المرأة المسلمة وصناعة الإنسان
كتب بواسطة د. سيرين الصعيدي
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
1240 مشاهدة
يتفاخر العالم اليوم بإنجازاته المادية التي حققها على عدة مستويات، محاولاً أن يجعل هذه الأجيال تغرق في ترف مادي على حساب بنائه الروحي، وفي حمأة الصراع المادي واهتمام الإنسان بمظهره نسي جوهره فلا عجب أن تجد اهتمام الناس بالماركات والموديلات وآخر الصيحات على حساب اهتمامه بمن يملك هذه الموديلات والماركات!
نعم تقدم العالم في كل ميادينه الصناعية والتجارية والتكنولوجية وما غير ذلك، لكنه حقق فشلاً ذريعاً في صناعة الإنسان الذي يجب عليه أن يعمر هذه الأرض بإنسانيته كحد أدنى ، لا أن يحوّل العالم إلى ساحة حرب دموية الغلبة فيها للأقوى وكأننا في شريعة الغاب، أو صالات عرض للأزياء ومحلات للتجارة بالأجساد.
وما كان كل ما سبق من فراغ، كلا، وإنما صوبوا سهامهم إلى قلب المحاضن التربوية التي من شأنها إعداد الإنسان الصالح المسؤول من مدارس ومعاهد وجامعات ومساجد ورياض أطفال وقبل كل ذلك حجر الأساس في الأسرة المرأة، فعاثوا في كل ما سبق فساداً ببرامج وخطط مدروسة خرّجوا لنا أجيالا من البشر وفق مقاييس معينة تنفذ خططهم وتحقق أهدافهم أدركنا ذلك أم جهلناه لكنه الواقع.
وما قضايا #المرأة إلا غيض من فيض بل ستظل المرأة الكبد الذي تصوب له سهامهم وستظل القلعة التي تدك حصونها والثغرة التي تُخترق الأمة -كل الأمة- من قِبَلها كيف لا تكون هدفاً لهم وهي لا أقول نصف المجتمع بل والمربية والمنشئة للنصف الآخر.
المرأة التي استطاعوا أن يوهموها بأن وظيفتها كمربية وربة بيت وراعية في بيت زوجها إنما ذلك انتقاص من كرامتها وتقزيم لدورها وتهميش لها لتكون كبش الفداء الذي يعتلي الرجل ظهره ويحقق إنجازاته وطموحاته وهي منبوذة لا كيان ولا وجود لها، فأصبحت حياتنا ساحة سجال بين ندين هما الرجل والمرأة وكأنه لا وجود لأحدهما إلا بتحطيم واجتثاث الآخر، وهل اتفاقية سيداو إلا مثال بسيط على ما يدور بل على ما يدبر لنا خفية!
من أين جاءت هذه المفاهيم التي اقتحمت أفكار نسائنا وبناتنا وشبابنا؟
من المستفيد من هذه المعارك التي أُشغلنا بها في الوقت الذي تنفذ به مخططات على أعلى المستويات لتدمير أجيالنا وتحقيق ما لم تستطع القوى العسكرية وآلة الحرب الهمجية تحقيقه؟
لِم لم يخض السلف الصالح - رجالاً ونساءً - بمثل ما خاض به المتأخرون من معارك لتحقيق وإثبات الذات؟
وهل الإسلام شريعة وعقيدة والذي كان المحرر الأول للمرأة وجعل منها شقيقة للرجل بل وجعل بعضهم أولياء بعض: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] هل هذا الإسلام الذي فهمه سلفنا على حقيقته كما أنزله الله هو الذي يشار له بالبنان على أنه دين ذكوري همّش المرأة وأغفل دورها؟
وهل استطاعت كل الجمعيات النسوية وحقوق الإنسان أن تكفل للمرأة عُشر ما كفله الإسلام لها بل وأقل؟
إنّ ما يحاولون حشو أفكار النساء وإقناعهن به ما هي إلا أوهام وأفكار دخيلة على المنظومة الإسلامية فكرياً وتربوياً وعقائدياً؛ لأنهم يدركون حقيقة واحدة: أن المرأة التي تهز المهد بيدها لهي أقدر على هز العالم بيدها الأخرى، وأن المرأة إذا تربت ونشأت على القيم والمبادئ الإسلامية صنعت جيلاً لا تقهره قواهم فيتمثل فيها قول الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها * أعددت جيلاً طيّب الأعراق
إن أعداءنا يدركون أن المرأة التي تهز المهد بيدها لهي أقدر على هز العالم بيدها الأخرى، وأن المرأة إذا تربت ونشأت على القيم والمبادئ الإسلامية صنعت جيلاً لا تقهره قواهم..
أيقنوا هذه المعادلة فأرادوا اختصار الطريق بتدمير الشجرة من الجذور وبذلك تهوي الفروع، وكان من أساليبهم أن أسدلوا الستار وعملوا على تغييب الصفحات المشرقة في تاريخ نساء المسلمين وذلك عندما قمنّ بوظيفتهن الأساسية على أكمل وجه في الوقت الذي كانت ترى به المرأة المسلمة أنها شقيقة أخيها الرجل مكملة له وأنّ لها دورها الذي لا ينكره بشر؛ لأنه من تشريع رب البشر في بناء تاريخ أمتها وثقافتها وحضارتها ومجدها.
ومما استوقفني من أهمية للمرأة سطرها كتاب الله المعجز الخالد وصفحات التاريخ الذي ما زالت أنواره ممتدة لوقتنا هذا، نموذجان لو لم يكن في شرعنا وتاريخنا غيرهما لكفى المرأة عزاً وفخراً بدورها الذي أكرمها الله به إلا أن هذين النموذجين غيض من فيض وللباحث عن الحقيقة دونه المصادر الموثوقة فليتأمل بها بعد أن يطرح ما أُقحم في رأسه من افتراء وزور، وهما:
النموذج الأول/ النظر في سيرة الأنبياء صلوات الله عليهم إذ أن منهم من ترعرع ونشأ في كنف امرأة، فكان الحديث في القرآن الكريم عن الأم في حياة مثل هؤلاء الأنبياء مع عدم ذكر الأب، وهنا لا أعقد مقارنة بين الأب والأم أو أقصد أن الأب دوره مهمش -حاشا لله- وإنما هي إشارة لما للمرأة وأمانتها وأهميتها في تكوين شخصية الطفل، سيما في سنواته الأولى وأثرها في بناء شخصيته، وصفعة على وجه من يتهم الشرع بإغفال دور المرأة وتهميشها إذ كيف يكون ذلك وقد جعلها الحضن الآمن لمثل هؤلاء الرسل والأنبياء.
النموذج الثاني/ صناعة العلماء الذين دانت لهم ولعلومهم الأمة وما يزالون برغم القرون من الزمن موائد علم تنهل منها الألوف المؤلفة، وليرجع القارئ الكريم لسيرة أحمد بن حنبل والشافعي ومالك وابن تيمية وسفيان الثوري ليعلم من كان يقف خلف هؤلاء العظام ليكونوا هم وعلومهم وانجازاتهم صدقة جارية في ميزان أمهات لم ينخدعن بزخرف القول ولم يأبهن لمعركة تحقيق وإثبات الذات لأن انتصارهن وتحقيق ذواتهن إنما يكون بعظمة هذه الأمة وإشراقها وتقدمها كما هو المفروض أن يكون أيضاً بحق الرجل، فالمسلم إنما هو جزء من كل ونجاحه وفوزه وتحقيق ذاته إنما يكون بفوز ونجاح الكل فلا أنانية ولا (نزعة الأنا) بذي بال عند المسلم أي كان رجلاً أو امرأة فكلاهما بناء يكمل بعضه بعضاً.
وعلى هذا فثمة أمور يجب أن نضعها نصب أعيننا في التعامل مع المرأة وإعادة طرحها من منظور شرعي لتفهم المرأة مراد الله من تكوينها وخلقها على هذه الهيئة من الله لا من أشباه العلماء ولا من أنصاف المثقفين، فالحقائق تؤخذ من مصادرها والشبهات تدرس أصولها والرد عليها من جهات مستقلة لا من جهات هي من خلقها واستوردها من مجتمعات تختلف عنا من الألف للياء لتجيء وتسقطها على منظومتنا الفكرية والثقافية والدينية، ومن هذه الأمور:
أولاً: لكل مخلوق في هذه الحياة دوره الخاص به بما ذلك الرجل والمرأة فإن كانوا سواء في التكليف والجزاء والكرامة إلا أن الله أمدهما بوسائل تناسب وظيفة كل منهما .
ثانياً: صناعة الإنسان ميدان المرأة وحركة وجودها في الحياة ووظيفتها الأساسية وهي مطالبة بتطوير ذاتها في كل مجال يخدمها ويمكنها من أداء هذه الوظيفة على أكمل وجه ولها أن تخوض سائر المجالات بما لا يتعارض مع وظيفتها الأساسية وفق ضوابط شرعية.
ثالثاً: تمركز الإنسان حول نفسه وجعل ذاته قبلة يطوف حولها واتخاذ هواه إلهاً يعبد من دون الله من أهم أسباب انتكاستنا وهذا الرجل والمرأة فيه سواء، فكلاهما خلق لغاية واحدة وإن اختلفت أساليب وصور تحقيق هذه الغاية لاختلاف طبائع واستعداد كل منهما، فمن كان يتمركز حول نفسه وذاته سينفق جل عمره لكسب الأنظار لسكناته وحركاته فسيضيّع أولوياته ناهيك عن ضروريات دوره ومهمته من وجوده.
رابعاً: ليس عبثاً أن يجعل الشرع الأولوية في الحضانة للمرأة؛ وذلك لأن الله أعدها إعداداً وأنشأها إنشاءً لهذه المهمة؛ فهي بعاطفتها وصبرها وقوة تحملها على رعاية الأبناء يكون تأثيرها أكثر وخاصة للفترة التي يقضيها الأبناء مع أمهاتهم ولوجودها بالقرب منهم على مدار الساعة فطول صحبتهم يكون تأثيرها عليهم أكبر وأعظم.
خامساً: اهتمام المجتمع بالأمراض الجسدية وإغفاله تشوهاته النفسية وعلله الفكرية أورده المهالك وما ذلك إلا نتيجة حتمية لبعده عن مصدر شريعته وفقدانه الثقة بثقافته وحضارته، وتبعيته الفكرية واستيراد قيمه وأفكاره من جهات لا ترقب فيه إلّا ولا ذمة فجعل منه مخلوقاً إمّعة لا يثبت على حال ولا يقر له قرار.
سادساً: إن الظلم الواقع اليوم على المرأة إنما هو نتيجة لعدم تطبيق شرع الله بداية ثم من جراء التطبيق الخاطئ وسلوكيات البشر المعوجة والدين من ذلك براء .
سابعاً: المجتمع بحاجة لإعادة تأهيل رجاله ونسائه -على حد سواء- فرجل ينظر نظرة دونية للمرأة التي لا تخرج عن كونها إما أمّاً له أو أختاً أو ابنة أو زوجةً لن يستطيع أن ينشئ أفراداً أسوياء بغض النظر عن جنسياتهم ذكوراً كانوا أم إناثاً.
ثامناً: انحراف البوصلة في الهدف والغاية التي خلق من أجلها الإنسان يؤدي إلى انحراف في الوظيفة التي أقامه الله عليها لتحقيق لهذه الغاية مما يؤدي ذلك إلى انحراف التطبيقات والسلوكيات.
وأخيراً..
ستظل صناعة الإنسان في كساد ما دام المسؤول الأول عنها في انشغال وذهول عن أهميتها، ورب الأمر والقائم عليه لن يحقق نجاحاً فيما أوكل إليه من مهام ما دام هذا الأمر في أدنى سلم كمالياته.
وستظل صناعة الإنسان أنفس الصنائع وأهم الوظائف ولكنها ستظل في تدهور وانحطاط نحو الدرك الأسفل ما لم تستيقظ المرأة من كبوتها وتستلم زمام أمرها لتعود مثمرة منتجة وبازدهارها تزدهر الصنائع الأخرى تبعاً لها، أما والمرأة تركب موج هذه الصراعات التي ما أنزل الله بها من سلطان فعليها وعلى الأجيال والأمة كلها السلام وستظل الأمة تتجرع الويلات ما تكاد تخرج من هوة إلا وهوة على الأثر تتبعها.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة