الثقافة والتحدي الأكبر
قلما واجه المسلمون حربا مدمرة كالتي يعيشونها الان، ولا اقصد بذلك القتل والتهجير لأن هذين هما متلازمان في تاريخ المسلمين؛ ما اقصده في الحرب المدمرة هو الالغاء الثقافي لأنه ام الحروب التي اذا ما انهزم فيها المسلمون فإن خسارتهم ستكون كارثية بحق!
ويبدو ان مسار هذه الحملة الثقافية لا يبشر بخير لأن من اساسيات هذه الحرب تغيير اسس الثقافة عبر خلق طبقة مسلمة تحمل ثقافة دخيلة بمعنى خليط من الثقافة الاسلامية وغير الاسلامية وبمعيار غير متكافىء حيث تميل الكفة لصالح الثقافة الدخيلة؛ هذه الطبقة من صفاتها انها تملك مقدرات اجتماعية مادية ومعنوية ولها ثقة بنفسها وترى بأن مهمتها تنويرية وان عليها واجب تحرير بقية المسلمين من ثقافتهم المتأخرة... تماما كما فعل اتاتورك! كما تحظى هذه الطبقة بتسهيلات من دوائر خارجية يهمها ان يتغير التشكل الثقافي للمسلمين، وقادرة ايضا على استخدام اجهزة الدولة لهذا الهدف الحضاري.. وقد دأبت انظمة العرب بعد نيل الاستقلال على تعزيز هذه الطبقة، ووضع كل الامكانات المالية والمعنوية في تصرفها، وكانت النتيجة ظهور ثقافة جديدة في مجتمعاتنا، لا تحمل معرفة بماضيها وان حملتها فإنها تكون مشوهة وضعيفة ولا تصمد مع مرور الوقت امام ثقافة الطبقة الجديدة. كما انه بفضل هذه الطبقة ظهرت مقاومة لها لكنها مقاومة مأزومة تقوم على التحدي حيث تلعب العاطفة وليس العقل الدور المحوري.. وكان من نتائجها ظهور فكر متشدد تصاحبه رغبة متفجرة باستخدام القوة بديلا عن الاقناع.
الناظر الى مجتمعنا اليوم يجد ثقافة جديدة تعرف منها وتنكر وهذه الثقافة المتشوهة آخذة في التمدد والتشوه وستصل في نهايتها الى مقاربة الثقافة الغربية المادية.. والاغرب ان ما يسمى المجتمع المدني يساهم فيها بلا وعي باستيراده مفاهيم هي في جوهرها الانساني من ثقافتنا لكنه يقدمها كثقافة جديدة وافدة من بلدان العلم والعمران. وطالما هي كذلك يفخر بها ولا يغربلها او على الاقل ينظر اليها بعين الفاحص الخبير!
ومن لا يصدق لينظر الى وسائط التواصل الاجتماعي وسيرى عجبا في المفاهيم وانهيارا في اللغة العربية التي هي السد المانع في حماية الثقافة! لقد اصبح النطق بالانكليزية كمثال علامة على الثقافة، واصبح التباهي بعادات غربية محل تنافس!
كان للامير العربي اسامة بن المنقذ، ابان وجود الصليبيين في بلادنا، صديق من النبلا (الانكليز) وعندما همَّ هذا النبيل الانكليزي بالعودة الى وطنه اقترح على اسامة من باب المحبة ان يصحب معه ابنه الصغير الى بريطانيا ليتعلم الفروسية ويشب على عادات المجتمع الارستقراطي (المتقدم) فكان ان صعق اسامة رغم علمه بنية صديقه انه لا يفعل الا الخير! ..واعتذر له وقال في مذكراته: انه تمنى الموت على ان يسمع ذلك !
نعم إنه الاعتزاز بالثقافة ! لكن هذا لا يعني ان نهمل ثقافات الاخرين بل لا بد من التفاعل معها شرط ان يكون تفاعلنا تفاعلا بناء يتمخض عنه تعزيز ثقافتنا وابداعاتها!
ان الثقافة وتعريفها بلا شك عسير لكن بالمعيار الاكثر شيوعا هي الهوية التي تميزنا عن غيرنا وهي الوعاء الحافظ لتاريخنا، وهي الرصيد الحقيقي لبناء افراد اقوياء يصنعون الامجاد ويعلون الامة. نخلص من هذا اننا بحاجة الى مواجهة هذه الطبقة الثقافية التي ترعاها حكومات ومؤسسات لأن نكوصنا عن هذه المواجهة سيكون اعترافنا بأننا لسنا ابناء امة لها مجد تليد، وكذلك قبولنا بحمل ثقافات غريبة، ولربما ان تابعنا الرضوخ الثقافي فسنصل الى يوم نفقد فيه لغتنا ونتحول الى امة تقرأ القرآن فلا تفهمه، وتنظر في ترجماته الاجنبية لكي يستقيم فهمها!
نعم قد نتعرض لحروب كالتي نعيشها في سوريا والعراق ونقتل ونذبح لكننا، كما كنا في تاريخنا المنصرم، قادرون على الصمود والنهوض . لكننا في هذه الحرب الثقافية حالنا مختلف لأننا ان خسرناها، ولو لمرة واحدة، فستكون هزيمتنا مجلجلة ولن نقدر بعدها على التحدي والصمود الا بمعجزة!؟
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة