إدمان الإنترنت عند الأبناء.، الأسباب والعلاج
كتب بواسطة يسرى المصري
التاريخ:
فى : زينة الحياة
1847 مشاهدة
لا شك أن العالم اليوم أمسى قرية صغيرة يعرف فيها ما يجري في أقصاها في لحظات، وهذا بسبب الثورة المعلوماتية والتقنيات الحديثة والفضاء الواسع من الإنترنت والإلكترونيات والتقنيات التي تتطور على مدار الساعة، خصوصاً المنصات الاجتماعية والألعاب الذكية التي قد يصل عدد المشتركين والمتابعين لها إلى مئات الملايين من البشر بمختلف الأعمار السنية والشرائح العمرية.
حتى إنه قد أصبح إدماناً للكثير من الأطفال في المراحل المبكرة وهذه ظاهرة فرضت نفسها على المجتمعات ككل والبيوت على وجوه الخصوص شاء من شاء وأبى من أبى ولا مجال للنكران والتجمل.
ونحن هنا لا نتحدث عن الأمر من منظور الرفض فالأمر فيه إيجابيات، ويقيناً فلكل زمن تربيته.
ولما كان الإنترنت حديث العهد بالواقع، فتربية الأولاد عليه بشكل معتدل مهم ومطلوب، فالعالم يتغير ووظائف اليوم لن تكون كالغد، وعليه فالأمر يستلزم إلماماً بكل التحديثات والتقنيات التي تتم كل دقيقة.
لكن اليوم سنتحدث عن الأمر من زاوية أخرى وهي إدمان هذا العالم عند شريحة الأطفال فالأمر جد خطير ومقلق فعلاً ونحن كمتخصصين نتحدث في إطار الأطفال وإطلاق إنذارات التحذير؛ لأن إدمانه أمر خطير مهما كان تفاخر الآباء ببراعة الأبناء في فهم التقنيات والأجهزة المحمولة والحاسوب، وسعياً منا للحد من هذا الغرام العجيب للأطفال وتعلقهم الشديد بالإنترنت وإدمانهم للألعاب عليه فإننا سنحدد في هذا المقال الأسباب الحقيقية والمظاهر الواضحة لتطور هذه العلاقة من فضول بسيط حتى وصلت للإدمان.
أولاً- الأسباب:
1. توفر الفضاء
إن الإنترنت اليوم في كل بيت بعروض سهلة ويسيرة خصوصاً مع كمية التنافس الرهيب بين الشركات والتي تستهدف المتابعة والاشتراكات الأكثر من الأسر، وعليه فإن الأمر ليس صعب المنال بل العكس تماماً، لذلك فالجهاز الموجود في البيت في مكان ما من زواياه أصبح في اليد متنقلاً مع صاحبه فلم يعد هنالك مجهود شاق بل كل ما هنالك هو تشغيل البيانات أو وضع الرقم الخاص بشبكة الإنترنت ثم يبدأ التحليق في هذا الفضاء بمنتهى اليسر والسهولة.
2. المحتوى الإلكتروني الجذاب
إن الإنسان بطبيعته يميل لكل بريق وحركة ومادة منسقة ومنظمة، ونظام تكنولوجي قائم كهذا كفيل بعمل جذب شديد للطفل فضلاً عن أنه مشوقٌ في ذاته للطفل فيجد فيه سلواه وانبهاره ومتعته، فلا يهتم بكمية الساعات التي يقضيها أمام الحاسوب متنقلاً بين مواقعه وألعابه فرحاً بنظامه، سعيداً بما يحققه من تواصل أو مكاسب في الألعاب.
حتى عندما يخلد للنوم يفكر في استكمال ألعابه غداً عازماً على تحقيق أكثر وأكثر من الأرباح الإلكترونية في اللعبة التي يعشقها.
3. التقليد الأعمى
إن الابن يفعل ما يراه من أبيه تماماً، فهو ينظر إليه كل برهة ليجده مشغولاً بالجوال الذي في يده، ويسمع يومياً عشرات الرنات والإشعارات من مواقع التواصل والايميلات الخاصة بوالده، وكما تطلع ليكون مثله أو على الأقل يمتلك جهازاً في الوقت الذي يتحدث بداخله، ويتمنى أن يعطيه الأب بعضاً من وقته أو يهتم به كما يهتم بجهازه.
وهو واقع سنتناوله في مقالات لاحقة لذلك فالابن يقلد والابنة تقلد، فيتحول المحضن الصغير إلى علاقات جافة بفعل الانشغال بالتكنولوجيا لفترات كبيرة كان من السهل توسيطها أو تقليلها، ومنح كل ذي حق حقه؛ فالاعتدال في كل شيء من عوامل الراحة والبساطة وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
4. التطبيقات الحديثة
إن التطبيقات المتجددة والحديثة على الأجهزة الذكية تتقدم بسرعة قوية وشديدة وبصراحة هي شيّقة وجذابة للجميع، ونظرة الابن لها نظرة انبهار، فيجد نفسه سريعاً يحمل التطبيق والألعاب ويبدأ رحلة الاستمتاع بها ويشعر بأنه في كوكب آخر من السعادة ولو كانت لحظية إلا أنّه يحقق بعض أمانيه.
ثانياً: مظاهر الإدمان الإلكتروني
إن مظاهر الإدمان متعددة وأمور بسيطة ربما لا يلتفت إليها الوالدان أو يظنان أنها أعراض الإدمان، ويكون الأمر عندهم شيئاً عادياً بلا خطر أو مشاكل، لكن الواقع عكس ذلك تماما وعليه فإن هذه المظاهر تتمثل بالآتي::
1. إصابة الطفل بالحزن في حال غياب الحاسوب والأجهزة المحمولة من البيت لعطل أو لحرمان أو لطوارئ الامتحانات، وتصحب ذلك رغبة في الانعزال وعدم التحدث مع أحد، طبعا مع الحزن والبكاء إن لزم الأمر.
2. الخروج الكثير من البيت بحثاً عن أماكن الإنترنت في الخارج سواء في المحلات الخاصة بذلك، أو التعلل بحتمية المذاكرة عند الأصحاب ممن يملكون الأجهزة المتاحة طوال الوقت.
3. عدم وجود شهية للطعام والاستمرار لساعات بدون أكل بل ينعدم مجرد التفكير في الجوع وذلك بسبب تشبعه الكامل بحاجته للنت وتفكيره في تطورات ألعابه أو انتظاره وترقبه لرسائله أو حزنه لعدم اكتمال مشاهدة ما كان يسعى إليه ويتمناه هو وأصحابه.
4. التعلل بأهمية وجود هذه الأجهزة بدعوى الخصوصية وأنه لديه ما يهتم به من الأمور الخاصة، وطبعاً يصاحب هذا الأمر خصوصاً داء الكذب؛ لأنه يدّعي أهمية الأمر، مثل أن المدرس أعطاهم اسطوانة مهمة يحتاج مشاهدتها، أو أن المدرسة سترسل لهم شيئاً عبر الإنترنت، وكل هذه الأمور بلا شك ترجمة لحالة الإصرار المصحوب بالعشق بينه وبين الأجهزة، وفي نفس الوقت مرارة شديدة إن لم يكن الآباء يدركون وضع أولادهم في المدرسة.
ختاماً، نحن نكتب محذرين الوالدين بأنه ليس كل تقدم في تعامل الأبناء مع الأجهزة هو تفوق وبراعة وشيء محل فخر لكن قد يكون هناك أمور ملغمة تعكر صفو حياة أبنائهم وتعزلهم في زحمة الحياة وربما يتطور الأمر فتحدث أمور نفسية أو علامات توحد فالحذر هنا مهم والأخذ بالأسباب والتوعية في التربية واجب لا مفر منه.
واليوم نتحدث عن علاج هذا الإدمان بشكل عملي سهل بعيداً عن التعقيدات والألغاز والتنظير.
أولاً/ ثقف ابنك
إن البيت المسلم اليوم وبفعل الهجمات الغربية عليه أصبح مشغولاً بأمور كثيرة، جعلته أحياناً يستغني عن تثقيف أولاده وغرس المعاني البسيطة لهم -حياتياً على الأقل- لذلك يجب على الوالدين تثقيف وتعليم الأبناء بالقدر البسيط في أدوات الإنترنت، هذا طبعا بعد احتراف الآباء لذلك؛ لأن الواقع يقول غير ذلك والعاقبة تكون أيضاً غير ذلك، وفي نفس الوقت مطلوب من الوالدين عمل وإنشاء حسابات متابعة لأبنائهم بشيء من الود لا المراقبة، والحب لا التخوين، والاهتمام لا السيطرة، والحرص لا تصيد الأخطاء؛ فتلك منظومة التربية الناجحة.
ثانياً/ كن قدوة لأبنائك
إن الوالد القدوة هو نبراس ونور يسير وراءه أبناؤه بحب شديد ورغبة أشد في المكوث طويلاً معه، وهذا هو المطلوب؛ فالابن عندما يفتقد القدوة في أبيه يذهب لعالم الإنترنت؛ بحثاً عن ما يشغله وهروباً مما يحزنه، لذلك فالقدوة في البيت مهمة جداً في تصحيح مسار الأبناء وأفكارهم وتطلعاتهم ، لا سيما وأن الأمة اليوم تحيا أزمة تبدل المفاهيم وغياب القدوات لذلك فالوضع كما نراه.
ثالثاً/ تنظيم الأوقات
من المعيب في حق الآباء والأمهات أن تكون كل أوقاتهم على الإنترنت، وأيضاً أن يتركوا الأولاد، فتغيب المتابعة أو النصح أو الألفة، ويخرج الحب من البيت، ويسود الجفاء، ولا يلتقون إلا على مائدة الطعام، وأحياناً لا يحدث!
لذلك فتنظيم الأوقات بين اللعب تارة وبين المذاكرة تارة والجلوس مع الأم فضلاً عن تنفيذ طلباتها تارة ثالثة كل هذا مهم أن يتحول الإدمان إلى شيء عادي لا خطر فيه ولا داء منه.
رابعاً/ الأسرة قبل الحاسوب
إن فرار الأولاد للحاسوب بكل سعادة وفرح، والحزن إن غاب عنهم أو أصابه عطل يجعل الأمر به شيء محزن، وهو أن الحاسوب وفي زحمة الدنيا تحول للحضن الدافئ والمكان الذي يجد فيه الأولاد راحة بالهم وسعادتهم، وهذا هو الدور المنشود للأسرة في الأصل، وعليه فإن الاحتماء والفرار إلى الأب والأم والأخوة هو المفروض حدوثه؛ فدور الآباء والأمهات في تعديل المسار من الحاسوب إليهم مهم جداً، ومرهون بمدى فهمهم وحبهم ورغبتهم الصادقة في غرس القيم وحماية الأولاد من كل داء مرضي أو إلكتروني.
خامساً/ معرفة أصحابهم
إن الصاحب السيئ كان ولا يزال من عوامل الهلاك ، وما قصة أبي جهل وعقبة بن معيط ببعيد؛ فالرجل الذي لامس الإيمان قلبه نزل على رغبة صديقه وترك الإيمان، ونحن هنا لا نبالغ بقدر ما نحذر من أن الإنترنت وسيلة وعالم كبير وخطير، وإن مارسه الابن بلا توجيهات أو ضوابط فإن العاقبة ستكون سيئة، خصوصاً أن الطفل لن يظل طفلاً طوال حياته ومع مساره هذا، فالحذر والصدمة من أن يتحول إدمانه للإنترنت بلا مراقبة إلى إلحاد في المستقبل، خصوصاً مع تسخير طاقات وإمكانيات الغرب في إفساد شبابنا فضلاً عن الوقوع في براثن الإباحية.
وكل هذه الأمور لا تأتي فرادى ولا من تلقاء النفس، بل بالأصحاب والكلام والنقاش والتقليد الأعمى، لذلك فالآباء مطالبون بمعرفة أصحاب وأقران أبنائهم من زملاء التعليم واللهو والترفيه ومنصات التواصل، فيحذِّرونهم من نافخ الكير ويقرِّبونهم إلى حامل المسك.
ختاماً، هذه بعض النصائح العملية والعلمية؛ للحد من خطورة الإدمان الإلكتروني لأبنائنا، لا بد من العمل بها والأخذ بكل الأسباب، وشحذ كل الطاقات؛ فأولادنا هم الكنز الثمين الذي رزقنا الله إياه.
حتما سيسألنا الله عن كل شيء ونحن موقوفون بين يديه، الأبناء هل حفظناهم في الدنيا أم ضيعناهم وأوردناهم المهالك، فكونوا على قدر المسؤولية وأعدوا للسؤال جوابه.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة