حكم الإفطار بدعوى سوء الخلق
التقيت منذ يومين برجلٍ في مكان وهو يأكل في رمضان نهاراً، فتطفلت غَيْرة مني على حرمة الصيام وسألته: يا أخي لماذا لا تصوم؟.فأجابني قائلاً: إنني يا أخي ذو علاقة وتعامل مع كثير من الناس ولا أستطيع إلَّا أن أسبَّ بعضهم أو أقاتله، وهذا لا يليق حصوله من صائم، وهذا ما يضطرني ويحملني على ترك الصيام. فما حكم هذا الرجل، وهل يصح ما قال عذراً له؟.
- إنَّ فاحش القول هو معصية بذاته لا يجوز للمسلم أن يصدر منه، ولو في غير رمضان، فليس هذا اضطراراً يسوغ الإفطار، بل هو معصية أخرى تضاف إلى المعصية الكبرى من إفطاره في رمضان جهلاً وضلالاً وهو صحيح الجسم معافى قادر على الصيام.
ولو أنَّ هذا الرجل صام واتقى ربه، وعاش نهاره في جو الذكرى والتفهُّم لمعنى الصيام لوجد في صيامه خير مطيِّب لنفسه، وأفضل رادع عن فاحش القول، فالصيام يحمله على تحسين خلقه بدلاً من أن يكون سوء الخلق وفاحش القول دافعاً إلى ترك الصيام، يزيد به الذنب ذنباً، بل يجرُّ بالذنب الأصغر جُرماً أكبر.
فالصوم وقاية من الفواحش كلها، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم «الصِّيَامُ جُنَّةٌ" أي: هو كالدرع والتّرس وقاية للصائم من الوقوع في الآثام، ثم قال صلى الله عليه وسلم «فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ» أي: لا يتكلم بفاحش القول من الكلام في الأمور الجنسية أو السباب والمشاتمة، ثم قال صلى الله عليه وسلم «وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» البخاري.
ثم هنا أمر مهمٌّ يجب التنبيه إليه، وهو أنَّ الكلام الفاحش - وإن كان ممنوعاً شرعاً وحرمته على الصائم أشد - لا يفسد به الصوم، بل هو معصية مستقلة، فإذا فحش الصائم في كلامه بلسانه لا ينتقض بذلك صومه من حيث إنه فريضة يؤديها، وإن كان مذنباً بفاحش القول، وذلك كمن يصوم ولا يصلي مثلاً أو يظل جُنُباً طوال النهار، فإنّ تَرْكه للصلاة معصية كبرى ولكنها لا ارتباط بينها وبين الصيام صحةً وفساداً، فصيامه صحيح وإن كان مرتكباً معصية من أكبر المعاصي بترك الصلاة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم إنها «عماد الدِّين».
ثم إني أتوجَّه إلى مثل هذا الرجل بموعظة لعلها تفيده وتفيد أمثاله، أنبهه إلى أنَّ كثيراً من الناس المبتلين ببعض المعاصي حتى من يشربون الخمر، نراهم يقلعون في شهر رمضان عن عادتهم متخذين منه فرصة للأَوْبة إلى الله ولو في هذا الشهر فقط، لعل الله يجعل من احترامهم للشهر حسنة يُذهب بها عنهم بعض السيئات كما يقول تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات}، حتى إنَّ أناساً من المدخّنين يتركون الدخان في شهر رمضان ويرونه فرصة ووسيلة للتقليل من ضرر عادة التدخين، وهذا من شأن العقلاء.
فلو اقتدى أخونا هذا - الذي يترك الصيام لكي يستطيع الاستمرار في فاحش القول والسباب والشتائم - بهؤلاء العقلاء؛ فاتخذ من رمضان فرصة يصوم فيها عن الآثام اللسانية انسجاماً مع العبادة التي يعيشها لكان هذا خيراً له وأجدى عليه، ولعله بعد ذلك يصبح حفظ اللسان وحسن الخلق عادة له بفضل رمضان الذي هو مدرسة نفسية أخلاقية للمؤمن المتعبِّد لربه.
المصدر : رابطة العلماء السوريين
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة