أختي ماذا أفعل معها؟
أنا أخٌ أصغر لأخت تبلغ 25 عامًا، وجدتُها تتحدَّث مع شباب على الإنترنت، فتحدثتُ إليها وقلتُ لها: هذا لا يصح ولا يجوز، فقالتْ: لن أفعل ذلك مرة أخرى؛ ولكنها فعلتْ فأخبرتُ أمها بذلك، علمًا بأن الوالد متوفى، فحلفتْ أنها لن تعود إلى ذلك مرة أخرى؛ ولكنها فعلتْ ولم أخبرْها أني عرفتُ، ولم أخبرْ أمي بعدُ، علمًا بأنه عندما يأتي الخطَّاب تقول: هو أصغر مني، أو قصير، أو غير مقبول، أو وظيفته لا تناسبني، أو تقول: لا يهتم بالمنظر، وغير ذلك، وفي نفس الوقت إن فصَلتُ الإنترنت فهي تحمل جوالاً وتدخل منه على الإنترنت، فماذا أفعل معها؟
اسمح لي أولاً أن أهنئك وأدعو لك، فإن كتابتك تدل على عقل راجح وحكمة وبُعْد نظر، وهي صفات قد يتحلى بها الصغير دون الكبير، فبارك الله فيك وأعانك على احتمال تبعة ذلك، فإن الوعي والعقل يحمّلان صاحبهما من الهم ما لا يحمله الغافلون من الناس والمغفَّلون!
أما مشكلة أختك فهي من البلاء الذي عَمَّ في هذه الأيام، ولئن كانت هي كبيرة بحيث تملك شيئًا من الحكمة أو التجربة فإن آلافًا وعشرات من الآلاف من الفتيات الصغيرات اللائي لا حكمةَ تحميهن ولا تجربةَ تردعهن يقفنَ كل يوم على شفا هاوية مخيفة لا قرار لها، ولا تكاد الواحدة منهن تجد اليد التي تمتد إليها لتمنعها من السقوط أو تسحبها إلى الأمان؛ بنات غفل عنهنّ الآباء والأمهات وانشغل الإخوة والأخوات، وكل ما يصل إليهن من حيث تلفَّتْنَ يدعوهنّ إلى الاندفاع إلى القاع، من إعلام ضال مُضلّ وصحبة ضائعة مضيِّعة، ثم يجدن بين أيديهن أدوات للاتصال والتواصل لا رقابةَ عليها ولا ضابطَ لها، فمن أين يأتي الأمان وكيف تكون النجاة؟!
أما أختك فإن من فضل الله عليها أن جعل لها أخًا يقظًا واعيًا محبًا لها حريصًا عليها، فانتبهَ إليها وفكر في إنقاذها قبل أن تقع الفأس في الرأس، فلتحمد هي الله على ذلك واحمده أنت على فضله. ولكن الإحساس بالمشكلة والرغبة في حلها ليست حلاً بذاتها، وإن تكن هي أولى الدرجات في سلم الحل والخروج من المشكلة، فماذا يمكنك أن تصنع؟
في مثل هذه الحالات أقدّم دائمًا حلين: حلاً معجَّلاً هدفه الوقاية، وهو أقل قيمة لكنه ضروري للنجاة، وحلاً مؤجَّلاً يستغرق وقتًا وفيه الحل الكامل للمشكلة بإذن الله. الأول ينبغي تنفيذه على الفور وهدفه إغلاق باب الخطر بأي طريقة كانت، وهو علاج يعتمد على "الفعل" وعلى التنفيذ الذي قد لا يخلو من قَسْر وإكراه، أما الثاني فهدفه إبقاء باب الخطر مغلقًا على الدوام، ويعتمد على "الفكرة"، على الإقناع وتغيير الأفكار التي ينشأ منها السلوك، وهو موضوع أفضتُ في بيانه في غير واحد من إجاباتي السابقة في هذا الموقع فلن أعود إليه.
الذي جرت عليه العادة أن الطرف المرشَّح للعلاج هو الأكبر سنًا وقَدْرًا وأعلى سلطة من الطرف المعالَج، وهذا الفارق في المستوى يُستغَلّ عادة لمصلحة العلاج، وهو أمر نفتقده في حالتك هذه، لكن عسى أن لا ينشأ من فرق السن تأثير سلبي، وأن تكون لك دالّة من مودة واحترام عند أختك فتساعدك ولو قليلاً.
الذي تخشاه أنت هو أن تُخدَع أختك وتُجَرّ إلى عمل لا يرضى عنه الله، وأنت محق في خوفك لسببين؛ أولهما أن خداع الفتيات ليس أمرًا صعبًا إذا استُغلّت عواطفهن ولُعِب بمشاعرهن، والثاني أن من يتصل بالفتيات والشوابّ الصغيرات من وراء ظهور أهليهن ليسوا من الصحابة والتابعين، بل هم غالبًا "أبالسة صغار" من خرّيجي مدارس "إبليس الكبير" التي تعلم فنون الإغراء والإغواء، من هذه الصحف والمجلات الضالاّت المُضِلاّت وهاتيك القنوات والفضائيات الفاسدات المفسدات، فكيف تحميها من هؤلاء الأبالسة وكيف تكفّ عنها شرهم؟
كما قلنا: لا بد من سدٍّ فوري لباب الخطر أولاً، ولو كان بتدخل خارجي وقسر وإكراه، ثم يأتي بعد ذلك بناءُ الدفاعات الذاتية من أفكار صالحة وقناعات إيجابية. أنت لن تستطيع وقف أختك بفصل الاتصال ولا بإخفاء الحاسوب، فقد صار أصغر جهاز محمول قادرًا على الاتصال بأي شخص كان في أي مكان كان، وهي لن يُعْجزها الحصول على مثل هذا الجهاز وهي في هذه السن. فليكن -إذن- حرصك كله في هذه المرحلة على منعها من "اللقاء الفعلي" بأي رجل غريب، وهذا أمر سهل نسبيًا لأننا ما زلنا نعيش في مجتمعات شرقية فيها بعض السيطرة والسلطة للأعراف الاجتماعية، ولم نَصِرْ بعدُ -لحسن الحظ- كالغربيين الذين صارت بعض مجتمعاتهم أسوأَ في الاختلاط والتسيّب من حظائر الماشية وأكنان الدجاج!
لا تسمح بخروجها من البيت منفردة، ولو إلى السوق لشراء أغراض أو لزيارة صديقات أو قريبات، بل احرص على أن ترافقها وأن تجعل خطوك فوق خطوها، وبذلك تضمن أن تبقى تحت المراقبة فلا تلتقي بشخص غريب، ومثل هذا الشخص الغريب المريب لن يزورها في بيتكم بالتأكيد، وهكذا نغلق باب الشر مؤقتًا وإلى حين.
في هذه الأثناء وطوال الوقت ستبذل جهدك لإقناعها بسلوك طريق السلامة. اجعل حديثك معها في جرعات صغيرة متباعدة ولا تُلقِ عليها مطوَّلات المواعظ والمحاضرات فتمل منها وتنصرف عنها. إذا رافقتها في الطريق أو سامرتها في البيت فسرِّبْ إليها الفكرةَ بعد الفكرة والنصيحةَ بعد النصيحة. خوِّفْها من عذاب الله الذي أوعد به العُصاةَ وشوِّقْها إلى نعيمه الذي وعد به الطائعين. اجمع ما استطعت من قصص تعرفها أو تسمع بها عن فتيات غَرّر بهنّ رجالٌ تكتسي عظامهم بمثل جلود البشر وتنطوي أضلعهم على مثل قلوب الذئاب، قصص واقعية حقيقة تتقارب مطالعها وتختلف تفصيلاتها وتتماثل خواتيمها: اتصالات ومغازلات، فوعود ومواعيد، ولقاءات وزيارات، ثم السقوط الذي ما منه بد، وبعده كذب منه وإعراض وإخلاف، ورجاء منها وتذلل واستعطاف، ثم يمضي هو بحثًا عن ضحية جديدة وتبقى هي لقهر العمر وحزن السنين.
اقتربْ منها وعاشرها بالمودة والحنان ولا تُعْرض عنها وتُغلظ لها، فإن اللين أدعى للقبول والتأثير. وإذا كانت مرتبطة بالحاسوب والاتصال بالشبكة (النت) وكان هذا سببًا للمرض فيما مضى فاجعله منذ اليوم سببًا في الشفاء، فأرسل إليها -بالبريد الإلكتروني- ما تصل إليه من قصص ومواعظ مما يمس القلب ولو كان من قصص العوام، لا مما هو مدبَّج بالتكلّف ولو كان من كلام البلغاء. وطعِّمْ ذلك بكتابات ومراسلات شخصية منك لها، تصوغها بأسلوبك وتستفز بها مشاعر المحبة والأخوّة بينكما، فعسى أن تملأ بمثل هذه الكتابات فراغًا عاطفيًا ربما استغله غيرُك من الخبثاء من قبلُ في التواصل معها، فيكون في تواصلك معها وقايةٌ ويكون علاج.
أرجو أن يعينك الله وأن يوفقك في العلاج، على أن هذا كله لن يبلغ غايته ولن يتحقق الحل الكامل لهذه المشكلة إلا بالزواج، فتحاور معها في ساعات الصفاء حوارًا منفتحًا صريحًا لا حواجز فيه ولا مُغَلَّقات، ساعدها على أن تفتح لك قلبها وأن تشاركك في أحلامها، فتفهم منها ما تحمله من تصوّر عن الزواج وصورة عن زوج المستقبل، وسوف تفهم عندئذ السر في رفضها هذا وذاك من الخاطبين. ثم إنك ستدرك خصائص ومواصفات العريس الذي يمكنه أن يقنعها ويمتلك قلبها، فإذا عرفت ذلك فابحث فيمن حولك من الرجال لعلك تجد الشخص المطلوب، وإذا ما وجدته ورأيت أنه مناسب لأختك -في الدين والخلق وسائر الصفات- فلن تُعدَم وسيطًا من صديق أو قريب يحرك الموضوعَ بذكاء ويدفعه إلى التقدم لخطبتها، وفي هذه الأثناء تهيئها أنت للقبول، فإذا خطبها ووافقت وتم الزواج حُلَّت المشكلة من أساسها. بالطبع هذا التصوير مبسَّط غايةَ التبسيط بحيث يبدو أشبهَ بالقصص والحكايات، لكنه ليس من باب الخيال المحض، وإنه لَيرتقي إلى عالم الواقع بالجهد والاجتهاد والعمل والمثابرة، وقبل ذلك وبعده بالدعاء والتوجه الصادق إلى الله بطلب الستر والتوفيق.
أما إذا لم يتوفر الرجل المطلوب فلن تستطيع أن تفعل شيئًا سوى الدعاء والانتظار، ثم إذا جاءكم خاطبًا من ترضى دينَه وخلقه من حيث المبدأ، ومن تحس أنه مناسب لأختك من حيث الشخصية والشكل، فسوف يبدأ عندها دورك لإقناعها حتى لا تفوّت الفرصة ويمضي الخاطب كما مضى من قبلُ سواه. وقد تأخر اليوم سن الزواج بحيث يمكننا توقع خاطبين كثر خلال السنوات القليلة القادمة، ولا بد أن يكون واحدٌ منهم على الأقل ملائمًا لها بإذن الله، فعسى أن يوفقك الله في مسعاك وأن يحفظها بحفظه حتى ذلك الحين، وأن يرزقها الزوج الصالح والذرية الطيبة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن