الليبراليون عندما يأكلون أصنامهم
كتب بواسطة إحسان الفقيه
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
1203 مشاهدة
قال القرطبي رحمه الله: “إن أهل الجاهلية كانوا يعملون الأصنام من كل شيء، حتى أن بعضهم عمل صنمه من عجوة (تمر)، ثم جاع فأكله”.
ما أكثر هؤلاء الذين يصنعون من توجهاتهم أصنامًا يقدسونها ويملؤون الدنيا صراخًا من أجل الدفاع عنها، ويعلنون التزامهم بمقتضياتها ومبادئها، حتى إذا ما حانت ساعة اختبار واقعهم العملي أجهزوا على تلك الأصنام وأكلوها.
ومن هؤلاء ليبراليو العرب الذين استوردوا ليبراليتهم من الغرب إلى بيئة إسلامية لا تقبل بتلك المبادئ، ومع ذلك لم يلتزموا بها.
منذ أيام، توجه ولي عهد النرويج إلى زيارة مسجد قد تعرض لهجوم مسلح، فالتقى عددا من المسلمات، فاعتذرت فتاة محجبة عن مصافحته في أدب، ووضعت يدها على صدرها كتحية بديلة، لم يستنكر ولي عهد النرويج فعل الفتاة، ولم يعلق، بل خشي أن يعرض بقية الفتيات للحرج فلم يصافحهن واكتفى بوضع يده على صدره أسوة بفعل الفتاة التي رفضت المصافحة.
لم نسمع عن ضجة أثيرت في النرويج، ولم نر الصحف الغربية تقيم الدنيا من أجل صنيع الفتاة، بل انتقدت صفحة (النرويج بالعربية) هذا التعسف والتكلف الذي تمادى فيه خالد منتصر تعليقا على فعل الفتاة.
فقط يحدث هذا في الوطن العربي، إذ انبرت أصوات علمانية وليبرالية تنبح على الفتاة وتصف فعلها بالتخلف، ومن هؤلاء الليبرالي المصري خالد منتصر، والذي لا تكاد تجد في صفحته منشورًا إلا وفيه هجوم على الإسلام وشعائره والتهكم على كل ما هو إسلامي تحت دعاوى التنوير ومواجهة التطرف.
وهذا نص ما علق به خالد منتصر على صورة الفتاة التي امتنعت عن مصافحة ولي العهد:
“كيف تعيش البنت بتلك الثقافة المتخلفة في أرقى وأسعد بلاد العالم ؟!، الثقافة التي ترسخ في رأسها أن هناك كهرباء جنسية ستسري من يد ولي عهد النرويج إلى جسده كله فيرتعش نشوة وشبقاً من لمسة كفها المغري!!، تصرفها لا يليق ومجافٍ للذوق وفيه جلافة وغباء ، مالها مذعورة بتلك الصورة وكأن ولي العهد سيغتصبها ؟؟!، هي قد تربت على أن كل الرجال ذئاب وأنها هي مبعوث الشيطان لإغواء الذكر ، عاشت في تلك الزنزانة العفنة من أفكار الهوس الجنسي فكانت تلك النتيجة ، السؤال تموتون من أجل الهجرة إلى تلك البلاد ويغرق نصفكم في البحر وتبتلعهم الأسماك ، ثم عندما تصلون إلى هناك تبدؤون في بث كراهيتكم لهم وتحاولون غزوهم وفتح بلادهم وتحويلهم إلى أهل ذمة وغالباً بعد التمكين ستفرضون على ولي العهد نفسه الجزية!!.” انتهى كلامه.
إن ما يسميه خالد منتصر بالثقافة المتخلفة ليس إلا التزامًا بعمل النبي صلى الله عليه وسلم القائل في الحديث الصحيح (لا أصافح النساء) وبالتالي لا تصافحه النساء، وسواء كانت المصافحة محرمة أو جائزة عند أمن الفتنة، فتبقى في النهاية في نطاق التشريع الإسلامي، وليست ثقافة يصفها هذا الليبرالي المتشدد بالمتخلفة، وأجزم أنه لم يكن ليطلق هذا الوصف على أي ملة أخرى، فلم نره يهاجم حجاب الراهبات، ولم يهاجم بعض نساء اليهود اللاتي يغطين وجوههن وفق مذهبهن، ولم يعلق على منع القادة في الجيش الصهيوني المجندات من التوجه لغرف الأكل في القواعد وقت تواجد الجنود المتدينين الذين يصرون على جو من الحشمة والتحفظ.
الأمر واضح، الرجل ينفر من كل ما هو إسلامي، ولن يرضيه إلا إذا خرج الناس من دين الله أفواجا.
لكن لغة الاستدلال بالكتاب والسنة لن نخاطب بها الرجل وأمثاله، وإنما نتحدث إليهم بما تقتضيه ليبراليتهم.
أليست الليبرالية هي الحرية المطلقة في أن نطبق القوانين التي شرعناها نحن لأنفسنا. بحسب تعريف المفكر الفيلسوف جان جاك روسو؟
أو هي كما عرفها الفيلسوف هوبز بأنها: غياب العوائق الخارجية التي تحد من قدرة الإنسان على أن يفعل ما يشاء.
أو كما عرفها د. سيار الجميل بقوله: مذهب فكري وسياسي ينادي بالحرية المطلقة في الميدان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي؟
أليس مبدؤهم (أنت حر ما لم تضر)؟
أليس منهجهم الحريات المطلقة؟
فهنا نتساءل: ما فعلته الفتاة المحجبة، أليس حرية شخصية يجب احترامها وفق مبادئ الليبرالية؟
عجبا لهم، إذا أشرنا إلى الزنا والشذوذ مستنكرين صرخوا في وجوهنا بأنها حرية شخصية، أفلا تتسع هذه الحرية الشخصية لأن تمارس هذه الفتاة وغيرها حقها في الالتزام بما تدين به لخالقها؟
لكن هكذا هم، يتنكرون للحريات المطلقة إذا تعلق الأمر بالمظاهر والشعائر الإسلامية، {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118].
ليبراليو العرب ليست لديهم مشكلة مع الأنظمة الدكتاتورية كما يزعمون، بل يعملون تحت مظلتها ويجعلون من أنفسهم رؤوس حراب لتلك الأنظمة في مواجهة الإسلاميين المعارضين، فهم كما قال الدكتور عبد العزيز الطريفي فك الله أسره وفرج الله عنه: “انعكست العقلية الليبرالية المشرقية، فأصبحت تفرض على الأفراد والمجتمعات ما تريد بواسطة السلطة ولو بالاستبداد والعقاب، وهؤلاء أخذوا تمثال الليبرالية الغربي ونصبوه منكسا على رأسه في الشرق، فالليبرالية الغربية تفرض على السلطة ما يريده الأفراد وليس بالعكس”.
لقد أكل هذا الليبرالي المتطرف المتبجح بالحريات الشخصية صنم الليبرالية الذي يخر له ساجدا ليل نهار، كعادتهم إذا تعلق الأمر بالإسلام، لذا تؤكد لنا هذه الفضائح المتتالية له ولأمثاله أنه لا مجال للتوفيق بين الإسلام والليبرالية مهما حاولوا الدمج بينهما، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
المصدر : مدونة إحسان الفقيه
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة