باحث في مؤسسة القدس الدولية، متخصص في التاريخ الإسلامي، كاتب في عدد من المجلات والمواقع الالكترونية، عضو رابطة أدباء الشام، ومسؤول لجنة الأقصى وفلسطين في جمعية الاتحاد الإسلامي.
الإبعاد عن الأقصى.. محاولة لتطويع المقدسيين وإفراغ المسجد
تتصاعد اعتداءات الاحتلال على المسجد الأقصى وعناصره البشرية، إذ تحاول سلطات الاحتلال إفراغ المسجد من المرابطين والمصلين، في سياق فرض الوجود اليهودي داخله. ومنذ عام 2015 عملت سلطات الاحتلال على ضرب حالة الرباط في المسجد، وتحويلها إلى حركة «إرهابية» بمفهوم الاحتلال، ومن ثم جاء حظر مؤسسات الحركة الإسلامية – الجناح الشمالي وإغلاقها، ليفقد الأقصى أبرز داعمي حالة الرباط داخله، ومنذ ذلك العام صعدت سلطات الاحتلال إصدار قرارات الإبعاد، التي تصل إلى عشرات القرارات في الشهر الواحد، إن تزامن مع أحداث بارزة في الأقصى على غرار هبة باب الرحمة، أو مبادرة «الفجر العظيم».
وفي قراءة للفئات التي تتلقى الإبعاد، نرصد أربع فئات رئيسة هي:
– المصلون في الأقصى، إن كانوا من مدينة القدس المحتلة، أو من مجمل المناطق الفلسطينية المحتلة الأخرى، من الضفة الغربية المحتلة ومن الأراضي المحتلة عام 1948.
– القيادات المقدسية الدينيّة والوطنية.
– المرابطون، الذين يواجهون اقتحامات المستوطنين، ويعمرون مصلى باب الرحمة والمنطقة الشرقية.
– حراس الأقصى، وموظفو دائرة الأوقاف الإسلامية ومسؤولوها، وخطباء المسجد الأقصى.
ومع تنوع الفئات التي يستهدفها الاحتلال بالإبعاد، يحاول الأخير استخدامه لإرهاب المصلين في الأقصى، ووضعهم أمام خيارين، إما القبول بما يجري داخله، ويدفع حينها بالمصلي إلى أداء الصلاة فقط، من دون أي التفات لما يجري في المسجد من اقتحامات واعتداءات وتدنيس، وفي هذه الحالة لا يُبعد عن الأقصى، ولا يتم اعتقاله. وإما الإبعاد والاعتقال لمن يواجه المستوطنين، ويقوم بعمارة المنطقة الشرقية ولا يسمح بتدنيس مصلى باب الرحمة. واستطاع الاحتلال الوصول إلى هذه المعادلة عبر مراكمة استهداف المكون الإسلامي في الأقصى منذ سنوات عدة، وتحويل الإبعاد إلى أداة دائمة الاستخدام، يستهدف بها مكونات الوجود الإسلامي من مرابطين ومصلين.
هذا في جانب المصلين والمرابطين، أما عن آثار هذه السياسية بحق مسؤولي دائرة الأوقاف وموظفيها، فإن قرارات الإبعاد المتتالية تهدف إلى فرض سلطات الاحتلال نفسها متحكمًا مباشرًا بكوادر الدائرة وموظفيها، وإرساء المبدأ العقابي نفسه، ما ينتج لدى هؤلاء شعورًا بقدرة الاحتلال على معاقبتهم جراء أي تصرف يعيق الاقتحامات أو اعتداءات جنود الاحتلال، وهو عامل سيدفع حراس الأقصى خاصة إلى التفكير مليًا أمام أي حدثٍ يجري في المسجد الأقصى. وعلى الرغم من محاولة تطويع الوعي هذه، لم تفلح إجراءات الاحتلال العنيفة، في منع حراس الأقصى عن القيام بواجبهم، ففي تصريح لمدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني في 7 سبتمبر 2020 أعلن فيه أن سلطات الاحتلال تُبعد في وقت التصريح عشرة حراس عن المسجد الأقصى، فيما أبعدت منذ بداية العام الحالي نحو 25 حارسًا.
ومما يُظهر حجم الإبعاد عن الأقصى، التقارير التي يصدرها «مركز معلومات وادي حلوة» في القدس المحتلة، ففي عام 2019 أصدرت سلطات الاحتلال 355 قرار إبعاد عن الأقصى بحسب المركز، وشملت شخصيات مقدسية وطنية ودينيّة، من بينهم محافظ القدس عدنان غيث، ورئيس مجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية الشيخ عبد العظيم سلهب، ونائب مدير عام دائرة الأوقاف الشيخ ناجح بكيرات، ورئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، والعشرات من المرابطين وحراس الأقصى. ومن بداية عام 2020 حتى نهاية شهر أغسطس (آب)، بلغ عدد قرارات الإبعاد بحسب رصد مركز معلومات وادي حلوة نحو 251 قرار إبعاد، من بينها 217 قرار إبعاد عن المسجد الأقصى.
وفي سياق تسليط الضوء على فئات المبعدين آنفة الذكر، يتعرض المرابطون في مصلى باب الرحمة إلى حملة شرسة، ومن أمثلتها ما جرى في 7 يناير 2020 إذ اعتقلت قوات الاحتلال 10 مرابطين من داخل الأقصى، من بينهم فتاتان وسيدة، وأُفرج عنهم في اليوم التالي بعد تسليمهم قرارات إبعادهم عن الأقصى مدة 15 يومًا، إضافةً إلى كفالة مالية بقيمة 5000 شيكل (نحو 1440 دولارًا أمريكيًّا). وفي 21 يونيو 2020 أبعدت سلطات الاحتلال خمس فتيات عن الأقصى مدة أسبوع، وسبق الإبعاد اعتقال الفتيات من داخل مصلى باب الرحمة، بعد اقتحامه من قوات الاحتلال.
ويتعرض الشيخ عكرمة صبري لقرارات إبعاد كيدية ومتتالية من قبل سلطات الاحتلال، نتيجة مواقفه وتصريحاته، ففي 19 يناير 2020 سلمت شرطة الاحتلال خطيب المسجد الأقصى ورئيس الهيئة الإسلامية العليا الشيخ عكرمة صبري قرارًا بإبعاده عن المسجد الأقصى مدة أسبوع بتهمة «التحريض»، وذلك بعد اعتقاله والتحقيق معه في مركز تحقيق القشلة، وبلغه عناصر الشرطة بالعودة للتحقيق في 25 يناير 2020، وعند حضوره سلموه أمر إبعادٍ عن الأقصى مدة 4 أشهر. وفي 31 مايو 2020 أبعدته شرطة الاحتلال لأربعة أشهر أخرى.
ويسبق الكثير من حالات الإبعاد اعتقال المبعد من داخل المسجد الأقصى، وما يرافقه من اعتداء نفسي وجسديّ، وأظهرت بعض التقارير من مراكز متخصصة في القدس المحتلة نماذج حول أعداد المعتقلين من داخل المسجد الأقصى وحول أبوابه، وفي ما يأتي نماذج مختارة:
– في شهر يناير (كانون الثاني) 2020 اعتقلت قوات الاحتلال 78 فلسطينيًا من داخل المسجد الأقصى وأزقة البلدة القديمة.
– في شهر فبراير (شباط) 2020 اعتقلت قوات الاحتلال 45 فلسطينيًا من داخل الأقصى وأزقة البلدة القديمة.
– في شهر مارس (آذار) 2020 اعتقلت قوات الاحتلال 73 فلسطينيًا من باحات المسجد وقرب أبوابه.
وأمام هذه المعطيات الكثيرة المتعلقة بالإبعاد عن الأقصى، يجب على الأطراف الفاعلة، إن كانت المملكة الأردنية الهاشمية صاحبة الوصاية على الأقصى، أو السلطة الفلسطينية، أو غيرها من الأطراف، عدم الوقوف مكتوفي الأيدي في وجه هذا الاعتداء على مكونات الأقصى. إذ لا يقف الإبعاد عند منع مئات المقدسيين من الصلاة في الأقصى مددًا متفاوتة، بل يصل إلى جوهر فكرة إفراغ المسجد من رواده وأصحاب الحق فيه، ما يفتح الباب أمام شهية الاحتلال، لفرض المزيد من هذه القيود على الفلسطينيين، خاصة مع محاولات الدول العربية المطبعة حديثًا، أو التي تسعى إلى التطبيع السري والعلني، إلى تحقيق تدخلٍ ملموس في شؤون الأقصى، وتقديم المزيد من التنازلات كقربان لعلاقاتها «الطيبة» و«الودية» مع الاحتلال.
المصدر : ساسة بوست
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة