الأدب الإسلامي وتجديد الخطاب الديني
كتب بواسطة د. محمد عبد القادر عطوات
التاريخ:
فى : بوح الخاطر
1989 مشاهدة
إن تجديد الخطاب الديني بحاجة إلى مناقشة تكشف جوانبه، وتوضح كيفية التعامل السويّ معه بما يدعم أصالتنا ولا يهدّد شخصيتنا واستقلالها في عصر العولمة التي تحاول احتواءنا، وابتلاع العالم كلّه، كما تحاول أن تبيّن موقف الأدب الإسلامي من هذا التجديد.
ولعلَّ المتابع للمؤتمرات الثقافية التي عقدت في عالمنا العربي تحت دعوة تجديد الخطاب يدرك -مما أعلن من مناقشاتها ونتائجها- إلى أيِّ حدِّ قد تجاوزت الثوابت بدعوى التجديد.
وكان من الأولى أن يكون عنوانها تجديد الخطاب الديني، حتى يكون هناك وضوح في الطرح والتناول ولكنها للأسف تدعو إلى تجديد خادع بعيد عن المرجو منها.
وثمة قضية خطيرة في هذا المجال عندما يصبح النص الديني -القرآن الكريم أو الحديث الشريف- مجالاً للتأويل والتفسير المتجاوز للثوابت، استجابة لفكرة المسكوت عنه في النص، لأننا بذلك نتجاوز خصوصية هذه النصوص التي هي جوهر ديننا وكينونيتنا.
وحقاً يجب أن نعيد النظر في خطابنا للآخر بما يكشف عن عدالة موقفنا، وسموّ أهدافنا وشمولية ديننا للدنيا والآخرة، وسماحة ثوابتنا.
وبالنسبة إلى تأويل وتفسير النص الديني يجب ألا يتصدّى لهذه المهمة إلا القادرون المؤهلون لهذه المهمّة عقدياً وفكرياً وعملياً، وأن يكون هناك تواصل علمي بين هؤلاء القادرين المؤهلين، حتى نتجنَّب الشطط من ناحية والغلو المنهيّ عنه من ناحية أخرى.
ولقد حاولتْ المناهج النقدية للحداثة أن تطلق العنان للقارئ لتفسير النص فرأت البنيوية وغيرها اختفاء المؤلف وأن لا شيء خارج النص.
ولذا إن كانت المناهج النقدية للحداثة قد حاولت كبح جماح المبدع بالنسبة للنص فقد أطلقت العنان للقارئ في تفسير النص وتحقيق المعنى، مما أدَّى إلى فوضى التفسير، وذلك مما جعل نظرية نقدية أخرى هي نظرية التلقي تضع من الضوابط ما حاولت به كبح جماح القارئ فاقتحمت أفق هذا القارئ الذي تشكّله ثقافته وبيئته، وهو يواجه به النص، كما اعتبرت أفق هذا القارئ جزءاً من أفق الجماعة المفسِّرة التي ينتمي إليها القارئ، وذلك كوسيلة للتقريب بين مواجهات القراء للنص وبين عدم إطلاق العنان لهم، واجتناب فوضى التفسير والتأويل، وهي ما يجب أن ينأى عنها أي خطاب بصفة عامّة، والخطاب الديني بصفة خاصة، ذلك الخطاب الذي تسهم في تشكيله الملابسات والظروف، وكذلك علاقته بالمبدع والمتلقي.
إن مجال التجديد واسع فسيح الأرجاء في فهمنا وتصوراتنا ورؤيتنا نحن تجاه هذه الثوابت، ولنا أسوة حسنة في اختلاف الفقهاء الأئمة، مثل ابن حنبل وأبي حنيفة والشافعي ومالك رحمهم الله، مع الفارق الكبير والبون الشاسع بين توجهاتهم وما يمكن أن نقوم به نحن، فهم بالرغم من اختلافهم فقد كان هذا الاختلاف رحمة، وهم لم يخرجوا على هذه الثوابت، وعدم الخروج يصبح سياجاً لخطابنا، ويجب ألا نسمح للسكوت عنه أن يتجاوز هذه الثوابت، أو يتعارض معها مهما تعدَّدت مجالات خطابنا الديني، وتباينت توجهاته.
إن الأحكام الشرعية ثوابت قد ضبطها الفقهاء الأئمة، في ضوء مصادر التشريع الإسلامي، ويبقى لنا مجال فسيح في العلاقات الاجتماعية والأخلاق، وعلاقة الحاكم بالمحكوم، وما يحقق مصلحة الأمة، إلى غير ذلك، من أصغر الأمور – كإماطة الأذى عن الطريق- إلى أعظمها وهو الجهاد.
وهنا يبدأ دور الأدب الإسلامي ونهجه في التعبير عن هموم الأمة وحاجاتها وآمالها، إذ يصبح من أنسب الوسائل التعبيرية التي تكشف عن تجديد الخطاب، لأن الأدب الإسلامي يوظف الكلمة الجميلة المعبِّرة في التعبير عن قضايا الأمة، مع اهتمامه بملاحقة المتغيرات، ويجري كلُّ هذا وفق التصور الإسلامي، دون سلطوية أو هيمنة مزعومة، وبذلبك يلبّي احتياجات الأمة، ويشبع رغباتها ومتطلباتها في الخير والحق والعدل، وهي تتعامل مع أمسها وحاضرها ومستقبلها.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
رسالة إلى طلّابنا الأعزّاء
إلصاق الإرهاب بالإسلام.. تحقّقٌ وجواب!
اضطراب هوس الاكتناز القهري
ابتسامة رضا
وقفات قافية.. مع السيرة النبويّة