سلاح المقاطعة الاقتصادية
كتب بواسطة أحمد طه
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
808 مشاهدة
هذا العالم الدنيوي لا يحكمه (الحق) و(العدل) إنما تحكمه (القوة).. ولقد كان من الأدوار الأساسية السياسية لإخراج الأمة المسلمة هو: قيامها بـ (الحق والعدل)، والانتصار للمظلوم، والأخذ على يدِ الظالم.. ولكن عندما فقدت عزَّتها، وريادتها وضاع ملكها؛ أصحبت “تابعة”.. فقام العالم على أساس (القوة) ولا شيء غيرها.
فرنسا عندما استفزت مشاعر المسلمين ـ بالرسوم المسيئة ـ وفرضت تصورها وفكرها فرضاً بـ (القوة) واعتبرت ذلك (حرية تعبير) ومن يرد عليها فهو يروج لـ (خطاب الكراهية) إنما كانت تمارس أسلوب (القوة) لا (الحق) فهي التي تقرر ما تشاء من الموازين، وترد ما تشاء، ولا تُسأل عمّا تفعل، فما تصفه بـ “حرية التعبير” فهو هكذا، ولا حق للأذلاء ممارسة هذه الحرية إلا بإذن الأقوياء، وفي المجال الذي يحدده الأقوياء.. وما تدمغه بـ “خطاب الكراهية والإرهاب” فهو كذلك، ولا حق للعبيد مناقشة السيد في المعاني والمقاصد، وعقد المقارنات.. فما على العبيد إلا السمع والطاعة!
ففرنسا ـ وغيرها من دول أوروبا ـ عندما تسب الإسلام والمسلمين، وتَهين مقدساتهم.. فإنها تعرف إنهم ضعفاء، وتحت الهيمنة الدولية الخارجية، وتحت أنظمة مُعادية موالية للغرب داخلياً.. ومن ثم لا تجد في نفسها “حرجاً ولا تناقضاً ولا ظلماً” فهي تمارس حقها كدولة قوية، ضمن اتحاد أوروبي.. ومن ثم فهي تجد نفسها في مأمن من “ردة الفعل”!
وهي هي فرنسا التي مارست أبشع صور الإرهاب الوحشي في الدول التي احتلتها، وهي مازالت تحتل إفريقيا وتسرق ثرواتها بلا حساب ولا رقيب، ومع ذلك تتصدر للعالم باسم “الأنوار، والحرية” لأنها قوية.. ومن قوتها تُحدد “القيم والموازين” وتحتكر تفسير المعاني، فما تمارسه من إرهاب وإبادة وسرقة.. هو “تحرير ونشر للديمقراطية”، ومن يعترض عليها بالقول أو بالفعل فهو “راديكالي متطرف رجعي” يجب القضاء عليه!
ولما غضب المسلمون لنبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ الغضب العفوي الفطري المحمود.. استهزأت بهم أول الأمر، وراحت تتهم الغاضبين بالراديكالية والتطرف والإرهاب وخطاب الكراهية… إلخ، ولما حاول المسلمون إشهار “سلاح المقاطعة”.. أصدرت الخارجية الفرنسية بياناً متعجرفاً تأمر فيها الحكومات الذليلة في الشرق الأوسط بمنع هذه المقاطعة!
ولما استمر المسلمون في استخدام هذا السلاح ـ على ضعفه ـ وتوسعت دائرة المقاطعة عالمياً، وقبل أن يصل تأثير السلاح إلى مستواه الفعّال، خرج رئيس فرنسا على “قناة الجزيرة”.. ليعتذر اعتذاراً ضمنياً على ما قاله، وقال: “إنه لا يتبنى الرسوم المسيئة، وكلامه فُهم على نحو خاطئ”! رغم إنه قال عن المدرس المجرم ـ الذي روج للرسوم في حصة دراسية، وقتله شاب شيشاني (رحمه الله) ـ : “إن هذا المدرس هو وجه الجمهورية”، وقال: “لن نتخلى عن الرسوم المسيئة”.
وقال قبل نشر الرسوم المسيئة: “ الإسلام يعيش أزمة في كل أنحاء العالم” “وإنه سيحارب (الإسلام الانفصالي) والذي في نظره تمسك المسلمين ببعض شعائر دينهم كالحجاب”.. كلام وتصرفات لا تحتمل أي تأويل! وكلام ينم عن الحقد تجاه هذا الدين، وكراهية له، فبدت البغضاء من أفواههم، وما تُخفي صدورهم أكبر.
ظهر ماكرون على الجزيرة ليس بسبب احترام الإسلام، ولا المسلمين.. إنما بسبب “تلويح الشعوب المسلمة” باستخدام القوة.. وهذه القوة كانت في أضعف صورها وهي: “سلاح المقاطعة”، والتي قالت تقارير فرنسية ـ قبل لقائه على الجزيرة ـ إن الاقتصاد الفرنسي يعاني من مشكلات جوهرية بسبب فيروس كورونا، فإذا استمر سلاح المقاطعة فستكون النتائج كارثية..
ورغم إن سلاح المقاطعة حتى يكون له التأثير الفعّال لا بد أن تتبناه الدولة، وتستخدم سلطتها في محاصرة البضائع الفرنسية، والقضاء على تنافسيتها، وتقييد حريتها، وتشديد إجراءات دخولها من المنافذ، وفرض الرسوم الجمركية، وإيجاد البدائل الأخرى… إلخ. ولأن الحكومات المعادية لدينها وأوطانها لا تفعل ذلك.. وتبنت الشعوب هذا السلاح، الذي هو غاية ما تستطيعه حتى الآن.. ورغم إن فاعليته تحتاج إلى المقاطعة من حوالي “شهرين” إلى “ثلاثة أشهر” متتالية؛ حتى تتوقف “سلسلة التوريد” و”سلاسل الإمداد” فترتد على المصانع الفرنسية بالركود، والتوقف.. ورغم إننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، أسرع رئيس فرنسا للخروج على الجزيرة!
نستفيد من ذلك: إن العالم لا يحترم إلا الأقوياء، ومخاطبته بالحق والعدل، واحترام القيم التي ينادي بها، والمبادئ التي يدعو إليها.. يبدو خطاباً مضحكاً ساذجاً بالنسبة لهم، وخطاباً ذليلاً خانعاً مَهيناً بالنسبة لمن يدعوهم.. المعادلة: إذا أردت أن يحترمك العالم.. فقط كن قوياً، بل فقط لوح باستخدام القوة، عندها ـ وعندها فقط ـ سيحترمك الجميع! ولهذا قال تعالى لنا: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ…﴾ [الأنفال (60)]
المصدر : البوصلة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة