الحياء وأثره في سلوك المرأة
﴿فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾(1).
إن الله سبحانه فطر الإنسان على خصال إن خالفها عاش في اضطراب وشقاء وضلال، ومن أهم ما فطر الإنسان عليه هو "الحياء"": الخلق الذي يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حقّ رب العالمين، وقد حثّنا النبي ﷺ على التخلّق بالحياء، وهو القدوة لنا في ذلك، فقد كان عليه الصلاة والسلام "أشدّ حياءً من العذراء في خدرها.. (2)، وقد شبّه حياؤه ﷺ بحياء العذراء ذلك أن الحياء صفة ذاتية للأنثى وتعتبر قلَته في النساء دليل بعدﹴ عن الدين وعن التمسك بالأخلاق الفاضلة، وهل ما نراه اليوم من فسادﹴ وانحلالﹴ خلقي في اللباس والمشية والتعامل عند الكثير من النساء إلاّ بسبب ذهاب الحياء عندهن؟! ومصداق هذا الكلام قول النبي ﷺ:"إن مما أدرك الناس من كلام النبوّة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت".(3)
وقد مرّ رسول الله ﷺ على رجلﹴ من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال جائز وكذا من تركه".
وما أجمل ذلك الوصف القرآنيَ في تلك المرأة التي جاءت إلى نبيِ الله موسى عليه السلام لتهدي إليه دعوة من أبيها فقال تعالى:﴿فجاءته إحداهما تمشي على استحياءﹴ قالت إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا﴾. (5)
جاءته تمشي على استحياء- ساترة وجهها بكم درعها- مشية الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة النظيفة حين تلقى الرجال في غير ما تبذُلﹴ ولا تبرُج ولا إغواء، جاءت وحملت إليه دعوة أبيها بكل وضوح واختصار. فالحياء لا يمنع الدقة والوضوح ولا يجعل صاحبة الكلام تضطرب أو ترتبك، فالفتاة القويمة تستحي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم لكنها بثقتها وبطهارتها واستقامتها يأتي كلامها واضحاً دقيقاً مختصراً لا يغوي ولا يغري.
وإذا ما كانت هذه حال النساء المؤمنات في زمن موسى عليه السلام فكيف كانت حال زوجات النبي عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهن جميعاً، وكذلك الصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن؟
فهذه عائشة رضي الله عنها تنتهج في منزلها سلوكاً جديداً بعد أن دفن عمر على جوار النبي عليه الصلاة والسلام لخّصته بقولها:"لم أضع ثيابي عني منذ دفن عمر في بيتي"(6) وقد قالت رضي الله عنها وهي تصف نساء الأنصار:"رحم الله نساء الأنصار ما منعهن الحياء من التفقُه في الدين". وهذه أم خلاّد جاءت إلى رسول الله ﷺ تسأل عن ابن لها قتل في سبيل الله، فقال بعض الصحابة لها: جئت تسألين عن ابنك وأنت متنقِبة. فقالت: إن أرزأ ابني- تعني إن أصاب في ابني- فلن أرزاء حيائي. فقال لها النبي ﷺ:"إنّ ابنك له أجر شهيدين" قال: ولم؟ قال:"لأنه قتله أهل الكتاب". (7)
هكذا كان حالهنّ متأدبات بأدب الحياء في المشية وفي اللِباس وفي الكلام والمعاملات، ولم لا يكنَ كذلك والله سبحانه وتعالى خاطب أمهات المؤمنين ومن بعدهنّ من نساء المسلمين جميعاً بقوله تعالى: ﴿يا نساء النبي لستنّ كأحدﹴ من النساء إن اتَقيتنّ، فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفا﴾. (8)
فالحياء هو أجمل خلقﹴ تتخلَق به المرأة، خلقٌ يضفي عليها سحراً أخّاذاً يميّزها عن فتيات السُوء ويجعلها مبتغى كل رجلﹴ يخاف الله ويسعى لبناء أسرةﹴ مسلمة عاملةﹴ لدينها ساعيةﹴلإعلاء كلمة التوحيد، أسرةﹴ تكون حصناً منيعاً في وجه الهجمات الكافرة الراغبة في تدمير ديننا واستعبادنا.
إن الحياء- أختاه- فطرة في الإنسان تنمو وتزداد بالتخلّق والاكتساب والالتزام بآداب الشريعة الغرّاء؛ فحافظي على حيائك ونمِيه وكوني رمحاً يغرس في صدر الجاهلية... في صدر أعداء الإسلام.
هوامش:
1- سورة الروم: 30.
2- متفق عليه.
3- رواه البخاري.
4- متفقٌ عليه.
5- سورة القصص: 25.
6- رواه ابن سعد وغيره كما ذكر في فتح الباري 7/66.
7- أخرجه أبو داود.
8- سورة الأحزاب: 32.
نشر في العدد 14/صفر 1417 = حزيران وتموز/ 1996
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة