ماذا نستفيد كشعوب من خيانة وفشل الجامعة العربية والبحرين ومن سبقهما؟
من خلال خطوات التصعيد بين الإمارات والكيان الصهيوني وبعد رصد ملامح تصعيد آخر طرفه البحرين ومن هم على استعداد بخيانة، ومن خلال ما تلعب بخيوطه الصهيونية من سياسات في المنطقة مع أرباب القصور والحكام وشطحات علماء السلطان، وبعد ما سمعناه يوم أمس من انقلاب الجامعة العربية على القرار الفلسطيني لإدانة التطبيع الإماراتي فإن هذه الحركة الصهيونية صحبة الأنظمة العربية وأجهزتها تلمح إلى توجه جديد في توظيف الديكتاتوريات وإخراجها من جحورها لتوظيفها بمعية كل وسائلها المؤسساتية والعلمائية والمثقفة للتعبيد لشيء...
وللعبرة من التاريخ والأحداث لابد من رصد مكامن الوهن التي أصابت أمتنا وكيف نستفيد من هذه الأمراض المتتالية في جسم الأمة لمعرفة الداء وتشخيصه، وهذه الأمراض في جسم الأمة ما يسمى الجامعة العربية، فكيف نعتبر من هذا الاصطفاف م التطبيع؟ وأختصر هنا ثلاث رسائل :
أولا : رسالة الوعي بالتاريخ وفشل القومية
- الحدث يبعث برسالة إلى أن فوق القنفذ ليس هناك أملس، وأن الوعي بالمعركة والعدو وكيف يتحرك ومن يحرك، هو مطلب أساس لمعرفة ما هو الدواء وكيف حدثت النكبات، وماهي رؤيتنا للتحرك.
فمنذ عقود والشعوب وحتى بعض النخب والتوجهات القومية كانت تعول على المشروع القومي العربي باعتبار أن القومية حل للأزمة والنكبات، اليوم لابد أن نعتبر من التاريخ لنصل إلى أن القومية أيدلوجية مستوردة من أروبا بفهم وتنزيل خاطئ، وقد قمعت هذه الأنظمة القومية المتعصبة الأمة، وحاصرت الشعوب والعقول الحرة الصادقة عن تقديم رأيها في أزمة فلسطين وكيف تحرر، فكانت من عبد الناصر الخسائر والخيبات والهزائم مع أقذر وأنجس لفيف وفساد في الأرض.
النتيجة، كانت القومية العربية المستوردة من الغرب والتي صنعت الجامعة العربية ملاذا لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، إن لم نقل أنها تسببت في جرح الأمة حين انهزمت في 1948 و1967، بسبب استبعاد علماء ونشطاء ومفكري الأمة والشعوب عن تقديم رؤيتهم في التغيير والتحرير، بل وكانت بعض الدول العربية المستبدة جاسوسة تفتح لجنتها أو قصورها أو مقراتها العربية للموساد والمخابرات الصهيونية، لتتبع اللقاءات العربية الخاصة بالقضية الفلسطينية ومواجهة العدو الصهيوني.
الأمة كان رابطها الإسلام والدين ولم تتشتت، إلا بعد أن فتتوا القصعة في فترة الدولة العثمانية إلى أقطار وقوميات عربية ينادي بها ولاة عرب خونة وعلماء ورواد إصلاح سقطوا في شرك الماسونية فالقومية.
بعد مائة سنة من تقسيم القصعة والانكسار التاريخي جنجت الأنظمة الديكتاتورية إلى تقسيم المقسم، وإحداث انكسار أكبر بعد فشل عنصرية الصهيونية وقومية عبد الناصر والسادات والجامعة العربية في إضعاف فطرة وفكرة الشعوب تجاه القضية الفلسطينية..
وليس عبثا أن تجتمع الروح الصهيونية فتخرج الأوراق العربية وتحرج الجامعة العربية لجمع كل ذلك في لفيف يوجه صفقته وأجندته التطبيعية نحو تصفية الأمة والقضية الفلسطينية، خوفاً مما هو قادم ومهدد من الأمة وفطرة الشعوب العربية والإسلامية.
رفض الجامعة العربية لمشروع الإدانة سيقدم خدمة للشعوب كي تفقه من التاريخ من كان سببا في تحول الأمة الموحدة إلى قوميات ممزقة تسيجها صفقة "سايكس بيكو" وحدود وهمية حددها الاستكبار العالمي، حدود ورسوم لا تعبر عن هوية الأمة والقضية الفلسطينية ومشروع التحرير المطلوب، بل كانت الأيدلوجية القومية سببا في هزائم متتالية ضد العدوان الاسرائيلي، وكانت سببا للسماح للمشروع الصهيوني بالتطبيع لاختراق الشعوب بعد نجاحه في اختراق الأنظمة القومية، وكأن سياسة القومية بعد ضعفها وبعد ثورات الشعوب تستدعي الصهيونية في المنطقة والشعوب لإنقاذ عروشها وجدرانها بعد سقوط فكرها.
إذن، ليس عبثا أن تدخل الصهيونية بقوة الفن والثقافة والعلم لضرب عمق الإنسان العربي المسلم من خلال "مسلسلات أم هارون" و"حارات اليهود" وفتاوي علماء وتغيير مناهج دراسية، كلها سياسات من أجل تغيير عقلية الشعوب إلى عقلية مدجنة، لكن الصهيونية والتطبيع العقلي والمقدس الديني فشلا..
ونقول كيف لمشروع صهيوني فشل وأنظمته القومية العربية المستبدة -بعد مائة سنة- من تدجين الشعوب أن ينجح اليوم في التأثير على الشعوب وتصفية مقومات وجوده؟
ثانياً : رسالة الانكشاف ومعرفة الداء
- خيانة الجامعة العربية للقضية الفلسطينية من خلال رفض إدانة التطبيع سيقدم خدمة للشعوب التي ستفقه أن اللعبة مكشوفة، وأن الإرادة ليست بيد حكامها ولا حكوماتها ولا جامعتها العربية، الحل لتحرير فلسطين وتحرير الأمة من كل الفوضى هو بيد الشعوب والأمة والشعب الفلسطيني والمقاومة. ستفقه الشعوب أن هذه الجامعة وغيرها من المحافل الدولية كالأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير ولجنة القدس، ما هي إلا مؤسسات كانت تمتص الغضب في كل تحرك شعبي ضد الاحتلال، وكانت تقدم حلولا وهمية لبيع الوهم للشعوب أن الدول العربية ماضية في المواجهة..
وفعلا كانت الجامعة العربية وغيرها تلعب دور الإسفنج الذي يمتص الهبات الشعبية والمبادرات للتحرك والتحرر.
آن الأوان كي تفقه الشعوب أن الأصنام التي كان يتوهمها كحلول وملاذات ما هي إلا عدو مؤجل أو خصم خائن في المستقبل، سيخرج يوما، يأذن له السامري بالخروج لصناعة بقرة أو عجل بأقوى الأسلحة المذهبة، عساه يصرف الناس إلى عبادة رب العباد إلى عبادة العباد، وإعادة الاستعباد والاستعمار والخضوع، الذي بدت ملامح ضعفه مع ظهور مربعات ومقومات قوية في الأمة قد تربك الأوراق وتقلب العجل إلى صنم سخيف..
سخافة الجامعة العربية وفعلها برفض الإدانة قدم خدمة كبيرة للشعوب كي تعرف أن اللعبة مكشوفة، وأن المشروع الصهيوني استنفذ أوراقه مما دفعه، إلى حرق آخر أوراقه "الجامعة العربية" بعد توظيف ورقة الأنظمة العربية وعلماء البلاط بشكل متصاعد، وكأنه يدلل أن المشروع الصهيوني يهدده شيء ويحتاج إلى قوى المنطقة كي تصد هذا الانبعاث واليقظة المانعة من حدوث انكسار تاريخي ثالث، وتقسيم ثان للمقسم للقصعة، إن لم نقل أن القصعة بدأت تجتمع وتنفض عنها غبار الوهن والغثائية..
الجامعة العربية قدمت خدمة للشعوب وهي خدمة الانكشاف وكشف المستور ومن هو العدو وماهي أجزاؤه.
ثالثا : رسالة الشرط الذاتي
- يبدو أن إخراج صفقة القرن لمربع الأنظمة العربية وعلماء البلاط للترويج للتطبيع وإخراج مربع المؤسسات كالجامعة العربية لإدانة التطبيع هو أمر مقصود مستهدف يسعى إلى تصفية الأمة والقضية الفلسطينية، وهذا يدل على أن الاستبداد العربي والإفساد الصهيوني يجتمعان لتكتمل الحلقات، ودلالة على أن الأمة والشعوب والقوى الحية والشعب الفلسطيني والمقاومة كلها تعد الرهان المطلوب والمربعات المؤهلة لتحرير القضية الفلسطينية من لعبة الصفقات...
هذه رسالة أخرى للشعوب كي تفقه أن تاريخ انكسار الأمة والقضية الفلسطينية كان دائما بسبب عاملين، عامل الاستكبار الخارجي وعامل الخونة العرب، أي هي رسالة إلى الوعي أن الأنظمة العربية المستبدة ومؤسسات الإعلام الفاسدة، ومؤسسات الدين البلاطي، ومؤسسات المثقف المطبع هي أجزاء في المشروع الصهيوني، وأوتاد في تثيبت وبقاء الخنجر الصهيوني.
الوعي بتحرير المنطقة من هذه الأجزاء هي أولوية وعامل يسبق مواجهة العدو الصهيوني من قبل شعوب لم تتحرر، ولا ضرورة إلى انتظار حكام أو جامعة أو لجن باسم فلسطين أو العرب أو الإسلام..
إذن محور التغيير يقوم على أساس الشرط الذاتي وهو تحرك الشعوب العربية والإسلامية للتحرر من سياجات صهيونية وحبال تثبت الخنجر وتحميه..
الجامعة العربية تقدم خدمة للوعي بالواقع ومعرفة كيف نتحرك ونحرر.
تورط الجامعة العربية هو دافع لمن أراد العبرة والوعي أن فوق القنفذ ليس هناك أملس، بل الأنظمة العربية المستبدة تحولت من أنظمة كانت تواجه العدوان إلى أنظمة تواجه من كان يرفض العدوان الإسرائيلي..
الجامعة العربية عضو في مشروع استكباري صهيوني عطل مسار التحرير، وأخر سبل التحرك، وشتت جهود الفعل، وخروجها إلى صف الصهيونية اصطفافا بعد رفض الإدانة يقدم خدمة لنا كي تعرف الشعوب نفسها وأن الشرط الذاتي التغييري هو الحل والدواء...
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن