الاستغلال الجنسي للاجئين تحت قناع المساعدات الإغاثية
قد تزور يوماً مخيماً للاجئين، مهما اختلف حجم المخيم ستلاحظ أن اللاجئين المصطفين في طابور الحصول على حزم المساعدات غالباً ما يكونون ذكوراً بالغين، وقليلاً ما تلمح نساءً أو أطفالاً في هذا الطابور. قد تظن أن السبب هو أن الرجال والشباب الذكور يمتلكون قوة أكبر على حمل حزم المساعدات بينما النساء والأطفال قد لا يستطيعون حمل الحزم لمسافات ربما تكون طويلة، وقد يخطر ببالك أفكاراً أخرى. لكن تخيّل أن السبب هو خوف هؤلاء النساء والأطفال من استغلالهم جنسياً! الاستغلال الجنسي آفةٌ منشرة في شتى بقاع الأرض، دوماً يستغل الأقوى فيها الأضعف، وبوجود الكثير من الفئات المستضعفة في عالمنا اليوم فنسبة هذا الاستغلال تتفاقم وتحديداً بعدم وجود نظام لمساءلة المجرم وحماية الضحية.
نص التقرير
في طابور الحصول على حزمة مساعدات يوزعها موظف إغاثة دولي من الأمم المتحدة، كانت تنتظر امرأة سوريةً دورها؛ لقد تركتها الحرب دون طعام أو ماء أو ملْبَس، وهي في حاجة إلى حزمة المساعدات هذه للبقاء على قيد الحياة حتى الأسبوع المقبل.
أخبرها عامل الإغاثة أنها ستحصل على رزمة المساعدات الخاصة بها مقابل بعض "الخدمات".
هذا السيناريو من نسج خيالي، لكن مسألة الاستغلال الجنسي لتقديم المساعدات حقيقية، ومتعارف عليها ضمن مفهوم "ممارسة الجنس من أجل البقاء". يوضح بحثي أن الضحايا ليسوا محميين في الوقت الحالي بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان؛ ويلزم اتخاذ إجراء عاجل لإنفاذ عدم التسامح على الإطلاق مع الجناة ومحاسبتهم.
الجنس مقابل المساعدة
إن "ممارسة الجنس من أجل البقاء" هو إساءة استخدام للسلطة بين عمال الإغاثة الإنسانية في المنظمات غير الحكومية الدولية والسكان المحليين، وهو بالتأكيد أكثر أشكال الاستغلال الجنسي هجومية ويحدث في كل مكان.
يكشف تقرير رسمي "أصوات سورية 2018" Voices of Syria 2018 أن بعض النساء في مخيمات اللاجئين يجبرن على تقديم خدمات جنسية مقابل رزم المساعدات من موظفي الأمم المتحدة. وتخشى بعض النساء الذهاب إلى نقاط التوزيع لالتقاط رزم المساعدات بسبب الخوف من الاستغلال والاعتداء الجنسي.
وفقاً لمراهقة من منطقة بداما الفرعية في محافظة إدلب: "كلما قدّمت الفتاة لموزع المساعدات خدمات أكثر زادت المساعدات التي ستحصل عليها".
بوجود 13.5 مليون شخص في سوريا في حاجة إلى مساعدات إنسانية، فإن هذه الاكتشافات محزنة جداً. يتبع هذا التقرير بشدة في أعقاب تقارير عن سوء السلوك الجنسي ضد أعضاء أوكسفام العاملة في هايتي وتشاد، وفي أعقاب حملة #Metoo الأخيرة، أصبحت هذه القصص أقل مفاجأة.
ومع ذلك، هذه المشكلة ليست بالجديدة أو المنعزلة عن غيرها من المشاكل؛ لقد أفسدت الفضائح الجنسية قطاع المساعدات الإنسانية الدولية لأكثر من عشرين عاماً. على وجه الخصوص، تم الإبلاغ عن الاستغلال والانتهاك الجنسي تقريباً في كل المناطق التي تعمل فيها الأمم المتحدة.
في عام 2015، اتُهِم أفراد حفظ السلام الفرنسيون بإجبار الأطفال البالغين من العمر تسعة أعوام على تقديم الجنس مقابل الغذاء في جمهورية أفريقيا الوسطى. وكشف تقرير لاحق عن وجود أكثر من مئتي ضحية من ضحايا الاعتداء الجنسي في جمهورية أفريقيا الوسطى وحدها. وتشمل الادعاءات الاغتصاب والعنف الجنسي وتقديم المعونات مقابل خدمات جنسية ضد البالغين والأطفال على حد سواء.
المسائل الجنسانية في عمليات حفظ السلام
كثيراً ما يتم إرسال قوات حفظ السلام والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية إلى البلدان التي تمر بفترة ما بعد النزاع، بما في ذلك عدم الاستقرار السياسي والفقر الشديد والتهجير والصدمة النفسية الفردية أو المجتمعية. لدى النساء على وجه الخصوص قدرة محدودة على الوصول إلى المأوى والطعام والماء والملبس والمال.
إن وصول عمال الإغاثة وقوات حفظ السلام يمكن أن يوفر أملاً لأولئك الذين يعانون أكثر من غيرهم. فهم يتحكمون في الوصول إلى مخيمات اللاجئين وتوزيع حزم المساعدات المليئة بالأصناف التي يحتاجها السكان المحليون للبقاء على قيد الحياة من يوم لآخر.
إن المساءلة عن الاستغلال والانتهاك الجنسي ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم بما في ذلك ممارسة الجنس من أجل البقاء ضعيفةٌ بشكل مفجع (مواقع التواصل)
وعلى الجانب الآخر، هناك عقلية "المنقذ" حيث يمكن للعاملين في مجال حفظ السلام والعاملين في مجال الإغاثة أن يعتقدوا أنهم منقذو المجتمع المحلي الذي يخدمونه. ويمكن أيضا أن يكون السياق جنسانياً، لا سيما فيما يتعلق بحفظ السلام حيث أنه غالباً ذكورياً. وينتج عن هذه العوامل عزوفاً عن تطبيق معايير عدم التسامح.
يمكن أن تؤدي هذه الظروف إلى "التعايش"، حيث يرى العاملون في مجال المساعدات أن السكان المحليين مختلفون أو غير إنسانيون أو مستضعفون؛ وضمن هذا السياق يحدث الجنس من أجل البقاء.
في بلادٍ أجنبيةٍ.
إن المساءلة عن الاستغلال والانتهاك الجنسي ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم بما في ذلك ممارسة الجنس من أجل البقاء ضعيفةٌ بشكل مفجع. وغالباً ما تتمتع قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام وعمال الإغاثة بحصانة قانونية من النظام الإجرامي للبلد المضيف. إن أكثر ما تستطيع الأمم المتحدة القيام به وكذلك مقدمي المساعدات الإنسانية مثل أوكسفام هو طرد الجاني من عمله وإرساله إلى الوطن.
بسبب احتمالية أن يكون مرتكب الجريمة مواطناً أجنبياً، فإن الضحايا لا يتمتعون بالسلطة اللازمة لتحقيق العدالة الجنائية ضدهم (مواقع التواصل)
في بعض الأحيان، حتى هذا الإجراء البسيط مقارنة بالجريمة المفجعة لا يحدث؛ إذ يجب إجراء أي تحقيق جنائي وأي عقوبة محتملة فقط من قِبل البلد الذي ينتمي إليه الجاني. هنا في تكمن المشكلة، من غير المحتمل أن تحدث جريمة الجنس من أجل البقاء في موطن الجاني -غالباً ما يتم ذلك في البلاد التي يتم تقديم المساعدة لها.
بسبب طبيعة المقايضة في الجنس من أجل البقاء، يمكن في كثير من الأحيان أن يظهر على شكل الدعارة. إن تجريم ممارسة الجنس مع بائعات الهوى قد يجرَّم أو لا يجرَّم في البلد الأم، ولكن حتى لو كان كذلك، فإن هذا لا يستوعب الطبيعة الاستغلالية للبقاء على قيد الحياة والتعاطي الخاص للسلطة التي يحدث الجنس من أجل البقاء ضمنها.
يتم تبادل المساعدات المستحقة بالفعل للسكان المحليين مقابل ممارسة الجنس. والجنس من أجل البقاء الجنس يختلف عن البغاء، فهما ليسا الأمر ذاته بتاتاً.
ثقافة الاستغلال الجنسي
بسبب احتمالية أن يكون مرتكب الجريمة مواطناً أجنبياً، فإن الضحايا لا يتمتعون بالسلطة اللازمة لتحقيق العدالة الجنائية ضدهم. لا يتطلب القانون الدولي لحقوق الإنسان بعد من الدول تجريم ممارسة الجنس من أجل البقاء ويوفر حالياً حماية محدودة للضحايا.
كما يعاني الضحايا من تقلّص إمكانية الوصول إلى العلاجات؛ إذ لا تقدم الأمم المتحدة ولا خدمات المعونة الإنسانية تعويضات للضحايا عن أي نوع من الاستغلال والاعتداء الجنسي. في كثير من الأحيان يتم إحالة الضحية إلى وكالة أخرى للحصول على الدعم الطبي أو النفسي الاجتماعي.
عندما تدخلت وكالات الأمم المتحدة مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، اتُهِمت في بعض الأحيان بعدم الكفاءة الفادحة. والنتيجة هي ثقافة الاستغلال والاعتداء الجنسيين التي ترتكب دون عقاب.
محاسبة الجناة.
إذاً، كمؤيدين للمساعدات الإنسانية الدولية، كيف يمكننا الرد بشكل مناسب على مثل هذه المشكلة؟
أحد الخيارات هو الضغط على مقدمي المساعدات الإنسانية -مثل أوكسفام- لتغيير الثقافة الكامنة التي تشجع الاستغلال الجنسي. أو مساءلتهم على وضع أموالك -كمتبرع للمساعدات الإنسانية- جانباً لتقديم تعويضات وغيرها من العلاجات التي يحتاجها الضحايا أو الناجين. ومطالبتهم بالضغط على حكومات العالم لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم جنائياً.
في بحثي، أجادل بأن الجنس من أجل البقاء هو شكل من أشكال العنف ضد المرأة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. بالرغم من ذلك، لا توجد التزامات حالية على البلدان للاستجابة لممارسة الجنس من أجل البقاء. ونتيجة لذلك، ينبغي على الأقل لهيئات معاهدات حقوق الإنسان -مثل اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة "سيداو" CEDAW- معالجة هذه الفجوة في القانون وإلزام البلدان بفعل شيء ما في هذه القضية.
المصدر : الجزيرة - ميدان
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة