نجوى بنوت: أخصَّائيَّة نفسيَّة وأسريَّة، محلَّفة نفسيَّة لدى محكمة حاصبيا الشرعية السنيَّة. مسؤولة لجنة الأسرة في جمعية النجاة الاجتماعية بيروت، المدير التنفيذي، ومدير البرامج لشركة Enspire group
العلاقة الزوجية: بين الفهم، سوء التطبيق للشرع.. والنّسوية.
من أسباب المشكلات الزوجية: اِختلال مفهوم العلاقة الزوجية لدى البعض، فمفهوم أنه على الزوجة واجب تقديم آيات الطاعة، والولاء، والخضوع التام، وكأنّها خُلقت لتلبية رغبات الزوج فقط، والتي غرستها العادات، والتقاليد البالية، والإعلام المشوّه؛ والتي كانت سببًا في ظهور الدعوات النّسوية التي نعاني منها اليوم، لتحصيل حقوق المرأة، في حين لو أننا اطلعنا على حقوقها التي أعطاها إياها الشرع الحنيف الحق، لتوجهت تلك الدعوات، والجمعيات للمطالبة بإعطاء المرأة حقها الذي أعطاها إياه الشرع لا أكثر، ولطالما تمّ تشويه الحقائق، وتحريف الدين تبعًا لهوى النفس؛ ممّا أدّى إلى النفور من الدين أساسًا..
لذا حتى الدِّين علينا أن نحرص على أخذه من الثقات، لا ممن يحرفونه تبعًا لأهواهم.. قال تعالى: {وأخذنا منكم ميثاقا غليظا}، وليس أبلغ من التعبير القرآني العظيم في وصف العلاقة الزوجية بكونها [الميثاق الغليظ]، وبما تعنيه الكلمة القرآنية من بلاغة وروعة من العهد، والقوة، والتأكيد الشديد لأهمية الحفاظ عليه والوفاء به. وسمي ذلك لعظمته وشدته لعظمة مافيه من حقوق وواجبات، وذلك مصداق قوله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}، فتكريم الإسلام للمرأة لا بدّ أن يؤخذ بعين الاعتبار في أي طرح يُطرح، ولا بدّ من توعية الرجال والنساء على حدِّ سواء بحقوقهم وواجباتهم، كي لا يطغى طرف على آخر، ولا يستأثر طرف دون الآخر بالمطالبة بحقوقه والتراخي فيما يتعلق بواجباته، ليؤدي كل طرف ما يتوجب عليه بناء على بنود ذاك الميثاق الغليظ، وليكون الزواج سكنا وإشباعا للاحتياجات وتحصينا لكلا الطرفين، ولنا فيما ورد عن الصحابة في التزامهم بما شرّع الله قدوة حيث ورد أنه عن ابن عباس قال: إني أحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي، لأن الله تعالى ذكره يقول: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}.
وفي ظاهرة مجتمعية تعرف باسم "النسوية" يطالب من خلالها البعض بحقوق المرأة وينشؤون الجمعيات المناهضة لذلك، ويصورونها على أنها ضحية، وأن الزوج وحش كاسر يتعامل معها بظلم، ودونية وبخس لحقوقها. ويطالبون بالمساواة بينها وبين الرجل في حين أن القوامة الشرعية للرجل هي حلم المرأة الغربية والشرقية الغير مسلمة، فمن الناحية النفسية للمرأة احتياجات نفسية فطرية: لمن ينفق عليها وإن كان لها مال، وتوفير الحماية والأمن، السند.. ومن الناحية الشرعية: ولتصحيح مفهوم قوامة الرجل، كلّفه الله بأن يقوم على رعايتها وتأمين حاجاتها، وعدم تعريضها للاستغلال سعيًا لكسب قوتها والدفاع عنها وحمايتها، لا التسلط عليها وظلمها بدعوى القوامة..
وفي تمحيص دقيق للمشكلة نجد بأن هناك اختلاف في أسباب العنف الذي تتعرض له المرأة، ولا يمكن تعميم هذه الأسباب، ففي بعض الحالات تكون المرأة هي السبب في العنف الواقع عليها، وقد تكون المشكلة الأساسية هي في أن هذه المرأة لا تمتلك مهارات التعامل الصحيح مع الزوج، ولا تدرك ما هي حقوقها بداية لتطالب بها، فتراها تتخبط في صراع بين ذاتها، احتياجاتها ومطالبها ومهارات لا تمتلكها، ونصائح جاراتها في جلسات ترتشفن فيها القهوة وطرح كل واحدة منهن لتجربتها في ترويض زوجها. وقد يحدث أن لا تصيب تلك التجربة التي نصحتها بها إحداهن، جاعلة من حياتها حقل تجارب لاكتشاف الأسلوب الأنسب، وفي كل مرة قد يقع عليها العنف من قِبل الزوج الذي لم ترق له التجربة الجديدة.
لا ننكر أن بعض الأزواج أيضًا لا يملكون مهارات التعامل مع الزوجات على اختلافها، وقد يكون البعض ممن يعانون من أمراض نفسية أو اضطرابات شخصية تساهم في تعزيز السلبية في التعامل مع الزوجة. كما وأن هناك العديد من العلاقات الزوجية يكون فيها الزوج هو الضحية، ضحية العنف النفسي والجسدي من قِبل الزوجة، ولكننا في مجتمع ذكوري يتكتم فيه الزوج على معاناته، فيتألم في صمت، إذ أنه من المعيب أن يشتكي من سوء معاملة زوجته له، أو أن يطالب بعلاج المشكلة معها، وفي المقابل هناك ما يلزمه بالسكوت عنها حرصا على الصورة الاجتماعية، والتماسك الهش للأسرة لوجود الأولاد..
وفي العودة إلى الزوجة المعنّفة تحديدا، ما أود أن أقوله هو أنه عوضا عن تأجيج العنف بين الزوجين وتحريضها، وتعزيز فكرة كونها ضحية، لا بدّ من تثقيفها وتعليمها حقوقها التي أعطاها إياها الشرع وتمكينها للمطالبة بها من خلال مهارات التواصل السليم، وتعزيز ثقتها بنفسها وغرس المفاهيم الصحيحة لديها لتقوم هي بدور الدفاع عن نفسها بأسلوب يحفظ حقوقها لا يسلبها إياها، ولا تكون الطرف المساهم في إيقاع الظلم عليها لضعف شخصيتها وجهلها بحقوقها الشرعية.
وكي لا تكون فريسة دعوات نسوية تمثل إسقاطات لبعض النساء اللواتي تعرضن للعنف وقررن إنشاء جمعيات للانتقام، وتعويض النقص، وتخفيف الشعور بالظلم الواقع عليهن. وكي لا نكون نحن المسلمين قد قدمنا بجهلنا لحقوقنا كما واجباتنا، وبسوء تطبيقنا لتعاليم الشرع، ذريعة وشبهة يحاربنا من خلالها المتربصون للأمة الأسلامية.
وأختم كلامي هذا بكلمات للدكتور إياد قنيبي في معرض حديثه عن حقوق المرأة:
"ليس هناك مصلحة أعظم من أن يعرف الناس نساءً ورجالاً عظمة شريعة ربّهم وتطمئن نفوسهم إلى عدل ربهم وحكمته، وهذا أولى من حفظ أُسَر يرافقها سوء ظن بالله وشريعته، ترضعها المرأة أطفالها... عندما يُعرض سلطان الشريعة على الجميع فالكل يُنصف ولا يعترض إلا مريض القلب. وما ترك الناس من أمر الله شيئا إلا أحوجهم إليه .. والذي يأخذ من الشريعة ما يريد ويترك ما يروق له فهو كالمنافق".
نسأله الله تعالى أن يحفظ بيوت المسلمين من كل سوء يُحاك لها.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن