الشباب الملتزم... والزواج
من الأمور التي لا خلاف عليها في ديننا الحنيف أن هدف الإنسان الأعلى في هذه الحياة: عبادة الله وطاعته في جميع شؤون الحياة ومنها الزواج، فالمسلم حتى يحقق هدف وجوده في الحياة عليه بالزوجة التي ستساعده على هذا الأمر وهي الزوجة المتدينة. ولكن هنا تأتي المفارقة، فعدد لا بأس به من الرجال المتدينين يتزوجون من فتيات غير متدينات، أو ممّن لا يرتدين اللباس الشرعي، وفي بعض الأحيان من غير المحجبات، بحُجة أنهم يسعون إلى هدايتهن، وبالتالي تحصيل المزيد من الأجر والثواب!
تقول إحداهن: كانت لي صديقة لديها أخ في قمة التدين والأخلاق حيث كان يقوم الليل دائماً، ويقضي معظم أوقات فراغه في المسجد. وكان يدرس في إحدى الجامعات فتعرَّف على زميلة له، وقد كانت بعيدة كل البعد عن الدين: منفتحة - كما يزعمون - جداً، وتدعو إلى تحرير المرأة. ومن كثرة جداله معها أُعجب بها وطلب خطبتها! وعندما سألته أخته: كيف تختارها وهي غير ملتزمة؟! أجابها بأنه سيهديها إلى الدين. ولكن ما علمته لاحقاً أنها أصبحت هي التي تؤثِّر عليه لا العكس.
وهنا لا ننس أيضاً الوجه الآخر للمعادلة؛ وهو زواج الفتاة الملتزمة برجل أقل التزاماً منها، مما يبقيها في صراعٍ دائمٍ معه من أجل هدايته وتغيير أفكاره، أو تنحدر هي معه وتريح نفسها من عبء المشاكل!!
في هذا التحقيق: سنستطلع بعض الآراء حول هذه القضية، ثم نقوم بتحليل أبعادها...
تخبرنا سارة السالم (متخرجة حديثاً من كلية الشريعة) بأنها عاينت العديد من حالات الزواج بين الفتاة الملتزمة والشاب غير الملتزم، وقد شهدت صراعهما من أجل الدين، واضطراب الحياة الزوجية بينهما. أما عن زواج الشاب الملتزم بغير الملتزمة - إن حدث - تكون معاييره خاصة ولا تقبل التعميم؛ كأن تكون الفتاة من أقاربه، أو كأن يتعرف إليها في عمله أو جامعته فيُعجَب بها ويتزوجها نتيجة اقتناعه التام بقدرته على هدايتها.
وفي هذا الصدد يخبرنا باسل (محاسب) بأن الفتاة إذا كانت تعيش في جوٍ من الفوضى والحرية غير المنضبطة، وطلب منها الالتزام سيكون عليه أن يغيِّر من هيكلية تفكيرها، الأمر الذي قد لا تقبله هي وإن كانت على جانب من الطيبة، ولن يكون هناك استقرار في الارتباط.
في حين يقول يوسف (متطوع في إحدى الجمعيات الإسلامية) بأنه يرفض تماماً فكرة الارتباط بفتاة غير ملتزمة، لأن الشاب يبحث بزواجه عن الاستقرار مع فتاة تشاركه الرؤية - تربت منذ نعومة أظافرها ضمن أسرة متديِّنة علّمتها الدين وكيفية الالتزام به - حتى يبنيا سوياً نواةً صالحةً ومثمرةً للمجتمع الإسلامي.
ويقول أحمد أبو جاموس: على الشاب الملتزم أن يضع نصب عينيه تحقيق وصية نبيه صلى الله عليه وسلّم، فلا يُغفل الجانب الديني لاختيار الزوجة التي تحفظه. ولكن في بعض الأحيان قد يكون عند هذه الفتاة شيء من القصور في بعض الجوانب، فهذا لا ينبغي أن يقف حائلاً دون الارتباط، فلعلّها بتوجيهات الزوج تصبح أكثر التزاماً.
أما ريحانة (وهي أم لولدين) فتتحدث عن تجربة شقيقها الملتزم؛ فبحكم العادات والتقاليد وبحكم معرفته بابنة عمه قرر الزواج بها، وكان وقتها شاباً يافعاً لا يملك الكثير من الخبرة، فتزوجها وهي غير ملتزمة، وما زالت حتى الآن لا تسمع له كلمة ولا تطيعه في أمور الدين، كما ظلّت فترة من الزمن تخرج سافرة. وحتى الآن بعد أن كبرا ما زالت ترتدي ثياباً على «الموضة»، ولم يستطع أخي أن يغير فيها شيئاً. فبقي هو ملتزماً وبـقيـت هي كما هي. وتسلّط ريحانة ضوءً خفياً ولكن خطيراً على بنات أخيها اللواتي لبسن اللباس الشرعي ثم خلعنه، وذلك بسبب ضعف الترابط الفكري الديني بين الزوجة والزوج، الذي من شأنه أن يعزز هذا الارتجاج في قرارات الأبناء.
وتشير وجدان (وهي أم لأربعة أبناء) إلى أن العناد الذي يسيطر على شباب اليوم كفيل بإجهاض هذا الارتباط، لأن كلاً من الطرفين قد يبدي في بادئ الأمر الرغبة في التغيير، ولكن النفس الأمارة بالسوء قد تدفع كل واحد لاحقاً إلى التشبث برأيه مما يزعزع من استقرار الأسرة. وتَخلُص وجدان إلى أن الرجل الملتزم الذي يهتم بأمر دينه عليه أن يتزوج المرأة المناسبة له التي تعينه على تحقيق هذا الهدف!
موقف علم الاجتماع من هذه القضية
تقول إسراء الخطيب (وهي اختصاصية اجتماعية تعمل معلمة داعمة في مدارس الأنروا): إن هذا النوع من الارتباط كثيراً ما يحدث؛ فالشاب الملتزم عندما يقرر الارتباط بغير الملتزمة يكون هناك عادةً سببان، الأول: رغبة منه بهدايتها وكسب الحسنات وهذا أمر جيد، ولكن الخوف يكمن في احتمال أن تسحبه هي إلى التفلت من الالتزام. والثاني: التعويض عن عقدة نقص قد يكون ولََّدها الضغط الزائد عن الحد لديه. وأبرز الحلول لهذه المشكلة - بحسب إسراء الخطيب - يتجلى في توجيه الشباب الملتزم وتوعيته وتعريفه بالنوعية من الفتيات اللواتي يلائمن تطوره الفكري.
وجهة نظر شرعية
وتحدِّثنا الداعية إلفانا بشير عن الأسباب التي تدفع الشباب الملتزم إلى الارتباط بغير المتدينة:
1- عدم مقدرة الشاب على تجاهل جمال المرأة، فيطلب من والدته البحث عن فتاة جميلة وإن كانت على قدرٍ قليلٍ من التدين.
2- رغبته في الزواج من الفتاة ذات التعليم الجامعي.
3- رغبته في مصاهرة أحد الأفراد حتى وإن كانت بناته غير ملتزمات.
وتضيف: إنه عندما يتجه الشباب الملتزم إلى تفضيل هذا النوع من الارتباط، فإن ذلك يدفع بشكل غير مباشر الفتيات الملتزمات إلى الزواج برجال غير ملتزمين، مما قد يُنقص من درجة التزامهن في محاولتهن لإطاعة أزواجهن، أو قد يُدخلهنّ في صراع مع هذا الزوج من أجل الدين. وبالتالي على الشاب الملتزم أن يفكر جيداً بكل الاحتمالات وأن يستعرض نتائجها الحالية والمستقبلية قبل أن يُقْدم على هذه الخطوة. أما عن الحلول الممكنة لهذه القضية، فعلينا بمحاضرات التوعية للشباب وتوعية الأهل والتخفيف من مهور الملتزمات وقبولهن بالشباب الملتزم حتى ولو كانت أوضاعه المادية عادية.
وعلى العلماء والدعاة والعاملين في مجال الدعوة أن يكثروا من المحاضرات التي توجّه الشباب إلى كيفية اختيار الزوجة المناسبة، وأن يقدِّموا العديد من الدورات في هذا المجال حتى يزيدوا من وعي كلا الطرفين إلى أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها الشريك المستقبلي. وعلى الشباب أن يعرفوا أن سفينة البيت الأسري لديها قائد ومساعد يتعاونان معاً من أجل إبحارها إلى بَر الأمان، وهما الزوج والزوجة. ولا يسلم هذا البيت بعمل القائد وحده، بل هو بحاجة إلى تعاضد كلا الطرفين في جميع الأمور المادية والنفسية والجسدية وأهمها الأمور الدينية والتربية الإسلامية الصحيحة والفاعلة حتى تنجح هذه المهمة وينتجا معاً جيلاً صالحاً واعياً لواجباته مكَرساً لعبادة رب الأكوان.
ختاماً، نشكر ضيوفنا وكذلك كل الذين أسهموا في هذا التحقيق.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن