مشكلة السُمنة وحلول ثبت فشلها
كتب بواسطة د. عاصم منصور
التاريخ:
فى : الحياة الصحية
1485 مشاهدة
يعتبر موضوع السُمنة من أكثر المواضيع التي تشغل الرأي العام على مستوى الأفراد والحكومات ،لما لها من تأثير صحي ونفسي واجتماعي على الأفراد ،واقتصادي يرهق الحكومات ،وينهك الأنظمة الصحية.لذلك نرى الحكومات تتسابق في وضع خطط لمواجهة هذه المشكلة،ولا تكاد تخلو وسيلة إعلامية من برامج حول مشاكل السمنة ،وحلول مقترحة لعلاجها ،كما تتسابق الشركات والمؤسسات إلى طرح برامج للحمية ،وأغذية وأدوية وأجهزة رياضية تزعم نجاعتها في إنقاص الوزن ،تجني منها أرباحا طائلة ,لكن جميع هذه الخطط والبرامج والمنتجات ،لم تفشل في التخفيف من المشكلة فحسب بل إن المشكلة قد تضاعفت ضعفين على الأقل في معظم الدول ،وهي في تزايد مطرد كما تشير الدراسات.
كما تجدر الإشارة إلى أن النظام الصحي قد خذل هذه الفئة من المجتمع من خلال إصراره على تجاهل حقيقتين مهمتين اثبتتهما الدراسات منذ ستينيات القرن الماضي : الحقيقة الاولى :أن جميع برامج الحمية بلا استثناء قد فشلت بامتياز في حل المشكلة ،فمن بين 95 - 97 ٪ من الذين خضعوا لأي من هذه البرامج قد عادوا الى أوزانهم السابقة ،لا بل وزادوا عليها ،فالجسم الذي يفقد 3٪ من وزنه ،يقل حرقه للطاقة بنسبة 17 ٪، فالجسد الجائع يستجيب بزيادة افراز هرمونات تخفض من حرارة الجسم الداخلية ،حتى يعود إلى وضعه السابق .
والحقيقة الثانية ؛ أن السمنة لا تترجم بالضرورة إلى مشاكل صحية ،صحيح أن الأشخاص الأكثر بدانة يكونون أكثر عرضة للإصابة بالكثير من الأمراض في المعدل، لكن المعدل لا ينطبق بالضرورة على كل الحالات ،فأكثر من نصف المصابين بالسمنة لا تظهر عليهم الأمراض المرتبطة تقليديا بالسمنة (metabolic syndrome) كارتفاع ضغط الدم والكوليسترول وضعف الاستجابة للأنسولين ، وفي المقابل نجد أن ربع قليلي الوزن مصابون بهذه المتلازمة ,فهناك بعض القياسات الأكثر دقة لتحديد اللياقة الصحية من الوزن كما تشير الدراسات ، مثل كمية تناول الخضار ،وساعات ممارسة الرياضة ،وقوة قبضة اليد وغيرها.
لعل المشكلة تكمن في أن الطالب في العلوم الطبية والصحية يمضي ساعات قليلة من سنوات الدراسة في التعرض لمواضيع السمنة والتغذية ، فإذا ما خرج إلى الحياة العملية للتعامل مع هذه المشكلة ، يكتفي بنصائح عامة ، مبنية على أحكام مسبقة غير مستندة إلى أرضية علمية صلبة . وربما يزيد على ذلك النظرة السلبية لدى البعض عن المريض السمين ، وتحميله مسؤولية سمنته ، وربطها بضعف الإرادة والأنانية ، وقد يصاحبها تقريع وإحراج وربما تعنيف ، ظنا منهم أن هذا الأسلوب قد يكون دافعا للمزيد من الجهد في إنقاص الوزن ، ونتيجة لذلك يتجنب هؤلاء التطرق لموضوع الوزن وربما يحجمون عن زيارة الطبيب ، مما يحرمهم من فرصة الكشف المبكر عن بعض أنواع السرطان على سبيل المثال ،كما أظهرت الأبحاث .
وإذا ما حاول الشخص السمين أن يتناسى مرارة التجربة في عيادة طبيبه ، يذكره المجتمع بسمنته ، فالأشخاص السمينون هم الأكثر عرضة للمضايقات والتعليقات الجارحة والتنمر وغالبا ما يكونون محورا للفكاهة والتندر ، وحتى المتعاطفين معهم تجدهم يمطرونهم بوابل من عبارات الشفقة التي تشعرهم بالدونية .
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد ، فالعائلة والمقربون يكملون المهمة ، يتناوبون على تقريعهم وتوجيه اللوم لهم، من باب الحب والحرص على صحتهم , وربما يكون هذا أشد غضاضة على القلب ، أما وسائل الإعلام فترسم لهم صورة نمطية سلبية ، فالشخص السمين في نظرها هو شخص كسول ، وبليد وموضوع للنكات السمجة .
أمام هذا الفشل على كل المستويات هناك بصيص أمل من خلال إجراءات ثبتت نجاعتها لكنها لم تعط الفرصة الكافية ، فعلى الحكومات وأصحاب القرار التركيز على العمل للحد من السموم التي تمتلئ بها أغذيتنا والتي تنفق الشركات أموالا طائلة للترويج لها بدلا من طرح شعارات فارغة كالحرب على السمنة ، دون نتائج تذكر وعلى المنظومة الطبية أن تغير نظرتها للسمنة وطرق التعامل مع اصحاب الأوزان المرتفعة ،عن طريق إعطاء نصائح محددة حول الأكل الصحي وممارسة الرياضة والتشجيع والاهتمام بالجانب النفسي من خلال تحسين النظرة إلى النفس وزيادة الثقة بها ،والبعد عن النصائح العامة . قد لا يؤدي هذا إلى إنقاص الوزن بالضرورة ولكن إلى تعزيز اللياقة والنشاط والتركيز على الجانب الصحي بعيدا عن الأرقام التي تظهر على جهاز قياس الوزن ، أما المجتمع والعائلة فيجب أن يتقبلوا هؤلاء الأشخاص كما هم ، مع إظهار التشجيع والدعم ، بعيدا عن إظهار الشفقة ،وإعطاء المواعظ .
المصدر : موقع الغد
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة