صقر قريش.. الشخصية الفذة لعبد الرحمن الداخل
كتب بواسطة علي خيري
التاريخ:
فى : تراجم وسِيَر
2279 مشاهدة
في هذه الأوقات المظلمة التي تعيشها أمتنا، نحتاج باستمرار إلى البحث والتنقيب عن شخصيات عظيمة ملهمة استطاعت على الرغم من المحن التي حاقت بهم وبدولهم تخطي هذه الظروف الصعبة وتخطي العقبات التي كانت ستكون أعذرا مقبولة للغاية لو أنهم تذرعوا بها، واتخذوها حججا لقعودهم وتكاسلهم عن الدفع في تغيير واقعهم المؤلم، ولكنهم في نفس الوقت كانوا سيظلون مجرد نكرات طوتهم الأيام فيمن طوت، ونسيهم الزمان فيمن نسى.
وشخصية صقر قريش عبد الرحمن الداخل من أبرز هذه الشخصيات، وهذا لما مرت به من أزمات ومصائب كانت كل واحدة فيها كفيلة بتدمير حياته وإعاقة مسيرتها دون أن يجد من يلوم عليه أو يتهمه بالجبن أو التخاذل، ولكنه لم يتوقف أو يتردد، ولقد بهرتني هذه الشخصية لذلك بحثت عن كتاب يحكي قصته ويشرح كيفية تخطيه لكل العقبات التي اعترضت مسيرته، إلى أن وفقت لكتاب (صقر قريش) للكاتب على أدهم.
وكتاب صقر قريش للكاتب علي أدهم، من أفضل الكتب التي تكلمت عن شخصية عبد الرحمن الداخل، ذلك الرجل الفذ الذي أطلق عليه عدوه اللدود أبو جعفر المنصور لقب صقر قريش، وقد استطاع علي أدهم في هذا الكتاب صغير الحجم عظيم القيمة، نقل تفاصيل حياة عبد الرحمن الداخل العجيبة الملهمة، بداية من انتهاء الدولة الأموية التي ينتمي إليها عبد الرحمن، والمطاردة التي تعرض لها بني أمية، ثم إدراك جنود الدولة العباسية للبيت الذي يسكنه، ومحاولته للفرار هو وشقيقه، وذبح شقيقه أمام عينيه.
الكتاب يستمر مع عبدالرحمن الداخل في فراره إلى أخواله بالمغرب، ثم الدخول إلى الأندلس المليئة بالاضطرابات الدموية بين العرب القيسية واليمنية بالأندلس، وصراعاتهم الرهيبة على السلطة، وتخطي عبدالرحمن الداخل لكل المؤامرات التي حيكت ضده، وخوضه للعديد من الحروب إلى أن استطاع توحيد الأندلس تحت سلطته. وقد ذكر الكتاب فيما ذكر نجاح عبد الرحمن الداخل في التصدي لمؤامرات الدولة العباسية ضده، ومحاولاتها لنزع ملك الأندلس من يد الداخل، وأوضح المغامرات المثيرة التي تخللت هذه المحاولات.
دخل الكتاب بنا بعد ذلك في مرحلة بناء الدولة الأموية القوية والتي استمرت طوال ثلاثة قرون، حيث أسس عبد الرحمن الداخل جيشا عملاقا من الموالي والبربر بلغ 100 ألف مقاتل، وقد استعان بالموالي والبربر، لأنه لم يعد يأمن العرب لكثره المؤامرات التي حاكوها ضده، وقمع الثورات التي قامت عليه الواحدة تلو الأخرى، ثم أرهب شارلمان ملك الفرنجة حتى عز الإسلام في عهده، كما في عهد الرعيل الأول. وميزة الكتاب أنه يتطرق لكل جوانب شخصية عبد الرحمن الداخل خيرها وشرها، فالكاتب تعامل مع الشخصية بواقعية شديدة، وذكر الشخصية بشكلها الإنساني دون أن يرسمها لنا في صورة ملائكية ساذجة.
تعقيب
إذا أردت أن تعرف الشخصية الفذة لعبد الرحمن الداخل فليس عليك إلا السماع لرأي عدوه اللدود أبو جعفر المنصور فيه-والفضل ما شهدت به الأعداء-، من خلال الموقف القادم: جلس أبو جعفر المنصور يومًا في أصحابه، فسألهم: أتدرون من هو صقر قريش؟، فقالوا له: أمير المؤمنين الذي راض الملك، وسكّن الزلازل، وحسم الأدواء، وأباد الأعداء.
قال: ما صنعتم شيئًا، قالوا: فمعاوية، قال: ولا هذا، قالوا: فعبد الملك بن مروان، قال: لا. قالوا: فمن يا أمير المؤمنين، قال: عبد الرحمن بن معاوية الذي تخلّص بكيده عن سنن الأسنة، وظُبات السيوف. يعبر القفر، ويركب البحر، حتى دخل بلدًا أعجميًا، فمصّر الأمصار، وجنّد الأجناد، وأقام ملكًا بعد انقطاعه بحسن تدبيره، وشدة عزمه، إن معاوية نهض بمركب حمله عليه عمر وعثمان، وذللا له صعبه، وعبد الملك ببيعة تقدمت له، وأمير المؤمنين بطلب عترته، واجتماع شيعته، وعبد الرحمن منفردًا بنفسه، مؤيدٌ برأيه، مستصحبًا عزمه. صقر قريش عبد الرحمن الداخل حجة في وجه كل من يقول ماذا أفعل وأنا وحدي، ولكل من تذرع بصعوبة الظروف وقوة العدو وضعف الحال، لينجرف في تيار اليأس، ويذهب ضحية انعدام الطموح وقلة الأمل.
المصدر : مدونة الجزيرة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن