تخفيف أعباء الزواج عن كاهل الشباب، عدا عن نجاحها في تحويل أنظار الأفراد والمجتمع عن مسألة المباهاة في الأعراس".
وأضاف: أعتقد أن حفلات الزفاف الجماعي تمثل الخيار الأنسب والأوفر للشباب المقبلين على الزواج، إذ إنها تفي بكل متطلبات العروسين من مشاركة عدد كبير من المدعوين، عدا عن الزخم الإعلامي، والاحتفال الرسمي، وما توفره من راحة بال للأسر بعيداً عن إنفاق مبالغ طائلة، وأيضاً بعيداً عن الخلافات التي تحصل عادة بين أسرة العروس وأسرة العريس، والتي تعود في أغلبيتها العظمى إلى أسباب مادية بحتة.
د. وليد شبير: المبالغة في إقامة حفلات الزواج ليس لها أي مردود إيجابي يذكر، وإنما من يقوم بهذا السلوك وهو غير قادر مادياً، إنما يعوض عقدة نقص بداخله، عبر الظهور بصورة غير حقيقية له أمام المجتمع
من جانبه يرى الدكتور وليد شبير الأستاذ المشارك في علم الاجتماع بالجامعة الإسلامية بغزة أن انتشار ظاهرة البذخ والإسراف في المناسبات هو سلوك غير مرغوب به في أي مجتمع، لما له من مردودات سلبية، أهمها زيادة عدد الشباب العازفين عن الزواج، والعنوسة في المجتمع.
وقال د. شبير: كما أن هذا الإسراف المادي في غير محله يؤدي حتماً إلى مشكلات اقتصادية واجتماعية في المجتمع، لأنه من الممكن أن تستغل هذه الأموال في أمور أخرى أكثر أهمية وأكثر نفعاً، وخصوصاً مع أولئك الشباب ذوي المقدرات المالية المحدودة، والذين يقيمون مظاهر فرح ضخمة لا تتماشى مع قدراتهم المالية، ما يضطرهم إلى الاستدانة من البنوك والدخول في نفق الديون، الذي يعود بآثار سلبية على الأسرة وقد يؤدي إلى تفككها، وذلك لعدم استطاعة الأب تلبية احتياجات الأسرة.
وأكد أن المبالغة في إقامة حفلات الزواج ليس لها أي مردود إيجابي يذكر، وإنما من يقوم بهذا السلوك وهو غير قادر مادياً، إنما يعوض عقدة نقص بداخله، عبر الظهور بصورة غير حقيقية له أمام المجتمع، وهو ما يطلق عليه في علم النفس (مركب نقص).
و اتفق شبير مع راي أبو هين في التصدي لهذه الظاهرة قائلا: “العرس الجماعي من أنجح الحلول المجتمعية لهذه الظاهرة، وذلك لما يصاحبه من انخفاض التكاليف إلى أدنى مستوى، إضافة إلى أن التغطية الإعلامية للحدث غالباً ما ترضي طموح الزوجين بأن يكونا مشاركين في حدث اجتماعي مهم”.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة