إشراقات تنوّه بكتيّب الأستاذة شريفة الهيلي
إشراقات تنوّه بكتِّيب عن السيرة المباركة لامرأة مبدعة في أدبياتها
عنوانه: فجر الإنسانية (ملامح من عظمته وسموّ خُلقه صلى الله عليه وسلم)
كم من كتابٍ زَخَر في طيّاته بالحقائق العلمية والخلاصات المنطقية، لكن لم يكن حظُّ القارئ منه إلا أن تصفح فيه بضعَ صفحات ثم أعاده إلى رفّ المكتبة ليرقُدَ عليه غبارُ الأيام والسنين!
وكم من خُطبة قرعت المسامع وملأت أصداؤها أركانَ المكان، لكن لم يكن حظُّ السامع منها إلا السماع، ثم الخروج من المكان كما دخله!.
يُعزى السبب في ذلك للمصدر والأداة، أمّا المصدر فلابد أن يكون الكاتب أو المتكلم مخلصاً لله تعالى في رسالته، ملمَّا بالمعلومات محل موضوعه.
وأمّا الأداة، وهي الكلام المنطوق أو المكتوب ، فلابد أن يكون مغموساً بالبلاغة والبيان، ولابد من أن تلبس الكلمة ثوبَها الأدبي القشيب، فتُقبل بقوّة العاطفة التي فيها، فتقع في قلب القارئ أو المستمع موقعَ التأثير والتغيير.
إن أكثر ما بطّأ بالمسلمين اليوم هو أنّ مكتَبتَهم الكثيرة المؤلفات العديدة المجلدات تعاني فقراً شديداً من الكتاب الأدبي، في حين أنّ الآداب المعادية للإسلام تنشر رواياتها وأشعارها شرقاً وغرباً، فيتلقّفها الناس، ومنهم مسلمون، على أنها مدعاة تسلية وإشباع فراغ عاطفي فحسب، وهي في ظاهرها كذلك، لكن في باطنها خططٌ مدروسة ودسائس مقصودة، يسعى أصحابها في أحسن الأحوال لمحاربة القيم والفضائل، هذا إنْ لم يتركوا قرّاءهم عرضةً لبراثن الريبة في عقائدهم وفِطَرهم السليمة.
وما أكثر الذين أقبَلوا على ذلك الأدب تحدُوهم إليه حاجاتُهم النفسية، فألهبَ مشاعرهم بقصص المُتعة والغرام، ثم ما إن انتهوا حتى وجدوا أنفسهم في صراع مع معتقداتهم وتعاليم دينهم، فرُمُوا على طريق الملحدين فألحدوا..
هذا هو الأدب اللاإسلامي، الذي تنشط فيه أقلام كثيرة تصل النهار بالليل من أجل تمرير أفكارٍ هدّامة و دسائس مشوِّهة. أين هذا الأدب بظاهره البرّاق وكُنْهِه الخبيث من الأدب الإسلامي؟!.
فلا مقارنة ولا مقاربة، فبالكاد ترى كتاباً في العلوم الشرعية كُتب بحُلّة أدبية تأخذ بحسّ القارئ فتمسكه فيقرأ بشغف، فلا يترك الكتاب حتى ينتهي منه.
ولعل أبرز الأسباب في ذلك يعود للفجوة العميقة الحاصلة بين الجيل ولُغته، وللتصوّر الخاطئ بأن إسباغ المددِ الأدبي على حقائق الدين وأحكام الشريعة يُنقص من هَيْبة الديّن ذاته، وهذا من الخطأ بمكان.
وإنني أودّ أنّ أحاكي كتيّباً في السيرة النبوية من القطع الوسط ، بصفحاته ال 222 ، نشرته دار المعراج، وقفتْ صاحبتُه الأستاذة شريفة الهيلي على أحداث وأحوال من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فصاغت عبارتَه بأسلوب أدبّي مُرهف، وكأنما كانت تغرف لقلمها من زجاجة عطر لا من مِحْبرة.
فهي التي قالت عنه :
(( تجدون في هذا الكتاب سطوراً من اليُتم و لذعةَ الجُرح، ومطرَ الحزن الطفولي البريء، الذي يستعلي على البَوْح ويترفع عن الشكوى. ليالٍ من الهجر والغياب، من الشوق والانتظار، أزاهير من الحب، وفاكهة الذكرى، ونهر الوفاء. قناديل من الصبر وصناعة الحلم ، وهندسة الحياة. كل ذلك على صعيد أرض مكة الطاهرة، في رحلة إنسانية فريدة، وقصة روحانية يتيمة، بطلها : محمد صلى الله عيه وسلم)).
انتقيتُ بعض الأحداث التي توقظ الأمل، وتُلهم الصبر، وتحض على الوفاء والشجاعة. ثم ألمعتُ لها بإيجاز تحت عنوانها (إشراقات). فعلى سبيل المثال :
- - قالت في وفاء آمنة لزوجها عبدالله (والدَيْ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد أن ذكرت قصة شوقها له بعد أن طواه الثرى، وتجشُّمها الطريق الطويلة الوعرة لزيارة قبره ، في إشراقة قالت فيها: (( خمس سنوات ٍ وبضعةُ أشهر لم تُنْسِها رحيل ذلك الزوج، لم تُنسها حبّه، والشوق إلى رؤيته، والوقوف على أعتاب منازله، لم تُنْسِها صنائع معروفه، وعلائق حبّه، لله درُّه من رجل هَزَم مملكة الأنثى، فهزمت من أجله مملكة الذكرى)).
- - وأومضت عن معنى الأنثى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم بإشراقة قالت فيها: (( لقد كان عصرُ الرسول هو العصر الذهبي للمرأة، حيث حَظِيت بكرامتها، وشعرت بمكانتها وأحسّت بقيمتها، بعد تاريخ أسود طويل مشحون بالوأد والامتهان، بالنقص والازدراء)).
- - وأومضت بعد الخَيبة التي لحقت بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من اجتماعه بثَقيف في الطائف، وما ألم بقلبه الشريف من الحزن في رحلة عودته بإشراقة قالت فيها: (( لم ينتقم منهم، فهو رسول الإنسانية، قُربُه كبُعده، أمنٌ وسلام، وإنما قال كلمة دان لها التاريخ، وأصغى لها الزمن، ووجف لها قلبُ الأيام، قال: " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيء" )).
- - وأومضت في حادثة الإسراء والمعراج وتكذيب قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم بإشراقة قالت فيه: (( والحرائر قد تكون وَبالاً على قومٍ ، لكنها قطعُ نعمة على قوم آخرين، يكسبون شرف السَّبْق، ومَنقبة الحَمد، وقد فازت بها خديجة وأبو بكر الصديق، فسُمِّي أبو بكر بـ( الصدِّيق)، وكُتبت تلك المَحمدة في سيرة خديجة، وظلت حاضرة في ذاكرة المصطفى كلما تذكّرها قال: "وصدّقتني حين كذّبني الناس"! )).
- - وأومضت في قصة الهجرة والغار، والمشاقِّ الهائلة التي عانى منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه ، بإشراقة قالت فيها: (( حَجَر، وروح ، وحلم، تلك هي معادلة الشجاعة الحقيقية، يرضخ الجسد لظروف الحَجر، ويقبّل الحَجَرُ كفّ البشر، ويبقى الحلم آمناً هادئاً مطمئناً، يستوطن الروح)).
- - وأومضت على ذيول الهزيمة التي لحقت بالباطل متمثلاً برؤوس الكِبْر من أمثال أبي جهل الذي قضى في غزوة بدر الكبرى بإشراقة قالت فيها : (( مات أبو جهل وعَفَت أيامُه واندرست ذكرياتُه، وعاش المصطفى بعده وأقام دولة الحق، ووطَّن أركانَ العدل، ورفع سقف الدعوة والإنسانية، ولم يضره كيد الكائدين)).
- - وأومضت بعد فتح مكة ودخول المسلمين منتصرين بإشراقة قالت فيها تصف مكة: (( حنّت إلى مدارج أقدامهم، وعِطْر كفوفهم، حيثما تلبَّس جدران كعبتهم الشريفة... وتعود مكة تحضن أبناءها من جديد، كأُمٍ رؤوم، عثرت على أبنائها بعد طول غياب، وسِنِّيْ يأس، وليالٍ من القنوط، لعلها كانت يعقوبية الهوى، وشوق أبنائها يوسفيّ الحنين)).
ثم ختمت كتابها بالحديث عن محطات من عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم احتضان الأرض لجسده الشريف، بعد رحلة أَعْشبت لها الأرضُ وأوْرق لها الزمن ، وألهمت الأجيال وستبقى تُلهمهم معاني الإنسانية المستوحاة من دينها الحنيف.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن