ليلة لا تُمحى من الذاكرة
كتب بواسطة أفنان الجعر
التاريخ:
فى : قصص
1270 مشاهدة
في مثل هذا اليوم وفي مثل هذا الوقت من أحد الأعوام التي خلت، كانت تغزو جسدي حمى لا ترحم، بالكاد أستطيع معها الحراك..
تحاملت عليها واستويت لأنزل إلى بهو الفندق الذي كان مخصصًا لسكن الطالبات آنذاك وأستطيع اللحاق بـ ( الباص ) قبل فوات السابعة، فبالتأكيد ليس السائق أبي ليحمل عني نفسي كلها، ولا في المشرفات أمي لتخفف عني وطأة الحرارة، رغم أني لو طلبت السائق أن يتريث بضع دقائق لما ردني، ولو طلبت إحدى المشرفات المساعدة لن تتوانى، لكنها النفس؛ تأبى أن تستعطف..!
المهم، بصعوبة بالغة جمعت كتب المحاضرات، ومدونتي، وفي عجلة لبست أقرب ما لعيني، وبثقل شديد سرحت شعري وأكملت باقي التفاصيل.. وفي لمحة - لم أعتدها- وجدتني أرمي نفسي على أقرب مقعد في الحافلة..!
وككل صباح، لا تكاد تخلو الحافلة من كرنفال العطور التي تمتزج ببعضها حتى يظن القابع تحت وطأتها أنه يتنفس كحولًا كأنها ذنوبه التي قدر لها أن تفوح، علاوة على رائحة طلاء الأظافر، وأصوات المشاهير في مقاطع سناب شات، وفجاءة الضحكة التي تنفجر وكأنها ضحكة مسائية في حفلة (تهريج)، مع ما يصاحب ذلك من حفلات تنكرية في وجوه بعض الفتيات وجرائم الكحل والحمرة التي لا تدل على طالبة جامعية!!
كل ذلك كان من شأنه أن يزيد لفحة الحمى، ولا أدري بنفسي إلا وأنا عند بوابة الجامعة، لأنزل وفي قلبي ابتهال عظيم أن أتجاوز هذا اليوم بقوة لم تخطر لي على بال..!
وفي ذلك اليوم..
كنت أغسل وجهي من شدة الإعياء كثيرًا، وأحاول جاهدة أن أستوعب المناقشات في مسائل كثيرة..!
ولم أكن أدري أني على موعد مع أحداث انقشع عني بعدها كل تعب..
وأمسيت كالفراشة، كل الدنيا في قلبي مشتل، ولي خيار الدوران حول كل وردة، وفوق كل خميلة..!
وصلتني رسالة انتظرتها سنوات، وتخيلتها سنوات..!
والتقيت بصديقة حزرت لقياها في ليلة ماضية رغم فراق دام عشرة أعوام كاملة..!
وناقشت أول مسألة لي وكانت في المذهب الحنفي فاجتزت مع شكر الأستاذ وحفاوته..!
وحصلت على جائزة حضور دورة علمية مكثفة لم تكن على بالي أبدًا..
واستضافتني (أستاذة القواعد الفقهية) في مكتبها متسائلة عما حزبني من تعب؟ صانعة لي قهوة بيديها، مهدية لي آخر إصدارات الجمعية الفقهية، مختتمة حلو قربها بقولها: ( إذا استمر تعبك، بكرة لا أشوفك) في لفتة والدية حنونة لا أنساها..!
وأخيرًا..
رجعت بباقة ورد منثورة عليها كلمات بدأتها صاحبتها بـ: سلامتك..!
-
أين ذهبت الحمى؟!
كيف انتهى التعب؟!
كيف رجعت بكل هذه الرحمة الإلهية؟
أذن المغرب وأنا في الحافلة!
لم أشعر بمضي الوقت رغم المرض!
مرت الساعات كما لو أنها غيمة ممطرة مرت بسماء عطشانة!
تذكرت ابتهالي في الصباح..
وخطاي المتثاقلة إلى الدرس حتى لا تفوتني المناقشة..
واتصالي بوالديّ متظاهرة بالصحة لئلا يقلقا عليّ إن لم أتصل فهذه عادة صباحية لا أتركها..!
وتذكرت دعائي لمن ضحكت بصوت عال حتى شعرت بسقوط مطرقة على رأسي..!
وتذكرت أنني كنت أستحضر معنى أن يتحامل المريض من أجل درس وحلقة..
تنهدت وأنا عند باب الغرفة، في الدور الثامن، قائلة: الحمد لله على دروس تثبت فينا اليقين!
دخلت الغرفة، وإذا بصديقاتي مجتمعات ينتظرنني..
وقد تحببت كل واحدة منهن بما يخفف عني..
هذه جهزت غداء لذيذًا
وتلك اشترت حلوى أفضلها
والأخرى غيرت ترتيب الغرفة..!
ولا يزال كرم الله!
-
كان يومًا لا يُنسى، وليلة لا تُمحى من الذاكرة..
أسرّي بها عن نفسي كلما ألمت بها ضائقة، أو حزبها ما نصب على الكراهة.
-
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن