إلى كل مسلم يحلم بالتغيير.. هذا واجبك تجاه دينك
كتب بواسطة محمود عطا الله
التاريخ:
فى : في رحاب الشريعة
1916 مشاهدة
أصبح جليًا في زمانِنا هذا حجم الأهوال والمخاطر التي تُهدد الإسلام والمسلمين عقائديًا، واجتماعيًا، وسياسيًا، واقتصاديًا، وأمنيًا؛ فنرى تارةً هجومًا على الإسلام والمسلمين في صورة «الحرب على الإرهاب» فيُقتل ويُشرد الملايين من المسلمين، وتارةً في صورة «تنقية التراث الإسلامي» فنرى تطاوُل السفهاء على علماء ورموز المسلمين!، وتارةً أخرى في صورة ما يُسمى «تجديد الخطاب الديني» فنجده تبديدًا للخطاب الديني وليس تجديدًا، ونرى طمسًا لما هو معلوم من الدين بالضرورة من أمور العقيدة والولاء والبراء… وغيره.
دعنا نطرح معًا تساؤلًا إيمانيًا مهمًا قبل فوات الأوان، ما الذي يشغلك أيها الأخ الكريم؟ ما الهم الذي تحمله كمسلم؟! هل هو هم الوظيفة؟ هل هو هم دنيا أولادك، أم هم دينهم؟ عندما تسير بالسيارة ماذا يدور في خاطرك؟ عندما تضع رأسك على الوسادة ماذا يجري في ذهنك؟ هل هو هم هذه الأمة المستباحة؟ هل هو هم هذه العقيدة التي تُهاجم في بلاد التوحيد؟ هل تفكر في حال أمتك ونصرة دينك؟
قال الله -تعالى-:(قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين) -التوبة 24-، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:”مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ: جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ: جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ” -صححه الألباني في صحيح الترمذي-
سبب الرسالة
إن الله -تبارك وتعالى- أرسل محمدًا -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهذا العالم الذي كان يموج بالجهالات، والضلالات، والفتن، والبدع، والخرافات، والظلم، واستعباد البشر، والطغيان الذي بلغ ذروته عند بعثته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أرسله الله ليقول للعالم إن هذا الدين جاء لينسخ ما قبله، وأنه للناس كافة، كما قال تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107]، وقال -تعالى-:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) [سبأ:28].
فكانت دعوة النبي الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- دعوة تَهدِم الشركَ بكل أشكاله، فلا عبادة للأحجار والأشجار والأبقار والنار، ولا عبادة كذلك للمال والشهوات والأهواء والسلاطين وطواغيت الأرض؛ قال الله -تعالى-:(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: 36]. فجاءت الدعوة لتحرر البشر من عبادة العباد لعبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، وتخرجها من ذلِّ الوثنيات وظُلم الطواغيت، وتخلصها من أسرِ الشهوات الفاجرة، والأهواء الجائرة.
وبُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ليصلح الجانب الأخلاقي لدى البشر فقال:” إن من أحبكم إلىَّ أحسنكم أخلاقًا” -رواه البخاري-.،” إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق” -رواه أحمد-. ولذلك تجد أن هذه الرسالة العظيمة قد اشتملت على الدعوة إلى كل خُلُق صالح كريم؛ كالصدق، والأمانة، والبرِّ، والإحسان، والكرم، وصلة الرحم، والوفاء، والإيثار، والحلم، والعدل، والتواضُع، والرحمة، والحياء.
وفي ذات الوقت نَهى النبي الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- عن كل الأخلاق الذميمة، والصفات القبيحة، وخِصال الجاهلية المَقيتة؛ مثل الظلم، الغشِّ، الخيانة، الخداع، الغدر، الكذب، البُخل، الشحِّ، الجُبنِ، الفُحش، الفُجور، التعصُّب، العُنصرية، احتقار الآخرين، التفاخر بالأنساب، احتقار المرأة، وأد البنات، وقتل الأبناء خشيةَ الفقر.
سبب حقد الكفار على الإسلام وأهله
قال -تعالى-:(مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة: 105]
قال ابن جرير الطبري -رحمه الله-:” وفي هذه الآية دلالة بينة على أن الله -تبارك وتعالى- نهى المؤمنين عن الركون إلى أعدائهم من أهل الكتاب والمشركين، والاستماع من قولهم، وقبول شيء مما يأتونهم به على وجه النصيحة لهم منهم، بإطلاعه جل ثناؤه إياهم على ما يستبطنه لهم أهل الكتاب والمشركون من الضغن والحسد، وإن أظهروا بألسنتهم خلاف ما هم مستبطنون.”.
وقال الله -تعالى-:(إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا) [النساء:101]، قال الطبري -رحمه الله-:” عدوًّا تُعني أنهم قد أبانوا لكم عداوتهم بمناصبتهم لكم الحرب على إيمانكم بالله وبرسوله، وترككم عبادة ما يعبدون من الأوثان والأصنام، ومخالفتكم ما هم عليه من الضلالة.”.
قال الله -تعالى-:(وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217]، قال صاحب الظلال -تقبله الله-: وهذا التقرير الصادق من العليم الخبير يكشف عن الإصرار الخبيث على الشر، وعلى فتنة المسلمين عن دينهم بوصفها الهدف الثابت المستقر لأعدائهم، وهو الهدف الذي لا يتغير لأعداء الجماعة المسلمة في كل أرض وفي كل جيل. إن وجود الإسلام في الأرض هو بذاته غيظ ورعب لأعداء هذا الدين، ولأعداء الجماعة المسلمة في كل حين. إن الإسلام بذاته يؤذيهم ويغيظهم ويخيفهم؛ فهو من القوة والمتانة بحيث يخشاه كل مبطل، ويرهبه كل باغ، ويكرهه كل مفسد.
إن الإسلام حرب بذاته وبما فيه من حق أبلج، ومنهج قويم، ومن نظام سليم.. إنه بهذا كله حرب على الباطل والبغي والفساد. ومن ثم لا يطيقه المبطلون البغاة المفسدون ومن ثم يرصدون لأهله ليفتنوهم عنه، ويردوهم كفارًا في صورة من صور الكفر الكثيرة. ذلك أنهم لا يأمنون على باطلهم وبغيهم وفسادهم، وفي الأرض جماعة مسلمة تؤمن بهذا الدين، وتتبع هذا المنهج، وتعيش بهذا النظام. وتتنوع وسائل قتال هؤلاء الأعداء للمسلمين وأدواته، ولكن الهدف يظل ثابتا.. أن يردوا المسلمين الصادقين عن دينهم إن استطاعوا.
فيتضح لنا أن السبب الرئيسي في حقد أمم الكفر على أمة الإسلام هو هذه الدعوة الإلهية التي شرفنا الله -عز وجل- بحملها وتبليغها والدفاع عنها. فصار من آكد فروض الأعيان على كل مسلمٍ العمل على نصرة دين الله ، كل على قدر استطاعته، خاصة فى ظل هذا الركود و الميل العظيم عن أصول الإسلام وأهدافه، وهذه الحرب الشرسة على الإسلام والمسلمين.
ماذا علي أن أفعل؟
واجبات المسلم تجاه دينه في وقتنا هذا:
أولًا: التعلم وبناء الوعي
قال -تعالى-:(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَاب) [ الزمر:9]، قال -تعالى-:(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طـه:114]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:” من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين” -متفق عليه-.
ويقول العلامة عبد العزيز الطريفي -فك الله أسره-:” فلم يأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يسأل شيئًا من خيري الدنيا والآخرة زيادة فيه إلا زيادة في العلم -لفضله وجلالته- وأن الإنسان قدره عند الله بقدر علمه بوحيه، وعمله بذلك”. فمن الواجب على كل مسلمٍ في هذا الزمان أن يتعلم من العلم الشرعي ما يُقيم به أمور دينه ودنياه ولا يتساهل في ذلك أبدًا، خاصةً أمور العقيدة والتوحيد والولاء والبراء وتحكيم شرع الله؛ لأن الفتن تموج في كل مكان ولا يؤمن على أحدٍ الفتنة نظرًا لانتشار دعاة السوء وأئمة الضلال الذين يلبسون على الناس أمر دينهم!
ومن الواجب أيضًا على كل مسلمٍ أن يجتهد في طلب العلم الدنيوي ويتفوق فيه لنجد المهندس المسلم، والطبيب المسلم، والصيدلى المسلم، والمحاسب المسلم…إلخ. وكذلك نجد العامل المسلم، والزارع المسلم، وكل يجتهد في فنه لخدمة دينه ونصرة شرع ربه. ولكن لا يغني تعلم العلم الدنيوي عن العلم الشرعي لما روي عن علي -رضي الله عنه- أنه ذكر فتنًا تكون في آخر الزمان، فقال له عمر: متى ذلك يا علي؟ قال: إذا تفقه لغير الدين، وتعلّم لغير العمل، والتمست الدنيا بغير الآخرة.
وكلٌ يُسخِّر نفسه لخدمة دين الله كما سخَّر الصحابةُ إمكاناتهم وقُدراتِهم لخدمة الدين؛ فبلالُ بن رباح خدمَ الدينَ بصوتِه الشجِيِّ مُؤذِّنًا، وزيدُ بن ثابت حفِظَ الوحيَ بكتابتِه، وخالدُ بن الوليد يقودُ الجيوشَ، وحسَّانُ بن ثابت يُنافِحُ عن الدين وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ميدان الإعلام، وعثمانُ بن عفَّان يُسخِّرُ مالَه لخدمة الدين (يحفِرُ بئرًا، ويُجهِّزُ جيشَ العُسرة، ويُواسِي الفُقراء) ومُصعبُ بن عُمير إمامُ الدعوة إلى الله في المدينة، أما أبو بكر وعمر فهما أعمدةُ النُّصرة وأركانُ الدولة رضى الله عنهم أجمعين.
ويجب أيضًا أن يخرج من بين المسلمين أفراد وجماعات تعمل على بناء الوعي وتبصير إخوانهم بما يُحاك من أمم الكفر وأذنابهم تجاه أمة الإسلام، وإعداد أجيال من المسلمين على وعيٍ كامل بالمخاطر التي تحيط بهم، وعلى بصيرة بقضايا الأمة التي لا حصر لها من تعطيل لحكم الله واستبداله بحكم الطواغيت والقوانين الوضعية، وتعطيل الجهاد في سبيل الله، واحتلال الصهاينة لأرض المسلمين فلسطين… إلخ.
ثانيًا: خلق فريضة العمل الإسلامي
قال الله -تعالى-:(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110]، يقول العلامة السعدي في تفسيره: يمدح الله تعالى هذه الأمة ويخبرنا أنها خير الأمم التي أخرجها للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك وبذل المستطاع في ردهم عن ضلالهم وغيهم وعصيانهم، فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس.
وقال سيد قطب -تقبله الله- في الظلال: وقد سبق في السياق الأمر التكليفي للجماعة المسلمة أن ينتدب من بينها من يقومون بالدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما هنا فقد وصفها الله سبحانه بأن هذه صفتها ليرشدها إلى أنها لا توجد وجودًا حقيقيًا إلا أن تتوافر فيها هذه السمة الأساسية، التي تُعرف بها في المجتمع الإنساني. فإما أن تقوم بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -مع الإيمان بالله- فهي موجودة وهي مسلمة، وإما ألا تقوم بشيء من هذا فهي غير موجودة.
فنجد أن الدعوة إلى الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة على كل مسلمٍ، كلٌ بقدر استطاعته، لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» (رواه مسلم)
فلابد علينا أن ندعو إلي دين الله وأن نجعل هذا من أولوياتنا، وأن نبذل جهدًا فى تكوين الجماعة المسلمة العاملة لدين الله، وكذلك دعوة غير المسلمين، لمن لديه القدرة للدخول في دين الله.
(قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) -يوسف:108-
ثالثًا: إشعال حماسة الدين في المسلمين
لا تكاد تمر الأيام إلا وينزل بالمسلمين النوازل والمصائب التي تحرق القلوب ويسيل لها الدمع، فلابد لنا من استغلال تلك النوازل في إعادة تشكيل وعي المسلمين وتوعيتهم، وبث ثقافة البذل والعطاء للدين فيهم، وإرجاعهم إلى دينهم وفضح دعاة السوء المبدّلين لكلام الله، والمهزومين نفسيًا وذهنيًا بالغرب.
فنجعل الشيخ الكبير، والغلام الصغير، والمرأة العجوز يحملون هموم أمتهم، ويسعون جاهدين لنصرة دينهم، وينشغلون بتعلم أمور الدين بدلاً من تبديد أوقاتهم فيما يضرهم ولا ينفعهم.
رابعًا: الصبر على الأذى والمشقة
قال الله -تعالى-:(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب:21]، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو إلى نورٍ من ربه، ويصبر على الأذى في سبيل دعوته من استهزاءٍ وتكذيبٍ واتهاماتٍ وكذلك الأذية الجسدية.
قال الله -تعالى-:(وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا) [الفرقان:41]، يستهزؤون بشخصيته -صلى الله عليه وسلم- ولكنه يصبر على هذا الأذى، وهو يتفكر في قول الله -تعالى عز وجل- يسري عن شخص رسوله:(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ) -الأنعام:10-، واليوم يقف الداعية إلى الله -عز وجل- الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر موقفًا حرجًا أمام السهام التي تُوجه إليه من المستهزئين، وهم يستهزئون بشخصيته، أو يستهزئون بمظهره، أو يستهزئون بالأفكار التي يحملها، إنه يتأسى بموقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصبر على هذا الاستهزاء.
قال الله -تعالى-:(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ) -الأنعام:34-، اليوم عندما يقف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أمام الناس، يدعوهم ويبين لهم الحلال والحرام، يقولون له: أنت كذاب، لا يمكن أن يكون في القرآن كذا، لا يمكن أن يأمر الرسول بكذا، هذا الذي تدعون إليه ليس بدين، ليس هذا الدين الذي نعرفه، لقد رأينا الدين من آبائنا وأجدادنا، ما رأينا فيه مثل هذا الذي تدعو إليه.
فيتهمونه بالكذب على الشريعة، لجهلهم رموه بالكذب، وقد أتوا من قبل تقليدهم لآبائهم وأجدادهم، وعدم اتّباع الحق، وأتوا من اتّباع أهوائهم؛ لأنك عندما تخبرهم أنت -يا أخي المسلم- بالحق الذي يخالف أهوائهم؛ ماذا يقولون؟ إذا كان الحق واضحًا يقولون: أنت كذاب! فعليك أن تصبر كما صبر رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم.
ويعاني المتمسكون بشرع الله -عز وجل- أصناف العذاب، وألوان الأذى في سبيل الله، فيضربون بالسياط، ويسحلون بالشوارع، ويجرون على جلودهم على الحجارة والشوك، كما وقع بالنفر الأول من الصابرين الصادقين. إن ألوان الإيذاء -أيها الأخوة- تتعاقب، ويتفنن أعداء الله في إذاقة عباد الله العذاب أصنافًا وألوانًا، فليس الحل في ذلك إلا الصبر على هذا الأذى في سبيل الله.
روى البخاري بسنده عن خباب بن الأرت قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسد بُرْدَةً وهو في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله، فقعد وهو محمر وجهه، فقال:” لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، مَا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ”.
خاتمة
يقول الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل -فك الله أسره-: رسالتنا أن نلمس هذه الأمة بنفس ما لمسها أول مرة، فأعادها عزيزة.
يقول سيد قطب -تقبله الله-: إنَّ طريقَ الدعوة إلى الله عزَّ وجل ليس هينًا لينًا، وليس مفروشًا بالزهور والورود والرياحين، ولا خاليًا من المكذبين والمعاندين والمحاربين.
فيجب علينا جميعا السعي والعمل لنصرة دين الله، وأن نعي حقيقة أن الإيمان ليس مجرد كلام يُردد، ولكنه قولٌ وفعل، مهامٌ وتكاليف! قال -تعالى-:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون) -الصف:10:11-.
هذه وصية ودلالة وإرشاد من أرحم الراحمين لعباده المؤمنين، لأعظم تجارة، وأجل مطلوب، وأعلى مرغوب، يحصل بها النجاة من العذاب الأليم، والفوز بالنعيم المقيم في الدنيا والآخرة، وتنفيذ وعد الله الحق لعباده المؤمنين العاملين في قوله -تعالى-:(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا).
المصدر : تبيان
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة