الموت يأتي في لحظة!
هل تصورت يوماً أن اليوم ممكن أن يكون هو آخر أيام عمرك؟! هل تخيلت أن وجبة الطعام التي تناولتها ربما تكون آخر وجبة لك في هذه الحياة الدنيا؟! هل شعرت بأن شربة الماء التي تتناولها ربما لا تستطيع إخراجها من جسمك وأن هذا النفس الذي خرج منك قد لا يعود إليك مرة أخرى؟! هل فكرت في أن الموت يأتي فجأة وبلا مقدمات؟! هل أنت راضٍ عن موتك الآن!
استعرض شريط حياتك بينك وبين نفسك.. تذكَّر الخير الذي قدمته، وتذكَّر الشر الذي فعلته.. ماذا ستقول لرب العالمين بعد لحظات؟! هل تشعر بالارتياح وأنك أدَّيت دورك في هذه الدنيا بنجاح وأنك مستعد لسؤال المَلَكين، وأنك غير خائف من وجودك في قبرك المظلم وحيداً؛ لأن معك من يؤنسك ومعك ما ينير لك القبر.. معك أعمالك.. معك صلاتك التي تربطك وتصلك بالله، ومعك زكاتك وصدقاتك وصومك لله من دون رياء، وفوق هذا كله معك إيمانك العظيم بالله الذي خلق والذي وهب ورزق، وأن الله الذي أمر ونهى واتبعت أمره ونهيه هو نفسه من سيقوم بمحاسبتك، فأنت واثق بعدله ومطمئن لحسابه وتطمع في جنته والبعد عن جحيمه وعذابه؟ أم كان للدنيا بريق فغرَّتك بأموالها وزينتها وثرواتها ونعيمها الزائل؟!
هل استطعت مقاومة الشيطان أم استسلمت لإغراءاته؟ من منكم استطاع أن يتفوق وينتصر: أنت أم الشيطان؟ هل كنت تعلم أن الموت سهم انطلق نحوك منذ ولادتك ويسير باتجاهك ولا بد من أن يصيبك في أي زمان وبأي مكان "قل إن الموت الذي تفرُّون منه فإنه ملاقيكم".
الموت هو قضاء الله عليك وقدره.. قضاء الله فهو حكم صدر من الله، ليس له من دون الله ردٌّ ولا نقضٌ، وقدّره الله عليك بسن معينة في يوم معين وبمكان معين وبكيفية معينة، على شكل ووضع هو أعلم به وجنوده من ملائكة الموت.. ملائكة الموت لا يعلمون كم عمر الإنسان، ولكن ينفذون أوامر الله في الوقت الذي يحدده الله على الهيئة التي بيَّنها لهم "فإذا جاء أجلهم فلا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون".
هل تعتقد أنك مخلَّد في هذه الدنيا؟! قل لي بالله عليك: مَن قبلك خلد في هذه الدنيا؟! هل أنت قوي على الموت؟! أين الجبارون والمتكبرون والأقوياء من الأمم السابقة؟! هل تستطيع أن تفرَّ من قضاء الله وقدره؟! فأين تذهب وكل شيء مملوك لله.. الأرض أرض الله والسماء سماؤه، وكل ما في الكون في خدمته وتحت أمره؟!
هل تعتقد أنك تختبئ من الموت في كهف أو مغارة؟! أو هل تستطيع أن تصعد في عالم آخر غير هذا العالم؟!. الكل مملوك لله، والكل ينفذ قضاء الله عندما يشاء الله.. هل فكرت في إرضاء الله فأنت راضٍ عن الموت؛ لأن الله راضٍ عنك؟ أم أنك تريد أن تندم عندما لا ينفع الندم فتتمنى الرجوع إلى الدنيا لتعمل غير الذي كنت تعمل؟
تعود لتؤمن بالله وتصلي وتصوم وتحج وتعمل الصالحات.. هل تريد أن تقول "رب ارجعون"؛ لكي تعمل صالحاً فيما قدمت؟! هل تريد أن تتذكر في وقت لا تنفع فيه الذكرى "يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى. يقول يا ليتني قدمت لحياتي".
أخي الكريم.. إذا كنت اليوم قد متَّ وانتهت حياتك وعلمت مصيرك وجزاءك، فلماذا لا تعتبر اليوم بمثابة ميلاد بالنسبة لك؟! لماذا لا تبدأ من الآن تاريخ حياة جديداً؟!
انوِ التوجه إلى الله.. اعتبرها توبة نصوحاً.. أقلِع عن عاداتك السيئة وأصحاب السوء وكل ما يقربك من المعاصي وعِش مع ربك ما تبقى لك من عمر.
اعزم على عدم الرجوع إلى الذنوب والبس ثوب الفضيلة ولا تدنِّسه بمعصية ولا فاحشة.. ولا تنسَ أنك تعيش في مجتمع فلا تنعزل بنفسك عنه.. عاشِر الناس وخالِطهم بأعمالك الطيبة، وكن قدوة حسنة لهم.. وتمسَّك بدين الله ولا تفرِّط فيه.
وليس معنى أنك ولدت اليوم أنك تترك الدنيا وكل ما فيها وتزهد عنها وتتركها لغيرك.. خذ من الدنيا كل شيء في حدود المسموح به لك.. كُل من الطيبات وتمتع بحلالها من دون إسراف ولا تبذير.. تمتَّع بمظاهر الدنيا وجمالها دون أن تعتدي.
عش حريتك واجعل غيرك يعيش حريته دون تعارض.. حريتك تحفظ حقوق الغير وحرية الغير تضمن لك حقوقك.. تعلَّم العلم المفيد وكن أداة نافعة في المجتمع ولا تترك الفرصة لعدوك أن يتعلم ويمتلك التقدم ووسائل التكنولوجيا الحديثة وأنت تعتزل الحياة، مكتفياً بالقليل منها وتعيش في تقشف وزهد.
تمسَّك بحبل الله المتين، تمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها.. سِر في طريق الدين القويم والصراط المستقيم ولا تنحرف يميناً أو يساراً؛ فتقع في النار وتهلك، وانشر الحب والسلام بين الناس؛ فدينك هو دين السلام.
تذكَّر دائماً أن كل عمل لك هو لله، وتذكَّر أنها آخر شربة ماء وآخر نفَس هواء وأنك مفارق لا محالة حتى وإن طال بك العمر.. تذكَّر دائماً أن الموت يأتي في لحظة.
المصدر : هافينغتون بوست
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة