ناقتان كَوْماوان
كتب بواسطة الشيخ بلال الزعتري
التاريخ:
فى : المقالات العامة
1424 مشاهدة
سبعون رجلًا يزيدون أو ينقصون، تجدهم - ليلَ نهارٍ - يأوون تحت ظُلَّةٍ لا يُحيط بهم ساتر في برد شتاء، ولا حَرِّ صيفٍ !
أولئك هم أهلُ الصُّفَّةِ من فقراء المهاجرين، وقد لحق بهم بعضُ إخوانهم الأنصار مِن فقراء المدينة، نزلوا جميعًا في مؤخَّر المسجد النبوي، يبتغون قُرْبًا من رسول الله ﷺ؛ يلتمسون منه علمًا، ويجاهدون تحت لوائه، يُطعمهم - عليه الصلاة والسلام - ويَسقيهم؛ فإذا أُهدي إليه أهداهم، وإنْ أتته صدقاتٌ تصدَّق بها عليهم، هكذا أحاطتهم عنايته، ومنَّ عليهم برضاه.
أحبَّ - بأبي هو وأُمّي - يومًا أن يُفرح قلوبَهم فأنار بطلعته مجلسَهم، ثمَّ بشَّرهم: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَومٍ إلى بُطْحَانَ (وادٍ قرب المدينة يُقام عنده سوق)، فَيَأْتِيَ منه بنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ (عظيمتَي السَّنام)، في غيرِ إثْمٍ، وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، كُلُّنَا يُحِبُّ ذلكَ، قالَ: أَفلا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إلى المَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِن كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَيْرٌ له مِن نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ له مِن ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ له مِن أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإبِلِ» [مسلم].
راح أهلُ الصُّفَّةِ بعدها كلٌّ ينافس أخاه في تعلُّم القرآن وتعليمه وتلاوته، والحال أنَّ أحدَهم لا يجد رداءً تامًّا يستره؛ فإما إزارٌ وإما كساء، يربطه في عنقه يبلغ نصفَ ساقه، وهو يجمعه بيديه كراهةَ أن تُرى عورته ! ويعتمد آخَرُ بكبده على الأرض، أو يربط حجرًا على بطنه، يُسكِت بذلك جوعَه.
في رمضاننا هذا: تلبَّس كثير من المسلمين بحال أهلِ الصُّفَّة؛ وقد أحاط بهم الفقر، وضاقت عليهم السُّبُل؛ فلا حياة كريمة في وطنهم، ولا يجدون ملجأً في غيره، يكاد أحدهم لا يجد ما يسدُّ به رمق أطفاله، وقد انقطع مئات آلاف منهم عن أعمالهم، ومَن يجد منهم عملًا لا يكاد مُرَتَّبُه يَفِي بأدنى حاجاتِه، بل إنَّ بعضهم قد بات بالعراء لا يجد حتى صُفَّةً يستظلُّ بها !
في تلك الداهية الدَّهْياء انبرى المسلمون يقتدون برسول الله ﷺ؛ يحثُّ بعضُهم بعضًا على تعلُّم القرآن وتعليمه، و يتنافسون في تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وهم يتدارسونه ويتدبَّرون آياتِه، و يتسابقون أيُّهم يختم أولًا.
في رمضاننا هذا: كم جمع المسلمون - في أسواق تلاواتهم - من نُوقٍ كُوْمٍ في غير إثم ولا قَطْعِ رَحِم، وكم من غنيٍّ مسلم بسط يديه، فأنفق مواسيًا فقيرًا: يُطعمه، ويَكسوه، ويُؤويه.
بلد استحكمت فيه الأزمات، حتى ظُنَّ أنْ لا ملجأً للناس منها؛ نهبُ أموالٍ جهارًا نهارًا، صفقاتُ فسادٍ صارت مضربًا للأمثال، مَخَازٍ ليس أقلُّها تبييض أموال…
في هذا البلد لِيَهْنِنَا الإسلام، وليَهْنِنَا رمضانُ شهر القرآن والإحسان.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة