صوني حجابك
كتب بواسطة نورا عبد الغني عيتاني
التاريخ:
فى : شباب بنات
1557 مشاهدة
وصلني قبلَ مدّة مقطعٌ قصيرٌ من مقابلةٍ أُجريَت مع فنّانةٍ شهيرةٍ اعتزلت فنّ التمثيل منذ بضع سنوات، بعد أن هداها اللهُ ومنّ عليها بارتداء الحجاب، وكانت الفنّانة المحجّبة في تلك المقابلة لم تعتزل التمثيل بعد.. وقد دار بينها وبين مقدّم البرنامج النصرانيّ حوار شيّق أثارَ إعجابي، فأحببتُ أن أشارككُم إيّاه..
ابتدأت الممثّلة كلامها قائلة: لقد مضت أربع سنواتٍ على استكمالي لمهنة التمثيل بعد ارتدائي للحجاب، حوّلتُ حجابي لطرحة.. بمعنى أنّ الحجاب لم يكن بالنسبةِ لي مجرّد أن ألفّ شعري وأخبّئه فحسب، فالحجابُ حجاب.. حينَ أقومُ بتصوير مسلسلٍ ما يقتضي أن يقومَ فيه رجلٌ بإمساكي، ثمّ أقوم أنا بدوري بدفعه ثمّ إمساكه، وما إلى هنالك.. إنّ هذا الأمر غير مقبولٍ في الشرع، إذ إنّه من غير المقبولِ في الشرع أن تُمسَك محجّبةٌ، أو أن تمسِكَ برجلٍ ليس من أحد محارمها.. وقد تكرّرت عليّ المشاهد من هذا النوع، وكلّ هذا الكلام غير مقبول ولا يناسب الحجاب بالمرّة.. وبسبب تحفّظي عن تصوير مشاهد من هذا النوع بعد التزامي بالحجاب، فقد اضطررتُ إلى الاستعانة بمساعدة بديلة، لتقوم بتأدية الدور عنّي، حيث كان من المفترض أن يمسك بي رجال الأمن.. المقصد من كلّ ما أقوله هو أنّي قد أعدتُ حساباتي كلّها.. أنا امرأة صريحة جدًّا مع نفسي ولا أحبُّ أن أكذبَ على نفسي، ولا أن أتصنّع في أيّ شيء. أنا لستُ قادرة على استكمالِ مهنةِ التمثيل بالحجاب، لأنّ الفنّانَ الذي في داخلي يريدُ أن يؤدّي المشاهدَ كما يجب، يحتّمُ عليَّ أن أحفظَ دينهُ وأحفظَ حجابي، وأحفظَ الخطوةَ التي أكرمني بها سبحانه وتعالى، لذا فأنا أعيشُ صراعًا كبيرًا جدًّا جدًّا.
ولمّا سألها المقدّم عمّا إذا كان هناك احتمالٌ لاعتزالها، أو إعلانها قرار الاعتزال في هذه الليلة بالذات أو بالفترة القريبة، أجابته بكلِّ عفويّةٍ وصدق: أتمنّى أن يكون عندي القوّة والجرأة لأقوم بهذه الخطوة، بل وأنا أرى أنّي قد قمتُ اليومَ بخطوةٍ هامّة، حيث تمكّنتُ من إخراجِ هذا الكلام الذي في جوفي، وجعلتهُ يصل لأذني فتسمعه، وأعلنتهُ على الشاشة، وهذا الأمرُ قد أراحني كثيرًا.. وأنت بسؤالك هذا جعلتني قادرة على النظر في مرآة نفسي وسؤالها بوضوح: هل أنتِ على حقّ؟ لو رآكِ ربّ العالمين، وهو الذي ينظرُ إلينا في كلّ آنٍ وكلّ حين، ويرانا طيلةَ الوقت.. فلو رآك في مشهد من مثل هذه المشاهد التي يقوم فيها أحد الرجال الغرباء بإمساككِ، كيف سيكونُ حالكِ؟ وحين تُعرض أعمالك أمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنتِ واحدة من نساء أمّته، ماذا سيكون موقفكِ؟ إنّها حالةُ فصام تلك التي أعيشُ فيها الآن.. إننّي أريدُ كلّ شيء.. أريدُ أن أكون ممثّلة ناجحة، وأريدُ أن أحارب هنا، وأحارب هناك.. وأريدُ الله وأريد كذا وكذا.. لا يقدرُ أحدٌ أن يملكَ كلّ شيء. يجب أن نكونَ واضحين، أنا أريدُ الله.. ((ألا إنّ سلعةَ اللهِ غالية)).. ستحتاجُ تضحية، وتضحية كبيرة جدًّا جدًّا.. وصدقًا كبيرًا جدًّا، وكلمةَ حقٍّ لا بدَّ أن تُقال، وإذا لم أستطع أن أقولها، فأنا أعتقدُ بأنّي لا أستحقُّ هذا الحجاب الذي أرتديه.
قال لها المقدّم: أعتقدُ أنّكِ لو أكملتِ الطريق بهذا الثبات وهذا الإيمان، فإنّ الإجابةَ ستأتي من الأعلى.
فأجابتهُ بشوقٍ وتمنٍّ: يا ربّ.. ولسانُ حالها يقول: هذا ما أرجوهُ بالتحديد.
قال لها: انتهى الوقت، ولم أعد أريدُ أن أسألَ أيّ سؤال.. هذا يكفي، فالذي قلتهِ يلغي كلّ الأسئلةِ التي يمكنُ أن تُطرَح.. لأنّ هذه الصراحة تكفي، وقدرتكِ الفائقة هذه على استجواب ذاتكِ، واستنطاقها، وقول ما لكِ وما عليكِ، على الشاشة أمام الملأ، وعلى مرأى الملايين من الناس.. أعتقدُ أنّ كثيرًا من الناس في العالم العربي لديهم مشكلة في إعلان أمورهم الصغيرة أمام الآخر في محيط أسرهم الخاصّة، فكيف بهم أمام شاشة التلفاز؟
فقاطعته الفنّانة معقّبة: أنا أريدُ أن أقولَ لكَ شيئًا أخطر من هذا بكثير.. حين تجلسُ صبيّةٌ لتشاهد أحد مسلسلاتي، وأنا بالنسبةِ لها أمثّل القدوة.. ماذا ستكونُ النتيجة؟ أنا أودُّ أن ألغي فكرةَ القدوةِ يا سادة، مع احترامي للجميع.. أعيدوا الأمور لأصلِها.. إنّ الأصلَ يقول أنّ القدوة عند المسلمين هو سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم وزوجاتُه، كما أنّ القدوة عند المسيحيين هي السيّدة مريم العذراء عليها السلام.. فأنا لو كنتُ صبيّة من إحدى الصبايا، ورأيتُ هذه الفنّانة المحجّبة، ورأيتُ ما تفعل في مشاهدها التمثيليّة، فسأقولُ ما شاء الله، هذه فنانة ومحجبة ولباسُها جميل، وهي تمسك بالرجل، والرجل يمسك بها.. إنّ صبيّة مثل هذه لن تمانع بعد هذا أن يمسك بها زميلها في الجامعة، ولن يكون بمقدورها أن تقول له بعد ذلك: احذر، فأنا فتاةٌ محجّبة، وليس من المسموح أن تلمسني أو تمسك بي. وهذا الأمر خطير جدا، لأنّهُ ليس ككلام شيخ أو عالم يقفُ على منصّة ويقومُ بإلقاء خطبة جمعة يسمعها الملايين عبر الفضائيات، بل الأمر أخطر من هذا بكثير، فإنّ الأفلام تدخلُ في أعماقِ المُشاهد وتستقرُّ بها بشكلٍ فظيع.
ولمّا رأى منها المقدّم كلّ هذا الصدق والوضوح والحماس، سألها: طالما لديكِ كلّ هذا الوضوح مع نفسك، لمَ لا تعتزلين؟
فأجابتهُ بصراحةٍ بالغة ووضوحٍ تامّ: لأنّ شهوةَ الدنيا لازالت في قلبي.. لأنّي متأرجحة.. أنا أقول في نفسي: أنا أحبُّ التمثيل جدًّا.. لا، بل أنا أريدُ أن أوصلَ رسالة لكلّ من في الوسط الفنّي، مضمونها أنّ خطوة الحجاب ليست صعبة، وأنّها لن تقلّل من رصيدكم شيئًا. يعني يا فلانة، إنّكِ لو ارتديتِ الحجاب فلا تعتقدي أنّ أسهمكِ في التمثيل والفنّ ستنخفض وتهبط، وها أنا أفضل مثال على هذا، وها أنا ما زلتُ أؤدي أدوارا وأقوم ببطولةِ مسلسلات باسمي، لها كثير من المتابعين، والإعلانات، والقنوات، والدعم، إلخ...
فكانت خاتمةُ الحوار من المقدّم الذي بدا منبهرًا بكلام الممثلّة، والذي لم يستطع أن يخفي إعجابه بأفكارها وصدقها وصراحتها البالغة: لو كانت كلّ النساء اللواتي يتحجّبنَ مثلكِ، فلن ينظرَ أحدٌ إلى الحجاب، بل سينظرونَ إلى ما يرتعُ تحت هذا الحجاب.. سينظرون إلى ما يقطنُ هنا في الداخلِ (وأشارَ إلى رأسه )، سينظرون إلى دماغكِ، وفكركِ، وأسلوبكِ بالحوار.. أنا سعيدٌ جدًّا بمعرفتك، وقد تشرّفتُ بكِ!
هذا باختصار كان مضمون المقطع الذي وصلني، وقد فضّلتُ الامتناع عن نشره لأنّ الفنّانة كانت متبرّجةً في حينها، وقد تخلّت عن هذا كلّه الآن بفضل الله.. وليس من عادتي في الحقيقة أن أُعجب بحوارات الفنّانين، ولا أن أتابعها، فقد اعتزلتُ التلفاز منذ زمن طويل، ولم أعد أتابع إلاّ قليلًا من الرسوم المتحرّكة مع أطفالي.. وكنتُ في الحقيقة على وشكِ إلغاء المقطع قبل رؤيته، لولا أنّ شيئًا في الداخل دعاني لفتحه والاطلاع عليه، سيّما أنّ المقطع كان مُعنونًا بالحجاب.. فأحببتُ إلقاء نظرة سريعة عليه، وأعجبتُ بفكر صاحبته وصدقِها ووضوحها، واحترمتها فعليًّا..
وخلصت من المقطع بفوائد وعبرٍ عدّة، قمتُ بتلخيصها لكم كما يلي:
أوّلًا: إنّ فريضةَ الحجاب لا تقتصرُ على كونها مجرّد غطاءٍ للرأس، تخفي به المرأة شعرها، وانتهى الأمر، بل الأمر أوسع من هذا بكثير. فحجابُ المرأة، عنوانٌ عريضٌ يحكي عن مبادئها، وقيمها، وثوابتها التي لا تتخلّى عنها.. وحجابُ المرأة هويّتها التي تشيرُ إلى كونِها مسلمة، وهذا العنوان يحذّرُ كلّ من يريدُ أن يقتربَ منها، أو يمسّها بسوءٍ، أو أن يتخطّى حدوده في التعامل معها، أن احترس، فأنا محجّبة، وهذا الحجابُ أوسعُ من أعضائي بكثير، فهو يتخطاها، ويصلُ إلى مبادئي شتّى، ويرسمُ شخصيّتي، ويروي سيرتي، ويحدّد توجّهاتي، ومعاملاتي، وكيفيّة تصرّفي وتفاعلي مع المجتمع الحيّ المتحرّك عامّةً، أيًّا كان نوع هذا المجتمع، وأيًّا كان الدورُ الذي أؤدّيه فيه.. إنّ هذا الحجاب، يعيدُ طرحَ حساباتي كلّها، ويجعلني أعيد النظر في خططي وأهدافي وغاياتي كلّها، ورسالتي في الحياة، ونظرتي إليها، ويتطلّب منّي تضحيةً قد تبدو خسارةً في ظاهرها، إلاّ أنّها هي الربحُ الأكيد الذي لا خسارة فيه، فهو الخطوة التي ستضمنُ دخولي الجنة والفوز برضوان الله..
فكما أنّ الصلاة الصحيحة هي تلك التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، فإنّ الحجاب الصحيح هو ذاك الذي ينهى المسلمة عن كلّ معصيةٍ وحرامٍ وتجاوزٍ للحدود، وهو الذي يشكّل لها مانعًا وعازلًا قويا يمنعها من ارتكاب الآثام والأخطاء التي قد تراها صغيرة وبسيطة فيما لو كانت لا تحملُ هذه الهوية التي تمثّل إسلامها وتجلّيه للملأ.. فالحجابُ هو الوقاية والمناعة للرجل والمرأة على حدٍّ سواء.
ثانيًا: أنّ على كلّ مسلمٍ أن يكونَ واضحًا مع نفسه، صريحًا معها، وأن يقيم معها هذا الحوار الصادقَ والبليغ، الذي لا يضحك فيه المرء على نفسه ولا يخدعها.. على كلّ امرئ منّا أن يخرج عن هذا الفصام الذي يعتري كثيرا من المسلمين في أيامنا هذه، حيث العناوين والظواهر تتعارضُ مع مضمونها.. فليست العبرة بالأسماء ولا المظاهر فحسب، مع كلّ ما للمظهر في الإسلام من أهميّةٍ وضرورة، لأنّه يمثّل الطاعة لله والاستسلام لأوامره، أيا كانت ومهما كانت.. إلاّ أنّ المظهر ينبغي أن يكون مرتبطا دائمًا بالمضمون، وألا يفترق عنه قيد أنملة، وينبغي للمضمون والتصرفات أن تكون ترجمة حيّةً لرسالة الحجاب، بشكلها الكامل المتكامل، وبهذا، تكون المرأة المسلمة، بحجابها، مثالا حيًّا وقدوة يقتدى بها، فلا تضلُّ ولا تخدع من يراها، ولا تتسبّبُ بالإساءة إلى هذا الدين الذي تدعو إليه بشكلها الواضح الصريح، الذي يشير إلى خلفيتها وثقافتها الإسلاميّة، والتي قد تتضرّرُ فيما لو أساءت إليهِا بموقفٍ أو سلوكٍ أو حوارٍ أو مشهدٍ، أو أيٍّ كان..
فالحجابُ كما قالت الفنّانة هو حجابٌ بالمطلق، وهو ليس مجرّد غطاءٍ للرأس فحسب.. بل هو سلسلة متكاملة من الالتزامات، وعقد متراصّ من الجواهر التي إذا انفرطت إحداها، انفرط العقد بأكمله، ولم يعد هناك من داعٍ لارتداء هيكله الفارغ، الذي لن يؤدّي دوره الذي وضع له.. فالأمور في الإسلام وكلّ القضايا، تؤخذُ كاملةً متكاملة دون إنقاص، ولا يمكن ترك شيءٍ وأخذ شيءٍ حسب الهوى، وكما قيل: (خذوا الإسلامَ جملةً أو دعوه). فأنتِ أمرتِ بالحجاب، هذا يعني أن تلتزمي بكلّ ما يناسب المرأة المحجبة، وأن تحترمي حجابكِ الذي يمهّد لترجمةٍ وتعريفٍ حيٍّ عن المرأة المسلمة في أيّ مكان تتوجهُ إليه، فحاولي أن تعطي صورةً رائعةً مشرقة، وأن تكوني مثالًا يُحتذى به، لتشجّعي من حولكِ للقيام بهذه الخطوة التي تحفظُكِ وتحفظ المجتمع وتضمنُ استقرارهُ وحمايته.
ثالثًا: أنّ الإنسان الصادق والمخلص، الذي يعترفُ بأخطائه، هو الوحيدُ القادر على إصلاح هذه الأخطاء والوصول إلى حلٍّ ملموسٍ لها. فها هي هذه الفنّانة المحترمة تعلن اعتزالها للفنّ، وتركها للمحيط كلّه بعد مدّة وجيزة من استضافتها في هذا البرنامج، وها هي بحمد الله وفضله، قد منّ الله عليها بحياةٍ رائعةٍ جليلة، تصبُّ فيها جام اهتمامها وعنايتها على أسرتها وأبنائها وتربيتهم على أسسٍ إسلاميّةٍ قويمة لا ترضى بالدون، وترتاح من كلّ ما عليها من التزاماتٍ فنيّةٍ وتجاوزاتٍ وسقطاتٍ تسبّبت لها بكلّ هذا الصراع، الذي لا بدّ أن يشعر به أيّ إنسانٍ مسلمٍ صادقٍ سليم الفطرة، لا يرضى بالازدواجيّة، ولا التناقض، ويرفض الوقوع في شراكِ الظاهريّة، والرياء، والدين الصوَري الظاهريّ الفارغ من مضمونهِ وحكمته.
رابعًا: وهي الرسالة الأهمّ والأروع التي وصلتني من هذا المقطع، ألا وهي أنّ المسلم الذي يصدقُ مع نفسه، ومع الله، والذي يخشى الله حقًّا، ويحاول أن يطيعه بكلّ ما أوتيَ من إمكانات، والذي يبذلُ في سبيل هذا كلّ ما في جعبته من تضحياتٍ، لقاء نيل رضا الله، وتحقيق طاعته، والتسليم لأوامره بالكامل.. إنّ مسلمًا كهذا لا بدّ أن يترك أثرًا عميقًا في قلوبِ العالمين، المسلمين منهم وغير المسلمين، وإن لم يُظهروا هذا جميعًا ويعترفوا به علنًا.. وها هو المقدّم النصرانيّ خير دليلٍ على هذا، وهو يبدي احترامه وتشرّفه بالفنّانة المعتزّةِ بإسلامها وحجابِها، وثوابتها ومبادئها، ويثني على صدقها وصراحتها ووضوحها مع نفسها، ويُعجَبُ بأفكارها وحوارها الرائع، بل ويتمنّى أن تكون كلَّ المحجّبات بهذه العقليّة وهذا الفكر المبهر..
والأمرُ الذي لفت نظري فعلًا في المقطع، هو استنتاجٌ آخر يستخلصهُ المشاهدُ منه.. بأنّ الإنسان بشكلٍ عامّ، أيًّا كان دينه، ومهما كانت خلفيّته، يحترمُ الإنسان الزاهدَ في متاعِ الدنيا، الطالب لما عند الله.. وهذا ما جعلني أتذكّرُ حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الذي يقول: ((ازهد في الدنيا يحبّك الله عزّ وجل، وازهد فيما في أيدي الناس يحبّك الناس)).. فعلًا والله، فإن شعر الناس أنّك زاهدُ فيما بين أيديهم، متخلٍّ عن أطماع الدنيا وملذّاتها المحرّمة، منعتقٌ من سرابها وأوهامها وبريقها الخادع، متوجّهٌ بكليّتكَ إلى الله، سيحترمونك، وسيطمئنّون إليك، وسيصدّقون أقوالك، وربّما تكون أنتَ بنفسكَ سببًا لهدايتهم دون أن تعي ذلك أو تقصده، لمجرّد كونكَ تؤدّي الرسالة كما ينبغي، وتطبّقُ ما أُمرتَ به على أكمل وجه.. وهذا بالتحديد هو المقصد والغاية من وراء كوننا أمّةً وسطًا، عدلًا، تبلّغ الرسالة، بالفعل قبل القول، وتدعو إلى اللهِ بصدقٍ وإخلاصٍ واقتداءٍ بالرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، الذي سيشهدُ لها يومَ القيامة.. قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكونَ الرسولُ عليكم شهيداً) البقرة: 143.
صدقًا، لو تحلّت كلّ مسلمة منّا، وكلّ محجّبة بهذا التفكير، وجرّبت أن تكون أكثر صدقًا مع نفسها ومع الله، لكُنّا اليوم في أفضل الأحوال، ولصار للمسلمين شأنٌ آخر في بلداننا العربيّة، بل وفي بقاعِ الأرض أجمع. لكنّها شهوة الدنيا كما قالت الممثلة، هي التي سحرتنا، وأخذتنا ببريقها، وألهتنا بسفاسفِ الحياة وقشورها، وزينتها الخادعة العابرة.. وكلّنا لديهِ شيءٌ من هذه الشهوة الخفيّة في جهةٍ ما من جهاتِ نفسهِ، والبطولةُ تتجلّى في اعترافنا بهذا الأمر، ومن ثمّ تخلّينا عن آخرِ أثرٍ من آثار هذه الشهوة الخفيّة، متمثّلة في الموهبة، أو الهواية، أو المهنة، أو الرسالة التي خُلقَ كلٌّ منّا ليؤدّيها كما أراد الله..
فلنكن على قدر الرسالة، ولنحاول جاهدين أن نؤدّي رسالتنا بكامل الأمانةِ والصدقِ والوضوح والإخلاص، ولنوظّف ما لدينا من مواهب وعطايا من الله تعالى لخدمة هذا الدين العظيم، ليبارك لنا الله في حياتنا وأعمالنا، ويجعلها تؤتي أكُلها وثمارها ولو بعد حين..
فاللهمّ اجعلنا مسلمين لكَ كما تحبُّ وترضى، طائعين بكليّتنا، خاضعين لأوامرك، مستسلمين لدينك، طالبين لوجهكَ الكريم فحسب، واجعلنا ممّن جعلتَ لهم قدم صدقٍ لديك، وطهّر قلوبنا من شهوةِ الدنيا، وألهمنا رشدنا، وقنا شرّ أنفسنا، واجعلنا نعبدكَ كأنّا نراكَ أبدًا ما حيينا...
المصدر : الألوكة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!