العلمانية: النسخة العربية المشوهة
كتب بواسطة عبد القادر قلاتي
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
1813 مشاهدة
عندما يتعلّق الأمر بالإسلام كمنظومة عقائدية واجتماعية وسياسية ناظمة لحياة المجتمعات والدول، يتخلى العلماني العربي عن كلّ نضالاته حول الدولة الحديثة ومجتمع الحداثة، بل ويعيد النّظر في الكثير من تلك المقولات التي ظلّ لسنوات طويلة يدافع عنها وينجز المدونات الطويلة في تبجيل النمّوذج الحداثي الغربي، وآلياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بل ويتحوّل إلى عدو لدود لكلّ تلك المنظومة المبجلة، ويصطف بسهولة تامة مع منظومة الاستبداد والتبعية، مبررا سلوكه هذا، بأنّ وجود الاسلام في الحكم والسياسة أشدّ خطورة على قيم الدولة الحديثة من النّظم الاستبدادية، لأنّ تحوّل الدولة في الغرب قام على منطق القطيعة مع الدين، فهذا الاعتقاد الذي يحكم علاقة العلماني العربي بالدولة والدين شكّل إعاقة حقيقة لمحاولة الفهم بعيدًا عن هذه الثنائية -أي العداء بين السياسة والدين بالمطلق.
ومن هنا لا نستغرب وقوف المثقف العلماني العربي مع الانقلابات العسكرية التي صدّرتها الثورات المضادة، أو الدعم المباشر للأنظمة الاستبدادية، في مصر وسوريا وليبيا واليمن وغيرها من البلدان التي تعيش مخاضاً كبيراً وصعباً لولادة أنظمة متصالحة مع المجتمع والعصر، والأمثلة من الأسماء والأحزاب والمنظمات كثيرة، ففي مصر مثلاً لم نر مثقفاً علمانياً واحداً وقف مع الشرعية، ودافع عن التجربة الديمقراطية التي جاءت برئيس ينتمي سياسياً للتيار الإسلامي، وانتظرنا أن نرى أحدهم يقف موقفاً إنسانيًا مع رئيس منتخب أزيح عن سدّة الحكم بانقلاب عسكري مكتمل الأركان، وزجّ به وبأعضاء حكومته في السجن، ومات مسجوناً مقهوراً ظلماً وعدواناً، لكنّ العلماني العربي ظلّ يردّد نفس الأسطوانة المشروخة التي يحفظها عن ظهر قلب، ولا يحسن قول غيرها، وفي تونس التي يشارك التيار الإسلامي في نظام الحكم القائم، والذي جاء نتيجة معادلة سياسية استصحبت الظروف الداخلية والإقليمة والدولية، وجسّدت نموذجاً سياسياً للحكم بعيداً عن الاصطفاف الايديولوجي المعهود، لكن العلماني العربي، لم ترحه هذه المعادلة السياسية، وقد شاهد الملايين من النّاس في العالم، كيف قام التيار العلماني بمحاولة تفكيك هذه المعادلة بحجج واهية، كما عوّدنا دائماً في إدارة الصراعات مع الخصوم السياسيين.
لم تعد النسخة العلمانية العربية صالحة لممارسة الفعل السياسي لافتقادها جملة من قيم التعاطي مع المختلف سياسياً، وتحوّلت إلى أداة طيّعة في يد الأنظمة الاستبدادية، وهي بهذا الوضع تشكّل خطورة على المجال السياسي العربي.
المصدر : صحيفة البصائر الإلكترونية
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة