نجوى بنوت: أخصَّائيَّة نفسيَّة وأسريَّة، محلَّفة نفسيَّة لدى محكمة حاصبيا الشرعية السنيَّة. مسؤولة لجنة الأسرة في جمعية النجاة الاجتماعية بيروت، المدير التنفيذي، ومدير البرامج لشركة Enspire group
الحجاب ما بين الأصالة والرِّدة.
كثيرًا ما يُثار الحديث عن نزع الحجاب على أنّه ظاهرة، وممّا أراه شخصيًّا هو ليس بظاهرة، بقدر ما هو نتيجة للعديد من العوامل منها: البيئة المحيطة والتي تشمل الأسرة والتربية، المدرسة وتعاليمها، الصحبة، وغيرها. ونزع الحجاب هو سلوك يصدر عن الأنثى، بعد مرحلة من الصراع الداخلي بين قبول الفكرة ورفضها، ثمّ تولد تلك الفكرة لتبدأ بسلوكيّات تدريجيّة تخفيفيّة تمهيدًا إلى نزعه تماما.
هو أمر متوقع لمن ارتدت الحجاب على أنّه عادة وليس عبادة، ولم تحطْ نفسها بالصحبة الصالحة؛ التي تشدّ على يديْها في زمنٍ بات فيه القابِض على دينه كالقابض على الجمر.
وتختلف الحجّة لدى من خلعت الحجاب، وقد تتشابه، ومنها أنّه من الحريّات الشخصيّة، وأنّ الإيمان في القلب، وأنّ هناك الكثيرات من المحجبات ممّن لديها سلوكيات أسوأ من الغير محجبة، وغيرها من الحجج التي تتمسك بها كي تقنع الآخرين بصوابيّة قرارها. ولها نقول ونذكّرها بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)} سورة المائدة. والضرر الحقيقي سيقع على من خلعت حجابها، فالدِّين لن يتأذى لأنّ الله تعهدّ بحفظه، ولا المجتمع سينهار، وإنّما ستبقى تلهث خلف السعادة, لتجد أنّها تنحدر أكثر فأكثر في مستنقع من المغريَات؛ بحثًا عن نفسها وعن الإشباع النفسي الذي تنشده ولن تجده.
ولمن حجّتها أنّ الحجاب تخلُّف ورجعيّة، نذكّرها بقوله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ}، فالإسلام أخرج المرأة من عادات الجاهليّة وأكرمها، أضِف إلى أنَّ لباس المرأة الحرّة، كان يختلف عن الأَمَة في ذلك الزمان، ليتمّ التمييز بينهنّ فكانت الحرّة تغطّي وجهها في حين تكشفه الأمَة، وقد ذكر الفقعسي في شعره:
وَنِسْوَتُكُمْ فِي الرَّوْع بادٍ وُجُوهُها
يُخَلْنَ إِمَاءً وَالْإمَاءُ حَرَائِرُ.
فهو يقول لهم أنّه من كثرة نوائبكم، وهزيمة الناس لكم تكشف نساؤكم دومًا وجوههنّ خوفًا من السَبي، وذلك أنَّ العرب في الجاهلية ترغب في سَبي الحرائر، لأنهنّ أثمن وأشدّ وقعًا على العدو.
ويقول الفرزدق:
تَرى لِلكُلَيبِيّاتِ وَسطَ بُيوتِهِم
وُجوهَ إِماءٍ لَم تَصُنها البَراقِعُ.
إذا كان هذا حالهم مع الستر في الجاهلية فما هو حالنا اليوم؟!
والجدير بالذكر هو أنّ الحجاب فرض كسائر الفرائض، فإن التزمَت به المسلمة، أسقَطت عنها تلك الفريضة كأداء الصلاة تمامًا، كما وأنّ للحجاب ضوابط ونواقض كالالتزام باللّباس الفَضفاض، الذي لا يصِفّ ولا يشِفّ، أمّا ما كان من حجاب يكشف الرقبة واليديَن كالتوربان والتروكاتر، وغيره ممّا تنتجه صَيحات الموضَة بطريقة ممنهجة، لتقنع المسلمة أنّه بإمكانها ارتداءه، وبذلك تكون محجبة بطراز حديث، وأن الحجاب لا يحرمها من لذّة الحياة على "اعتبار أن صيحات الموضة (الفاشن) من ملذات الحياة"، فهذا كلّه ليس من الدِّين في شيء، فمن تلتزم بالحجاب وهي مؤمنة بمشروعيّته، تكون أكثر حرصًا على أنْ لا يشوبَه شائبة، لا بل تزداد حشمة وحياءً ورغبة في الاستزادة بالستر، لا التراجع والتخلّي والتخفيف منه، لأنّها بذلك تستشعر لذّة طاعتها لله بالتزامها بأوامره.
وختامًا أسأله الله تعالى أنْ يحفظ علينا دينَنا الذي هو عصمة أمرنا، وأنْ يسترَنا بسترِه فوق الأرض وتحتَ الأرض ويوم العرضِ عليه.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة