ازدواجية موقع (الحرية) في خطاب الحركة الإسلامية - من كتاب 'الحركة الإسلامية ثغرات في الطريق'
بشكل عام المتابع لخطاب الحركة الإسلامية يجد أن موقع الحرية من الخطاب يحتل موقعاً بارزاً..
ومن جهة أخرى إذا تابعنا أوضاع التنظيمات الإسلامية وتفحصنا موقع الحرية في تعاملاتها وتداولاتها الداخلية سنلاحظ موقعاً مغايراً تماماً عن الخطاب العام للحركة الإسلامية..
هذا الموقف المزدوج من الحرية والدعوة إليه خارج التنظيم ومصادرتها داخله هو خلل في نظام المفاهيم الذي يحكم الحركة الإسلامية ونشرح ذلك بشيء من التفصيل:
يعايش المنتمي للحركة الإسلامية في سنواته الأولى دفعة معنوية عظيمة على طريق تحريره من النظام الاجتماعي والسياسي السائد في المجتمع الأوسع من خلال كراسات الحركة وأنشطتها وندواتها ومخيماتها..
في السنوات الأولى من الانتماء يتكرس هذا الشعور أي شعور التحرر من النظام السياسي والاجتماعي السائد في المجتمع الأوسع والانطلاق لآفاق تقترب في أنسمتها ونكهتها لعصر الجماعة الإسلامية الأولى (مجتمع الصحابة) ففيما يتعلق بالحرية لا يسمع المنتمي الجديد سوى الإشادة بها والتأكيد عليها (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحراراً- والله يا عمر لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بحد السيف- أخطأ عمر وأصابت امرأة وغير ذلك من المواقف المأثورة) في صدر الإسلام وكل ذلك بهدف تثوير المنتمي الجديد على النظام السائد في المجتمع وبلورة علاقات عاطفية رومانسية مع خطاب الحركة ورموزها وقيادتها وشهدائها ويساعد الحركة في ذلك الوضعية الاستضعافية التي تعيشها وموجات القمع التي تتعرض لها.
بعد فترة من الانتماء وبعد تجاوز مرحلة النشوة الأولى وبعد انخراط المنتمي في آلة التنظيم الفعلية ومعايشته ليومياتها يبدأ في سماع نغمة جديدة يُصر التنظيم على اسماعه إياها ليلاً نهاراً..
هذه النغمة تؤكد على وجوب السمع والطاعة في المنشط والمكره والانصياع للأمراء مهما كلف الأمر واتقاء الفتن والخلافات وضرورة لزوم الجماعة في كل الأحوال وتكاد تختفي عن أسماعه تلك الروايات العذبة (تقويم عمر بالسيف- متى استعبدتم الناس.... – أخطأ عمر وأصابت امرأة ...) فسماع هذه النغمة الجديدة وتكرارها تطرح نموذجاً جديداً في الفكر والسلوك مؤداه في الحصيلة النهائية أن يجعل من المنتمي طينة طيّعة في يد التنظيم وآلة لا عقل لها ولا إرادة ولا تمييز..
لذا يلاحظ على المنتمي الإسلامي كلما طالت مدة انتمائه أنه يفقد كثيراً من مواهبه الفردية وحتى من فروسيته إذ أن ضغط آلة التنظيم على الفرد يطمس مواهبه وإبداعه ويلجم فروسيته
وعندها يدرك المنتمي إذا كان من أهل الفطنة أنه فعلاً تحرر من النظام الاجتماعي والسياسي للمجتمع الأوسع ليصبح في طوق جديد لنظام آخر يمليه التنظيم حيث الضغط أشد وأوقع وأكثر إيلاماً..
إذ خر ج من أسر ودخل في آخر..
وتخلص من سلطة ليسلم رقبته لسلطة أخرى..
ويا حليمة لا رحنا ولا جينا!
إن عدداً كبيراً من المنتمين للتنظيم الإسلامي يصلون إلى نقطة التمييز هذه لكن لا يفصحون عنها إلا إذا آلمتهم يد التنظيم وأوجعتهم وتصبح الخيارات المتاحة أمامهم كلها مؤلمة معنوياً وتنحصر في ثلاث خيارات:
- 1- الثورة على التنظيم وهذا لا يقدر عليه إلا القلة من الرجال الذين نضجت لديهم عوامل النفي لسطلة التنظيم.
- 2- الاستقرار السلبي في التنظيم وهو رهان الكثرة الكاثرة من الركاب الذين يفضلون المقاعد وربط الأحزمة ومتابعة تعليمات الكابتن دون أن يكون لديهم أي فرصة لمعرفة الاتجاه الفعلي للطائرة.
- 3- الانسحاب من التنظيم وهو خيار أصحاب الحساسيات المفرطة الذين لا يقدرون على المواجهات ولا يتحملون ضغوط الاستمرار السلبي ويفضلونها باردة مبردة وإلّا فلا.
من الجدير بالذكر أن الخيار الأول قد يؤدي – إذا وضع موضعه الصحيح – إلى تقويم التنظيم وتصحيح أوضاعه.
أما الثاني فهو بمثابة الورم الحميد الذي يمكن أن يتحول إلى ورم خبيث.
وأن الخيار الثالث سرعان ما يتحول أصحابه إلى فصوص من الملح الذي يذوب في كأس صغيرة من الماء.
من كتاب: "الحركة الإسلامية ثغرات في الطريق"
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة