في عاصفةِ الأزماتِ... كيف السبيلُ إلى النَّجاة؟!
.. وانقطعَت أنفاسُهم عن الحياة! طفلةٌ وشابٌّ وكهلٌ! في يومٍ واحد... في بلدٍ واحد... هو خبرٌ واحد... فارقوا الحياة، ولكنْ ما الغريب في ذلك، والموتُ حقٌّ؟! وكلُّ نفسٍ ذائقةُ الموت.
ولِمَ لا يكون الخبر غريباً؟! فمكان الوفاة مختلفٌ ولا قرابة تجمعهم، غيرَ أنَّ قاتلَهم واحدٌ رغم كلِّ الاختلافات، مجرم واحدٌ: فسادٌ طالَ الحياة حتَّى أهلكَها! هو المتسبِّبُ المباشرُ لموتهِم جميعاً!
فهلْ يقفُ المجتمع المدني مكتوفَ اليدَيْن متفرِّجاً على ما يحدثُ لأبنائِه بعدما تنحَّى المسؤولون عن القيامِ بواجباتهِم نحوَ شعبِهم؟!
وها هي الأحداثُ تتوالى مسرعةً، في سباقٍ للضحايا الذين يتساقطون واحدًا تلوَ الآخر، هذا مات بسبب نقصِ الأوكسيجين، وهذا مات بحثاً عن الماء، وتلك الطفلة ماتَتْ لأنَّها لم تجدِ الدواء!
نظرة خاطفة على الشعبِ تقرأُ من خلالها معاناة رسمَت معالمَها في الوجوه، وحديث مكلومٍ في العيون، وقهرٌ وذلُّ يسري في العروق.
معاناة طالَتْ كلَّ نواحي الحياة، الماء والغذاء والكساء والدواء والكهرباء، ولم يعدْ بمقدورِ ربِّ البيت أن يدفعَ أجرة المأوى مهما كان صغيراً، ارتفاعٌ رهيبٌ في الأسعار، وغلاءٌ فاحشٌ حالَ دون لقمةِ العيش.
ورحمَ الله عمرَ الفاروق إذ قال يوماً من على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بؤساً لعمر! كم قتلَ من أولاد المسلمين!"... أتدرون ما الذي حملَه على هذه المقولة؟! لأنَّه سمِعَ بكاءَ طفلٍ في ليل بينما كان يتفَّقدُ رعيتَه، أمُّه تحاولُ فطامَه لينالَه فرضٌ من مالِ المسلمين.
فكم طفلاً بكى في الأيَّام الماضية؟! لا يجدُ حليباً، ليس طمعاً بمالٍ ولكن لأنَّ الاحتكار طالَ غذاءَه الوحيد.
نعم، استيقظْنا لنجدَ أنفسَنا كأصحابِ الكهف! لا قيمَة لمَا نملكُ من عُملة متداولة، كل شيء تبدَّلَ من حولِنا، أو كأنَّنا هبطْنا فجأة إلى كوكبٍ غير كوكبِنا فلا نحن نفهَم لغتَه الاقتصادية، ولا ندركُ كيفيَّة التحرُّك في الأرض.
فحالُ المسؤولين مجردٌ من المسؤولية؛ فلا همْ سلكوا طريقَ عزيزِ مصرَ في حلِّ الأزمة، ولا اتَّخذوا من مواقفَ مرَّت بالمسيح عبْرَة، ولا كان لهُم في رسولِ الله محمد صلَّى الله عليه وسلَّم أُسْوَة.
لذا لا بدَّ للمجتمعِ المدنيِّ من التحرُّك بسرعةٍ أعلى من وتيرَة تغيُّر الأوضاع وعدَم الانكفاء على نفسِه منتظرًا الفرَج من ربِّ السماء، ولا معجزةً، أو كرامةَ ولِيٍّ!
وكأنَّ عجلَة الزمان تدُور بنا إلى الوراء، فبدَل التقدُّم لمنافسةِ العالم اقتصاديًّا وحضاريًّا إذْ بالبلدِ يتدهور إلى مصافِّ الدُّول المتأخِّرة!
لا شكَّ في أنَّ تلك الأحداث التي سمعْنا بها وغيرها ممَّا لم نعرِف به، أصحابها ماتوا بقهرٍ أو تعفَّفوا عن الظهورِ للعلنِ، يشْكُون حالَهم لربِّ السَّماء.
كل ذلك كفيلٌ لرفعِ مؤشر خطرِ الانهيار المتوقَّع قريباً، ممَّا يدفعُ بالمجتمع المدنيِّ إلى التحرُّك ورفع الهِمَم في التَّكافلِ والتَّعاضد مِن شمالِ البلد إلى جنوبِها ومن شرقِها إلى غربها إلى بقاعِها، وكأنَّ شعارهم: "لنْ نسمحَ بمسحِ لبنان منَ الخارطة!".
ولينتفض ويسدَّ منافذَ الفقرِ ويقدِّم نموذجاً من التَّكافل والتَّعاضد، تبرزُ فيه طاقات شبابيَّة ومؤسسات إغاثيَّة تقومُ على تأمينِ الاحتياجات الأساسيَّة، امتثالاً لقوله تعالى: "وتعاونُوا على البِرِّ والتَّقوى".
فالتحدِّيات كبيرة أمامَ ما يواجِه لبنان منذُ سنوات، وقد اشتدَّت في الأشهرِ الأخيرة، فمع الصبرِ والمصابرةِ لا بدَّ من العمل والتحرُّك على الأرضِ لتغيير الواقع.
التحرُّك بمبادراتٍ فرديَّة في القرى والأحيَاء والمدن، كلٌّ في محيطِه الذي ينتمي إليه وكأنَّه نواة لحراكٍ منظَّم، رغم أنَّه ليس كذلك، إنَّما الدافع له مشترك، الشعور بالآخر، شعور الجسدِ الواحدِ. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثلُ المؤمنِين في توادِّهم وتراحمِهم وتعاطفِهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى" (أخرجه مسلم).
الواقع الذي فُرض على لبنان وأهلِه اليوم يحتاجُ إلى تكاتفٍ أكثرَ من أيِّ وقت مضى، يحتاجُ إلى تنسيقٍ بين المؤسسات الخيريَّة والإغاثيَّة، يحتاجُ إلى تحرُّكٍ سريع، وإلى وضعِ برامجَ للداخل ومساندة إخوانِنا من الخارج، فهي مسألة حياة أو مَمات...
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة