العالم يزداد توحشاً .. ماذا سيفعل الفقراء؟
نشرت مؤسسة «أوكسفام إنترناشيونال» الخيرية، أرقاماً صادمة حول الثروات في العالم خلال العام 2018.
وقالت المؤسسة إن تركّز الثروات قد تصاعد خلال 2018؛ إذ بات 26 شخصاً يملكون ما يساوي أموال 3.8 مليار نسمة (حوالي نصف سكان الكوكب) هم الأكثر فقراً في العالم، بعدما كان عددهم 42 عام 2017.
وقال تقرير المؤسسة، إن ثروة أصحاب المليارات في العالم ازدادت بمقدار 900 مليار دولار العام الماضي، بوتيرة 2.5 مليار دولار في اليوم، بينما تراجع ما يملكه النصف الأفقر من سكان العالم بنسبة 11 %. كما تضاعف عدد أصحاب المليارات منذ الأزمة المالية عام 2008.
وعلّقت المديرة التنفيذية للمؤسسة على ذلك، بالقول إن «الهوّة التي تتسع بين الأثرياء والفقراء تنعكس على مكافحة الفقر، وتضر بالاقتصاد، وتؤجّج الغضب في العالم»، وطالبت الحكومات بـ «التثبت من أن الشركات والأكثر ثراء يدفعون حصتهم من الضرائب»، مضيفة أن الأثرياء لا ينعمون بثروة متزايدة فحسب، بل كذلك بنسب ضرائب هي الأدنى منذ عقود.
هذا التقرير يطرح أسئلة بالغة الخطورة والتعقيد؛ إذ إن هذا التراكم الهائل في الثروات لم يُعرف سوى في الربع الأخير من القرن الماضي والقرن الحالي، ولا علاقة لمعظمه بما يمكن وصفه بالرزق الحلال الحقيقي بقدر صلته بوسائل غير مشروعة أنتجتها العولمة المتوحشة وظواهر أخرى نمت معها، إلى جانب فساد منقطع النظير في عدد لا بأس به من الدول.
صحيح أن عالم التكنولوجيا الحديثة (كمبيوتر واتصالات) قد أنتج عدداً لا بأس به من الأثرياء بطريقة شبه مشروعة. ونقول شبه مشروعة لأن بعض تلك الثروات كان نتاج الاحتكار أيضاً.
في نادي الأكثر ثراء، سنعثر على عدد هائل من رموز السلطة الفاسدين، ومن يدورون في فلكهم بعد تحالف السلطة والثروة في عدد كبير من دول العالم الثالث، وربما بعض الثاني أيضاً، وهؤلاء لا تعدو أموالهم أن تكون نتاج سرقة أموال شعوبهم ومقدّراتها ونتاج الفساد والإفساد. كما سنعثر على عدد كبير من تجار المخدرات والمهرّبات بشتى أنواعها، بجانب غسيل الأموال.
لكنّ جزءاً كبيراً من تلك الثروات يبقى نتاج هذه المرحلة من الرأسمالية القائمة على البورصات والمضاربات، التي لا علاقة لها بالإنتاج الزراعي والصناعي (بما في ذلك الخدمات) الذي يصب في خدمة البشر بشكل حقيقي. ويكفي أن نرى أناساً لا يفعلون شيئاً سوى الجلوس خلف شاشات الكمبيوتر يبيعون ويشترون بينما تتضخم ثرواتهم بشكل مذهل، حتى ندرك هذه الحقيقة.
إنهم يبيعون ويشترون البضائع نفسها عشرات ومئات -وربما آلاف- المرات، ويرفعون البورصات ثم يهبطون بها، بما في ذلك بورصات الأسهم والعملات والذهب والنفط وسائر الأشياء الأخرى المهمة. والنتيجة أن كل شيء يبقى على حاله، وربما تراجع، بينما تتضخم ثروات هؤلاء، لكن الأوضاع تزداد سوءاً بالنسبة للطبقات الفقيرة، التي تدفع مضطرة ثمن ثروات هؤلاء وما تنتجه من تضخّم يطارد خبزها ودواءها.
في الإسلام، لا يجوز بيع السلعة قبل امتلاكها، فضلاً عن تحويلها إلى أوراق، كما أن هناك تحذيراً شديداً من أن يكون المال دُولة بين الأغنياء، وحثاً على أن يُؤخذ من الأغنياء للفقراء. أما في العولمة المتوحشة، فيحدث العكس تماماً.
هي مأساة لن توقفها سوى ثورات الفقراء، والتي بدأت ملامحها من خلال الاحتجاجات ذات البُعد الاجتماعي، كما في فرنسا وهولندا، بينما تغيب فعالياتها في الدول الفقيرة مع الأسف، لكن ذلك سيكون مؤقتاً، وستنتقل عدوى الانفجارات الاجتماعية إلى العالم أجمع ما لم يُصحّح هذا النهج الظالم والكارثي.
ثورة الفقراء ضد هذا الشكل من الثراء الفاحش ينبغي أن تتصاعد بمرور الوقت؛ لأن هذه الظاهرة لا يمكن أن تستمر على هذا النحو، ويجب أن يُعاد النظر في منظومة الاقتصاد العالمي بحيث تتوقف هذه المتوالية من نهب قوت الفقراء لصالح قلة من البشر.
هي مأساة هذا الزمان؛ أناس يموتون من الجوع، وآخرون لا يعرفون كيف يبذّرون الأموال. وفيما نعثر على كثير من التبرع لأعمال الخير لدى أثرياء الغرب، فإن مشهد أثرياء العرب مؤسف إلى حد كبير، من دون أن نعدم قلة قليلة منهم يبسطون أيديهم بالخير والعطاء.
المصدر : العرب القطرية
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة