ماذا يعني أن تفقد أباك وأمك
كتب بواسطة راجي سلطاني
التاريخ:
فى : بوح الخاطر
3110 مشاهدة
الأب والأم شيئان عظيمان في الحياة، لا يستطيع الإنسان مهما حاول في وصفهما أن يفي بحقهما.
واللغة قد وضعها الإنسان لتعبر عن المعاني التي تجول بعقله والأحاسيس التي تنبض بقلبه والخيالات التي تلوح لروحه، فتُوفّي اللغة في التعبير والإحاطة في أحيان، وتعجز عن ذلك في أحيان أخرى.
والمعاني والأحاسيس التي للأب وللأم هي من هذه النوعية الأخيرة، التي تعجز اللغة عن الإحاطة بها تمام الإحاطة، وليس لها إزاءها إلا محاولة التقريب.
أتدرون ما معنى أن يفقد الإنسان أباه وأمه، معنى ذلك ما يلي:
أن يفقد أعظم الحب وأخلصه، فأعظم حب في هذه الحياة هو حب الأب والأم لأولادهما، وليس هناك حب يعدل ذلك أو يقاربه، لا حب الزوج ولا حب الصاحب ولا حب الأخ، حتى حب الإنسان لأبيه وأمه لا يساوي شيئا أمام حبهما له.
حالة خاصة من الحب، حب فطري جبلّي من غير انتظار أي مقابل.
قال أحدهم يوما في المقارنة بين حب الأم وحب الزوجة: الأم تحبك على جميع أحوالك، في صحتك وفي سقمك، وفي غناك وفي فقرك، حتى أنها تحبك في أشد لحظات إساءتك لها. أما الزوجة فحبها مرهون بصحتك وغناك، فلو ابتلاك الله بمرض لا شفاء منه فإن الزوجة تصل بعد حين إلى حالة من التأفف، وربما تتمنى الموت لك من أجل خلاصك وخلاصها، أما الأم فإنها ترغب في حياتك إلى آخر مدى، ولو بقت تخدمك إلى أبد الدهر.
ولو أسأت إلى زوجتك يوما فهي ممن يكفرن العشير ويقلن: ما رأينا منهم خيرا قط.
ولذلك، فالعجب كل العجب من أولئك الذين يحبون زوجاتهم عن آبائهم و أمهاتهم ويقدمونهن عليهم، ومن أولئك اللاتي يحببن أزواجهن عن آبائهن وأمهاتهن ويقدمونهم عليهم.
وأن يفقد أصدق الدعاء وأخلصه، فلن يدعو لك أحد في الدنيا بدعاء مشابه لدعاء الأب والأم، لأنه لا يحبك في الدنيا أحد مثلهما، ولذلك فدعاء الأم والأب للابن هو داعم كبير له في حياته، وكما قيل: عندما تموت الأم ينادي المنادي ( يا ابن آدم ماتت التي كنا نكرمك من أجلها، فاعمل صالحا نكرمك من أجله).
وبرغم أن هذا النقل ليس ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن في معناه كثيرا من الصحة، فالله عز وجل يكرم الأبناء بآبائهم وأمهاتهم؛ ببرهم لهما وبدعائهما لهم، فإذا مات الأب والأم انقطع عن الأبناء سبب عظيم لمدد الله وعونه، وعليهم حينها أن يجعلوا لهم مددهم الخاص من العمل الصالح والقرب من الله.
الله عز وجل يكرم الأبناء بآبائهم وأمهاتهم؛ ببرهم لهما وبدعائهما لهم، فإذا مات الأب والأم انقطع عن الأبناء سبب عظيم لمدد الله وعونه، وعليهم حينها أن يجعلوا لهم مددهم الخاص من العمل الصالح والقرب من الله
وأن تفقد أولى الناس بالصحبة في الحياة، فليس أولى من الأب والأم بالصحبة في هذه الحياة، ومن يحب المرء أكثر منهما ليستحق صحبته أكثر منهما، ومن يهتم لأمره أكثر منهما ليستحق صحبته أكثر منهما، وقد حسم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة حين سأله السائل: "من أحق الناس بحسن صحابتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمك، فقال: ثم من، فقال : أمك، فقال: ثم من، فقال: أمك، فقال: ثم من، فقال أبوك". (رواه البخاري ومسلم). وفي رواية: (أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك، ثم الأدنى فالأدنى).
وأن تفقد السند الروحي والستر النفسي والمظلة الكبيرة، فبفقد الأم والأب يفقد الإنسان سنداً روحياً كبيراً وستراً نفسياً عظيماً، بحيث أنه يحس بالانكسار بعدهما ويحس كأنه أصبح عرياناً في دنيا شديدة البرودة والريح.
في أمثالنا الشعبية يقولون: (للأب دوره ولو كان عظماً في قُفّة)، يقولون معنى هذه الجملة بألفاظ شعبية.
وهو معنى صحيح جدا، فمهما بلغ ضعف الأب والأم، ومهما بلغ مرضهما، ومهما بلغ استغناؤنا عنهما، بل واستثقالنا لحملهما في هرمهما وعجزهما، إلا أن وجودهما يظل أعظم وجود، ويظلان مظلة تجمع الأبناء من تحتها، فإذا ذهبت هذه المظلة فقد ذهبت وحدة الأبناء وذهب اجتماعهم مهما بلغ حبهم وتوادهم.
بعد فقد الأب والأم يحس الإنسان باليتم مهما كان عمره، ويحس بالضعف مهما كانت قوته، ويحس بالحاجة مهما كان غناه.
بعد فقد الأب والأم يحس الإنسان باليتم مهما كان عمره، ويحس بالضعف مهما كانت قوته، ويحس بالحاجة مهما كان غناه
إن شأن الأب والأم عند الله عظيم، فقد قرن الله الإحسان إليهما بعبادته فقال: {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} [سورة الإسراء:23].
ومن عجيب المفارقات أن الله قد أجاز للرجل أن يضرب زوجته إن نشزت فقال: {فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن} [سورة النساء:34].
وأجاز للرجل أن يضرب أبناءه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر) (رواه أحمد وأبو داوود).
ولم يجز للرجل أن يقول لأبويه مجرد (أف) فقال: {ولا تقل لهما أف} [سورة الإسراء:23].
وهنا يكمن الفرق بين الثلاثة (الأبوين والزوجة والأولاد)، فلكل منهم مكانه ومكانته، ولكل منهم كيفية تعامل، وإن كان للزوجة حق واجب لمنفعتها والحاجة إليها، وللأولاد حق واجب لحبهم الفطري الجبليّ، فللوالدين حق واجب أوجبه الله وشدد عليه حتى وإن استغنى الإنسان عن الحاجة إليهما، فلولاهما ما كانت ولادته ورعايته، ولولاهما ما شب واستغنى.
بارك الله في آبائنا وأمهاتنا الأحياء، ورحم الله آباءنا وأمهاتنا الأموات، وألحقنا بهم في الصالحين.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة