لغة الرسم عند الطفل
الرسم وسيلة للتعبير يعرفها الطفل في مراحل نموه الأولى، فإذا أعطي للطفل ورقة وقلم، فإنه يقوم في الحال بعمل خطوط بطريقة ما، هذه الخطوط تعبر عن شيء معين من وجهة نظره. فقد عرف الإنسان القديم الرسم قبل التاريخ، وقبل اكتشاف الكتابة، إذ كان يحاول التعبير عن نفسه وعن آماله وعن حياته خلال الرسم، كما نشاهد ذلك في الرسوم التي تركت على جدران الكهوف. وفي الواقع فالرسم، كوسيلة للتعبير عند الطفل، يسير في خطوط متوازية مع باقي وسائل التعبير وهي اللغة واللعب، وهو يحاول باستعمال هذه الوسائل التعبيرية الثلاث: اللغة واللعب والرسم، أن يصل إلى مستوى الكبار وأن يسترعي انتباههم، فهو بذلك يعبر عن الصورة كما يتصورها، وكما ترمز إليه من خلال ذاته، فقد يرسم خطا وإذا سألناه ما هو يقول أنه بحر، ومرة أخرى يقول أنه شجرة، ومرة ثالثة يقول أنه باب وهكذا.
لقد وجد الباحثون - كما ذكرنا - أن هناك توازيا بين نمو وتطوير استخدام اللغة والرسم عند الأطفال، ووجدوا أن ذلك يمر بسبع مراحل نوجزها فيما يلي:
* مرحلة الخطوط:
وهي تقابل مرحلة الصراخ، إنها مرحلة تكاد تكون منعكسة أي فيها يقوم الطفل بحركات غير مقصودة.
* مرحلة "الشخبطة":
وهي تقابل مرحلة المناغاة، حيث أنها تشمل مجموعة غير منظمة من الخطوط، لا تمثل أي شيء بل وتمثل أي شيء من وجهة نظر الطفل.
* مرحلة "الشخبطة" بالألوان:
وهي تقابل مرحلة المنافاة التي تنطوي على شيء من القصد، وفيها يحاول الطفل أن يمثل المكان في الرسم، ويرى بعض الباحثين أن الطفل يعبر عن حبه للترتيب والنظام في هذه المرحلة خلال الرسم، فالإيقاع في الألعاب يماثل حركات التعلم في الرسم وبوجه عام إذا لم يتجاوز الطفل هذه المرحلة بعد ست سنوات يكون متأخرا عقليا. إذ المفروض أن الطفل في هذه المرحلة يستطيع أن يرسم الرجل وبعض تفاصيله كما سيأتي بعد.
* مرحلة الرسم الرمزي:
وهي تقابل مرحلة الكلمة الواحدة، التي تقوم مقام الجملة، فالطفل في سن ٣ أو ٤ سنوات، لا يزال خاضعا لمركزية الذات، فهو لا يرسم ما يرى، بل ما يعرفه عن الشيء وهو عاجز عن إدراك الحجم أو المنظور، والصورة التي يرسمها تتكون من إضافة صفات منفصلة، بعضها إلى بعض بدون رابط منظم يستدعي رسم الجزء الذي أثار انتباهه ثم يصل بعد ذلك إلى مرحلة التأليف وتوحيد العناصر والأجزاء في كل واحد.
* مرحلة الرسم الاجتماعي:
وفيها يكون الرسم من الممكن تشخيصه وتسميته وهذه المرحلة توازي مرحلة الجملة المكونة من عدة كلمات ثم الجملة المركبة حسب قواعد النحو.
* مرحلة البيت الشفاف:
حتى سن ٤ سنوات لا يهتم الطفل بالنموذج الخارجي، قد يرسم رأسا جانبيا على جسم مواجه.. هذا الاتجاه العقلي يسمى بالواقعية المنطقية ويستمر حتى سن ٦ سنوات.
* في المرحلة السابعة:
يهتم الطفل بالحياة الواقعية كالأشخاص والحيوانات والأشياء المألوفة وفي إمكانه أن يرسم من مخيلته القصص التي يسمعها.
الرسم والذكاء
هل هناك علاقة بين الرسم والذكاء؟ لقد أجريت بحوث كثيرة في هذا الموضوع، من أهمها البحث الذي قامت به الباحثة "جودانف" وانتهى بها إلى إعداد اختبار ذكاء يعرف باختبار رسم الرجل. وفيه يطلب من الطفل أن يرسم رجلا، وتعطى درجات على الأجزاء المختلفة الموجودة في الرسم، كما تعطى درجات على التناسب والمنظر الجانبي.. إلى غير ذلك. ويلاحظ أن هذا الاختبار لا يهتم بالنواحي الفنية أو الجمالية وإنما يهتم بوجود التفاصيل وتناسبها.
وقد وجد ارتباط بين هذا الاختبار والاختبارات الأخرى للذكاء وعملت عنه دراسات عديدة كثيرة. وهذا الاختبار يناسب الأطفال نظرا لسهولته وبساطته ولإقبال الأطفال عليه .وتنبني الفكرة الأساسية في استخدام فكرة رسم الرجل، كاختبار للذكاء، على أن الطفل العادي أثناء نموه، يستطيع أن يدرك نفسه والآخرين، بطريقة غير مقصودة في ذاتها، وإنه عن طريق الرسم يسقط هذه المدركات، فبعض الباحثين يرى أن الذكاء يشمل ضمن ما يشمل، القدرة على إدراك الأشياء العادية وموضوعات الخبرة اليومية بطريقة غير مقصودة.
الرسم والشخصية
الرسم يستخدم كوسيلة لدراسة الشخصية عن طريق اختبارات يعرفها الباحثون النفسيون، وبهذا يتم معرفة البناء النفسي، وما فيه من ديناميات وصراعات، والعوامل المؤدية إلى الاضطراب النفسي
إن الطفل يحاول خلال الرسم، التعبير عن نفسه، عن دوافعه وصراعاته ومشكلاته وآماله، بعبارة أخرى تتم عملية إسقاط مكبوتات الفرد خلال الرسم التي لا يستطيع أن يعبر عنها مباشرة لوجودها في العقل الباطن أو اللاشعور. ولكنها تتناسب خلال عملية الرسم بطريقة تلقائية. ومن هنا فقد استخدم كثير من الباحثين الرسم كوسيلة لدراسة الشخصية. ومن الاختبار رسم شخص لـ "ماكهوفر"، وفيه يقدم للمفحوص ورقة بيضاء وقلم وممحاة، ويطلب منه أن يرسم شخصا، ويقوم الفاحص بكتابة تعليقاته وكانت "ماكهوفر" قد لاحظت من استخدامها لاختيار "جودانف" "رسم الرجل" أن طفلين قد يحصلان على نفس نسبة الذكاء، ولكن رسم كل منهما يحكي قصة مختلفة.
والاختبار يستند أساسا إلى مفهوم إسقاط صورة الجسم في رسم الشخص. ومن الاختبارات النفسية الأخرى التي تعتمد على الرسم في دراسة الشخصية اختبار يسمى اختبار المنزل والشجرة والشخص، وفيه يطلب من الفرد أن يرسم منزلا، ثم شجرة، ثم شخصا وتفسر هذه الرسوم بطريقة معينة، وعلى أساسها يتم تأويل الشخصية.
الرسم كوسيلة للتشخيص والعلاج
ذكرنا أن الرسم يستخدم كوسيلة لدراسة الشخصية عن طريق اختبارات يعرفها الباحثون النفسيون، وبهذا يتم معرفة البناء النفسي، وما فيه من ديناميات وصراعات، والعوامل المؤدية إلى الاضطراب النفسي. هكذا يستخدم الرسم على نطاق واسع للعلاج النفسي، فكما ذكرنا أن الرسم وسيلة إسقاطية فيها يعبر الفرد عن العوامل المكبوتة في اللاشعور بطريقة مقبولة، وهذا يتيح تنفيسا وتفريغا للتوترات المختلفة وإعادة للتوازن النفسي، مما يسير بالمرء في طريق الشفاء النفسي.
ويستخدم الرسم والفن عموما على نطاق واسع في مستشفيات الأمراض العقلية حيث أدى ذلك إلى نشوء فرع جديد للعلاج النفسي الذي يعرف بالعلاج بالفن، فبالإضافة إلى ما يوفره من تفريغ لصراعات الإنسان، فإنه يتيح له الفرصة للإنجاز، لأداء عمل كامل، يرضى عنه المريض، وهذا يؤدي إلى الإحساس بقيمته وتقديره لذاته، مما يساعده في طريق الشفاء والراحة النفسية.
المصدر : مدونة الجزيرة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة