روائع من كلم النبوّة أي الطريقين نختار؟
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"حفّت الجنّة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات".
رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة، ورواه مسلم والترمذي عن أنس، رضي الله عنهما.
هذا الحديث هو- كما قال الإمام الفقيه الحافظ ابن حجر في كتابه "فتح الباري بشرح صحيح البخاري": من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم وبديع بلاغته في ذمِ الشهوات وإن مالت إليها النفوس، والحضّ على الطاعات وإن كرهتها النفوس وشقّ عليها.
فثمَة طريقان لا ثالث لهما: طريق توصل إلى النار ولكنها نار ليست كالنار التي نعرفها بل أشدّ بكثير وهي من شدّة حرّها وعظيم لهيبها مسودَةٌ وكلما احترقت جلود من يعذَب فيها بدَلهم الله غيرها ليستمرّ عذابهم، أجارنا الله منها وسلَمنا بلطفه وواسع رحمته من حرّها وحريقها. والخطورة أن هذه الطريق محفوفة بالشهوات ولذلك يسلكها كثير من الناس لأن فيها ما تميل إليه النفوس من شهوات الظلم والزنا والكذب وأكل أموال الناس بالباطل وترك الصلاة والصيام والزكاة والحجّ وتضييع الأوقات باللهو المحرّم وصحبة النساء الأجنبيات وما إلى ذلك من أنواع المعاصي التي يرتع فيها أكثر الرجال والنساء في عصرنا، وإذ بهم في غمرة غفلتهم عن مصيرهم يفاجئهم الموت فيتحسَرون ويندمون ويصيبهم من الغمّ والهمّ ما لا يعلمه إلا الله حتى إنهم ليتضرّعون إلى الله بعدما كانوا متكبِرين متعالين فيقول قائلهم ﴿ربِ ارجعون لعلّي أعمل صالحاً فيما تركت﴾!!! فيقول الربّ جلّ شأنه ﴿كلا﴾.
وأهل النار صنفان: منهم المخلَدون في النار لا يخرجون منها، ولا يموتون فيرتاحوا، وإنما هم في عذاب مستمرّ ﴿وإن يستغيثوا يغاثوا بماءﹴ كالمهل يشوي الوجوه﴾ والعياذ بالله سبحانه وهؤلاء هم الكفار.
ومنهم من يعذَب فيها بمشيئة الله إلى حين ليطهّروا من آثار آثامهم ومعاصيهم ثم يخرجهم الله تعالى منها ليدخلوا الجنّة وهم العصاة من المسلمين أهل التوحيد ممن لم يغفر الله لهم.
ولكن- كما يقول الإمام الغزالي في "الإحياء"- (لا تترادف أنواع العذاب على كلِ من في النار كيفما كان، بل لكل واحد حدٌ معلوم على قدر عصيانه وذنبه، إلا أن أقلهم عذاباً لو عرضت عليه الدنيا بحذافيرها لافتدى بها من شدة ما هو فيه.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنّ أدنى أهل النار عذاباً يوم القيامة ينتعل بنعلين من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه" [متفق عليه]. فانظر الآن إلى من خفِف عليه، واعتبر بمن شدِد عليه، ومهما تشكَكت في شدّة عذاب النار فقرِب أصبعك من النار وقس ذلك به. ثم اعلم أنك أخطأت في القياس فإن نار الدنيا لا تناسب نار جهنم، ولكن لمّا كان أشدَ عذابﹴ في الدنيا عذاب هذه النار عرف عذاب جهنَم بها. وهيهات!!).
تلك هي الطريق الموصلة إلى النار، أما الطريق الثانية فهي طريق النجاة، وهي مع أنها محفوفة بالمشقّات والمكاره ولكنها توصل إلى جنات النعيم. فمن صبر على المشقات وداوم على الطاعات ولم يغترّ بالشهوات ولم تلهه الدنيا عن الالتزام بمنهج الإسلام ولم ترهبه سطوة وسلطة الطواغيت عن الثبات على الدين: كانت له الجنة ورضوانٌ من الله أكبر.
وهكذا يتميَز الناس وتتجلّى حكمة الله البالغة في اختبارهم بالمشقّات والمغريات، وبالمكاره والشهوات، ﴿ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيَ عن بيِنة﴾، فما أعدل الله وما أبلغ حكمته!
فاستمسكوا أيها الغرباء، في زمن الفتنة وانتشار الفساد وغربة الدين، استمسكوا- أيها الشباب والشابات- بالإسلام واستعلوا على الدنيا ومتاعها، وجاهدوا أنفسكم على طاعة الله وإقامة دينه، وجاهدوا أعداءكم لردّ عدوانهم وتطاولهم على دين الله حتى تعلو شريعة الإسلام في الأرض ولئلا تكون فتنةٌ ويكون الدين كلّه لله. وهنيئاً لكم بعد ذلك مقامات الصدق ومنازل النعيم في جنّةﹴ عرضها السموات والأرض أعدّت للمتّقين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن