مرضى: السُكري، ضغط الدم، والكلى، والقلب في شهر الصيام
مرضى: السُكري، ضغط الدم، والكلى، والقلب في شهر الصيام
إعداد: د. نديم التيماني متخصص في أمراض القلب
-د. توفيق بعلبكي متخصص في أمراض السكري والغدد
-د. عبد الرحمن عيتاني متخصص في أمراض الكلى وضغط الدم
يقول بعض من يحتجون بقواعد الصحة: إن الصوم على النحو الذي فرضه الدين الإسلامي، مخلّ بالجهاز الهضمي عند الإنسان الصائم، ومخلٌ بالنَسق الذي استقامت عليه وظائف الأعضاء، وبما يتصل بها من الأمور الصحية والجسدية.. وهذا الزعم يرفضه الواقع العلمي، وتدحضه الحقائق المشاهدة، ولا سيما إذا تذكرنا أن الأمم التي كانت تطمح إلى تربية أبنائها ورجالها، تربيةً اجتماعية قوية، كانت تبادر إلى ترويض أجسادهم على الصيام، والزهد في الطعام، وتعريضهم إلى طوارئ من تقلُبات الجوّ، وتقلُبات المعيشة، كالذي نعيشه في رمضان.
وقد أدرك الأطبّاء منذ القرون القديمة وحتى عصرنا هذا، أنه لا بدَ لكل جسد من حين إلى آخر من عملية تنقية، تنظّفه مما تراكم فيه من السموم الغذائية والفضلات الضارّة، حفظاً للصحة، وصوناً للإنسان مما يصيبه من الأمراض بسبب ذلك التراكم، فكان الأطباء القدماء يوصون الناس الأصحَاء بالمسهِلات وبالمقيّئات، مرة أو مرتين في الشهر، ويوصون كذلك بالحجامة أو الفصد مرةً أو مرتين في السنة، يتوخَون من ذلك نقاء الأجسام من مضارّ كثير من الأغذية المتراكمة في البدن، والتي قد تسبب أمراضاً مختلفة كالربو، والضغط الدموي، والتسمُم الغذائي، وغير ذلك من الأمراض.
ثم أهملت هذه التدابير فيما بعد، حينما تطوّرت الحياة، وتقدّم البحث العلمي... أهملت، ليس لعدم جدواها، وإنما لصعوبة القيام بها، وخوفاً من إساءة ممارستها، ولأنّ الطبّ الحديث أوتي من الوسائل الحديثة، ما جعله يستغني عن تلك الوسائل القديمة.
فقد أدرك الطبُ الحديث، أن أشدَ الأمور إضعافاً لبنية الإنسان وأكثرها ضرراً بصحته، هو اضطراب تطوُر العناصر الغذائية والنفسية في الجسم، فإذا وقع هذا الاضطراب، وهو لا بدَ واقع، نشأت عن ذلك أمراض تختلف باختلاف المواد الغذائية غير المتمثّلة، والتي أدّت إلى تراكم الفضلات والنفايات في الجسم.. من تلك الأمراض:البدانة، الربو، الأملاح، الحصى، النِقرس، السكَر، تسمم الدم الغذائي، تصلُب الشرايين، ارتفاع ضغط الدم... هذه الأمراض كلها، فيها منشأ غذائي، ويمكن علاجه بتنقية الجسم مما تراكم فيه، وخير وسيلة نتوسّل بها إلى ذلك هي الصيام، فليس كالصيام طريقة لتنظيم الغذاء، سواء من حيث الكمية أو النوعية، وليس كتنظيم الغذاء بالنسبة لمرضى القلب وسيلةً ناجعة لعلّتهم.
ومن المعلوم أن البدانة أو السمنة، وزيادة الدهون في الدَم، وكمية الأملاح في الجسم، كلها عوامل تؤدّي إلى الإسراع في تصلُب الشرايين، وإلى ارتفاع ضغط الدم.. ولكن الصيام، والمقصود به رياضة النفس على القناعة بالقليل من الغذاء، كفيلٌ بمساعدة المريض على التخلُص من زيادة الأملاح، وإذابة الدهون الزائدة، وإعادة التوازن إلى الضغط الدموي..
* مرضى السُكري:
يمكن تقسيم مرضى السُكري بشكل عام إلى قسمين أساسيين:
1-المرضى الذين يعالجون بواسطة الأنسولين وهم في الغالبية صغار السن، أو كبار السن مضى على مرضهم أكثر من 15 سنة.
2-المرضى الذين يعالجون بواسطة نظام غذائي فقط، أو نظام غذائي مع أدوية تؤخذ بواسطة الفم.
في الحالة الأولى، الصيام غير مستحب خاصة بالنسبة لصغار السن، لأن البقاء فترة طويلة دون طعام أو شراب يؤدي إلى ظهور الأسيتون في البول وإلى الإخلال بتوازن السكر بالدم.
وعندما نسمح بالصيام للمرضى الذين يعالجون بالأنسولين، يجب تعديل كمية الأنسولين مع نوعيتها وفرض نظام طعام من وقت الإفطار وحتى السحور مقسّم إلى ثلاث وجبات متناسقة. ويجب كذلك فرض نظام مراقبة للسكر بالدم والأسيتون في البول.
أما بالنسبة للقسم الثاني الذي يعالج بواسطة نظام طعام فقط مع أو بدون عقاقير، فالصيام ممكن في أغلب الأحوال، وخاصة بالنسبة للمرضى الذين يعانون من بدانة ويلزمهم نظام طعام فقط.
أما الذين يعانون من داء السكري ويلزمهم علاج عبارة عن عدّة جرعات يومياً بشكل مكثَف، وكذلك الذين يعانون من مشاكل ناتجة عن مرض السكري مثل قصور كلوي أو مشاكل في شبكة العين أو في الشرايين، فهؤلاء لا ينصحون بالصيام.
وفي كل الأحوال من الضروري مراجعة الطبيب المتخصِص، فهو الوحيد المؤهل بإعطاء الحكم للمريض إن كان يؤمر بالصيام أم لا.
بعض النصائح الضرورية لمرضى السكري في حال المقدرة على الصوم:
1-الالتزام الكلّي بنظام الطعام مع توزيع كمية الطعام بشكل متناسق: وجبة عند الإفطار، وأخرى قبل النوم، وثالثة إلزامية عند السحور.
2-الإكثار من شرب الماء من فترة الإفطار وحتى فترة السحر.
3-عدم الإخلال بنظام الطعام كأخذ سكّريّات، لأنها تؤدي إلى ارتفاع حاد بنسبة السكر، وتشكل خطراً على مريض السكري.
4-مراجعة نسبة السكر بصورة دورية، بالإضافة إلى فحص نسبة الأسيتون في البول.
5-عدم الصيام في حال حصول ارتفاع حادّ بنسبة السكر بالدم لأن ذلك يستوجب أخذ كمية كبيرة من الماء والتوقف عن الشرب يؤدي إلى نقص كمية الماء في الجسم.
6-في حال حصول عوارض هبوط بنسبة السكر نهاراً، ينصح بعدم التردّد في الإفطار، خاصةً إذا تمّ التأكُد من هبوط نسبة السُكر.
7-مراجعة الطبيب المختص لتعديل العلاج ولاتباع نظام غذائي مناسب.
***
* مرضى ضغط الدم:
بالنسبة لمرضى الضغط، يمكن لهم الصيام إذا لم يكن هناك أي مرض آخر يتعارض مع الصوم. فمرضى الضغط يمكن أن يصوموا لأن الدواء ممكن أخذه عند الإفطار وعند السحور، وإذا كان الدواء يؤخذ ثلاث مرات يمكن استبدال دواء آخر به، له نظام مختلف.
ومرضى الضغط من المحتمل أن يتحسّنوا كثيراً خلال الصوم لأنه راحة نفسية وجسدية للإنسان. وبالتالي فإن هذه الراحة النفسية من شأنها أن تعمل على خفض ضغط الدم، لأن أكثر أمراض ضغط الدم سببها عامل نفسي.
***
* مرضى الكلى:
هؤلاء نستطيع تقسيمهم على ضوء المرض ودرجة هبوط وظائف الكلى إلى عدة أقسام:
فمثلاً، يمكن لمريض الحصوة أن يصوم بشرط الإكثار من شرب الماء خلال الليل.
أما بالنسبة لمريض الكلوة الذي يعاني من هبوط في وظائف الكلوة فعليه عدم الصيام نظراً لتأثير قلة الأكل والشرب على وظائف الجسد، إلا في حال تناول كمية الطعام والشراب المطلوبين خلال الليل.
* مرضى القلب:
فمريض القلب الذي يعوِده شهر رمضان على قهر الغرائز والشهوات، ويعوِده على الزهد والتقشُف في الأطعمة والأشربة، هذا المريض يصبح من السهل عليه، بل من الواجب عليه، اتّباع الطريقة نفسها سائر أيام السنة، كي يحفظ لجسده توازنه الغذائي، وكيلا يحمّل قلبه أيَ عبءﹴ من جرّاء الأغذية الزائدة سواء من حيث الكمية أو النوعية. فالأمراض التي تصيب القلب عادةً، متغيّرة متبدّلة، تشتدُ مرةً وتخفُ أخرى، وذلك بفعل عوامل متعددة، أهمُها العامل النفسي، الذي ينمّيه شهر رمضان تنميةً كبرى، وعامل النظام الذي يتعوّد عليه الصائم، فتنظيم وجبات الطعام في الإفطار، التي يجب أن تكون خفيفةً خاليةً من الدسم والدهون، قليلة الكمية، يساعد مرضى القلب كثيراً، وإلا فلا فائدة من صيامهم، وفي الحقيقة إن اعتيادهم ذلك النوع من الصيام، يجب أن يحفزهم على متابعته سائر أيام السنة.
ولا يفوتنا أن نذكر بهذه المناسبة، أن المريض الذي يعطيه واقع مرضه رخصةً في عدم الصوم، هذا المريض إذا تعلَم فلسفة الصيام، وما يحققه رمضان من قهرﹴ للغرائز، وسيطرة على الإرادة، وكبح للشهوات، أدرك أنه قادرٌ بهذا المعنى، وبفعل الإيمان، على الصيام، لأنه نافع له، غير ضارﹴ بقلبه أو بجسمه، شرط أن يتقيّد بما نوّهنا به آنفاً من الزهد في الدّسم، ومن القناعة بالقليل من الطعام. فكلما زادت نسبة الدهون في الدم زادت نسبة الكوليسترول، وازدادت بالتالي خطورة الإصابة بالنوبات القلبية. والدهون الحيوانية، التي نكثر من استعمالها في مجتمعاتنا، هي التي تزيد من نسبة وجود البروتينات الدهنية في الدم. وهذه الدهون موجودة بشكل كبير في: الدهون الحيوانية، اللحوم الدهنية، الحليب كامل الدسم، دهن أو شحم الخنزير، الزبدة... والمجتمعات التي تكون نسبة هذه الدهون مرتفعة في أطعمتها، تكون نسبة الإصابة بأمراض القلب بين أفرادها مرتفعةً. لذا فإنني أنصح مرضى القلب الصائمين، أن يبتعدوا عن تناول الدهون الحيوانية، والأغذية التي تحتوي على نسبة كوليسترول مرتفعة، وأن يستبدلوا بها لحوم الدجاج والسمك، والحليب الخالي من الدسم، والاكتفاء بكميات قليلة جداً من البيض واللحوم العضوية والقريدس وغيرها، وأن يطبخوا بزيوت الخضار النباتية غير المشبَعة، ويتجنَبوا زيوت الخضار المشبَعة مثل زيت جوز الهند..
إن تطبيق هذا النظام الغذائي، ولا سيما في رمضان، يخفّض نسبة الكوليسترول في الدم، وكذلك يعين المريض على أن يحيا حياة هادئةً خاليةً من المنغّصات المرضية.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن